الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«التشكيليين» تحتفي بالتجربة الجمالية لمحمد أبولحية في معرضها العام

«التشكيليين» تحتفي بالتجربة الجمالية لمحمد أبولحية في معرضها العام
18 فبراير 2013 23:16
إبراهيم الملا (الشارقة)- في بادرة إنسانية ولمسة وفاء مقدّرة تجاه الفنان التشكيلي الإماراتي محمد أبو لحية الذي يمرّ خلال هذه الفترة بأزمة صحية حرجة، خصص المعرض العام لجمعية الإمارات للفنون التشكيلية، المقامة دورته الحادية والثلاثين حالياً، في متحف الشارقة للفنون، جناحاً مستقلاً لواحد من أهم الفنانين المحليين الذين يعتمدون في إنتاج أعمالهم على الفطرة والموهبة والحدس الذاتي في تطويع الخامة وإنتاجها فنياً، كما أصدرت الهيئة المشرفة على المعرض كتيباً خاصاً احتوى على السيرة الذاتية للفنان، وصور أرشيفية لنماذج من أعمال نحتية، اعتمد فيها على خامات متنوعة مثل الحديد والبرونز والخشب والحجر والمواد البلاستيكية، وضم الإصدار أيضاً قراءة نقدية مكثفة من الفنان والباحث علي العبدان الذي تحدث عن تجربة أبو لحية من جوانب ووجوه فنية متعددة. المعرض ضم المعرض أعمالاً نحتية من مراحل متفاوتة في مسيرة أبو لحية أثناء بحثه عن ماهية العمل الفني، وكان رهانه على بواعث اللاوعي والمصادفة، أقرب إلى إشراقة روحية ممتزجة بخبرة ومراسٍ في تطويع المواد الصلبة والعشوائية، هذا المحفّز الداخلي جعله يعكف على التنقيب في جوهر الفن من خلال الخامات المستهلكة، والتي يمكن بواسطة تكنيكات بدائية ونظرة ذاتية مغايرة أن تتحول إلى أشكال موحية، تتحدث بصمت عن وقار مستتر وجاذبية مبثوثة فيها، وتشع من عمق التفسيرات اللانهائية لمعنى ومضمون الجمال، وما يختمر فيه من أنساق ودلالات وتأويلات تتجاوز ما هو ثابت ومصمت ومهمل في حياتنا. يصف الفنان محمد أبو لحية، في مناسبة سابقة، تجربته بأنها قائمة على اكتشاف كنه الأشياء وأصلها وهدفها، وبالتالي الكشف عن مادتها الأساسية، ويضيف “إن حياتنا يجب أن تعتمد على ماهيتنا وليس على عالم تجهيزاتنا، حيث التجزئة أصبحت هي البديل المستعار لحقيقة نفوسنا، ذلك أن المصدر الرئيسي ليس بخارج الإنسان بل في داخله، وبالتأكيد أن هذا هو المصدر الأفضل للوصول إلى مجابهة عالمنا الذي بات مبنيا على الوهم والسراب”. إن هذا الوهم أو هذا السراب الذي يتحدث عنه أبو لحية تحوّل في أعماله من مجرد أمثولة مقيتة وغير مبررة إلى كتلة متعينة وصلدة تحوم حولها التعبيرات المكثفة عن الصدمة البصرية، ليس من جانبها اللحظي أو السلبي كما يتبادر للذهن من الوهلة الأولى، ولكن من جانبها الروحاني الذي يمنح تجلياته لكل من يملك البصيرة والشفافية القصوى في التعامل مع العناصر المحيطة به. تنطق أعمال أبو لحية بإيقاعات وترانيم موسيقية بصرية مضادة للانطباع الأول أوالتعاطي المباشر مع شغله النحتي، ذلك أنها أعمال تسعى من خلال تنويع الخامات الأساسية فيها إلى التعبير عن لغة الطبيعة ذاتها، فالحجر والرمل والبازلت والحديد، إنما هي عناصر تعكس التمايز التكويني والثراء اللوني والانتباهات الفطرية العميقة في طفولة البشرية ذاتها، وهذه الانتقالات الرشيقة في أعمال أبو لحية بين التجسيد والترميز والأشكال النباتية والإنسانية والأخرى المحايدة المنقادة لنداء الحلم والغموض السحري، إنما تؤكد حرية الفنان وانتصاره للتجريب حتى داخل المختبر أو الأسلوب الفني الواحد والمتماثل، وهي انتقالات تكتشف عن مغامرة وفضول ورغبة في اقتحام الفن من بابه الواسع والمشرع على السؤال والدهشة الإنسانية الخارجة من ينابيعها الأولى. التجربة يصف الفنان والناقد علي العبدان تجربة محمد أبو لحية بأنها تستند على حبه الشديد لتجسيد أفكاره في تكوينات ثلاثية الأبعاد، يساعده في ذلك خبرته التطبيقية، حيث كان يدرس المهارات الصناعية في المدرسة الصناعية القديمة في الشارقة في أواخر الستينات. ويرى العبدان أن أعمال أبو لحية قائمة على أفكار بسيطة ولكنه يغلّفها برمزية ذكية تحافظ على مظهر الفن، كما أن أعماله تحتشد ــ حسب العبدان ــ بطابع بدائي وفطري لا يمكن إنكاره، وموضوعاته تتوزع بين الأمثولات أو الأيقونات ذات الصبغة المحلية، والقضايا الإنسانية العامة، وقد تتداخل هذه في تلك، فكثيرا ما نجد الألفة الإنسانية في التكوينات ثنائية التشخيص لديه، والثنائية هنا ــ كما يصفها العبدان ــ هي رمز التزاوج والتعايش والاندماج والاختلاف الإيجابي، كما أنها، من جهة أخرى، رمز للتناقض أو التضاد، كالنور والظلام، والخير والشر، والقوة والضعف. ويرى العبدان أن أبو لحية تجاوز المرحلة الأولى لتجربته في الثمانينات وبداية التسعينات، حيث كان يمكن قراءة أعماله بسهولة، فباتت نتاجاته الآن أقرب إلى المدرسة التجريدية التعبيرية في النحت، ثم توسّع أكثر في تقنية المعدن الملحوم في إنتاج الكثير من أعماله المتأخرة، وكذلك في تعامله مع مادة الرخام والمواد الصخرية، ليصل إلى مبتغاه التكويني، من حيث حيازة الحجم وتقييده للوصول إلى المعنى. طاقة فطرية تقول كلمة جمعية الإمارات للفنون التشكيلية الاحتفائية بالفنان محمد أبو لحية “يمتد المشروع الإبداعي للفنان محمد أبو لحية لأكثر من ربع قرن من الزمان، محتشداً بطاقة فطرية محفزة على التجاوب مع خامات البيئة ومستهلكاتها، ليعيد طرح مفهومه عن العالم بكائنات وأحلام تتوافق مع رؤيته المقتضبة في جهة المعنى، حيث تتجه أعماله مباشرة إلى الفكرة والشعور، متخلصة من كل ما يعوق الرؤية ويقف حائلاً أمام تلقيها بمحبة وإنسانية مفرطة، وهي ــ من دون غيرها ــ السمة الأبرز من سمات أعمال الفنان“.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©