الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دوا الحمل

17 ابريل 2008 01:29
صلوا على محمد.. اللهم صلّي وسلم عليه.. كان يا مكان، في قديم الزمان، كانت هناك امرأة قد تزوجت منذ زمن طويل لكنها لم ترزق بأطفال، وعلى الرغم من أن زوجها كان مقدراً لهذا الوضع، إلا أنها كانت تحلم في اليوم الذي تحمل فيه وتحصل على طفل· وفي يوم من الأيام مر بائع متجول ينادي (دوا (1) الحمل دوا الحمل) فاستوقفته لتستفسر عن هذا الدواء، فقال لها إنه دواء سحري يجعل المرأة تحمل على الفور إذا أكلت منه· قالت له وكيف هي طريقة تناوله، قال لها ازرعي هذه البذور تحت زير الماء (2) وعندما تنمو ستكون على شكل بصيلات، كليها وسوف تحملين بإذن الله· ذهب البائع واتجهت المرأة من فورها إلى ناحية زير الماء فزرعت البذور، ومرت الأيام حتى نمت تلك البصيلات وأخضرت وأصبحت مغرية للأكل· في أحد الأيام جاء الزوج من عمله مبكراً، طلب من زوجته أن تحضر له الغداء بسرعة لأنه جائع، فأخبرته بأنه فاجأها بقدومه المبكر، فهي لم تبدأ بالطبخ بعد، ثم ذهبت مسرعة لإعداد وجبة الغداء له، وبينما هو ينتظر في الساباط (3) لفتت انتباهه تلك البصيلات النامية تحت الزير، هب لمعاينتها فأعجبه شكلها وشدة اخضرارها فقطف بعض منها وأكلها فكانت لذيذة جدا، فأخذ يأكلها الواحدة تلو الأخرى، هنا جاءت الزوجة من المطبخ ففوجئت بالزوج وقد أكل بصيلات الحمل، فزعقت في وجهه تلومه على فعلته، وأخبرته بأنه قد أكل دواءً خطيراً فهذا دواء للحمل، لكنه لم يأبه لكلامها وهون من قيمة هذا الدواء وتأثيره، فهو كغيره من الأدوية الأخرى التي يبيعها الباعة المتجولون وهي لا ضر لها ولا نفع· مرت الأيام وبعد قرابة شهر أحس الزوج ببعض الآلام في جسده وبغثيان متكرر، لكنه لم يهتم للأمر، وبعد مدة أخذت نفسه تحن إلى نوع خاص من الفواكه لم يكن ذلك موسمها، لكن بعد بضعة أشهر ظهرت عليه علامات الحمل وانتفخ بطنه قليلاً· هنا كانت الصاعقة التي انتابته هو وزوجته، هل هذا ممكن وهو رجل؟!، هل من الممكن أن يحمل؟!، إنهما يتوقان إلى طفل منذ زمن، فهل يكون الطفل منه هو لا من زوجته، هل بالفعل كان دواء ذلك البائع المتجول دواءً سحرياً ناجعاً، أسئلة كثيرة تدور في ذهنه هو وزوجته· قال الزوج لزوجته بأنه يجب أن يخرج من المدينة حتى لا يكتشف أمره، وبالفعل أعد العدة وأخبر الناس في المدينة بأنه ذاهب في سفر قد يطول، وخرج إلى البر القريب من المدينة وابتنى لنفسه كوخاً صغيراً بقي فيه عدة أشهر، إلى أن حان موعد ولادته وبالفعل جاءه المخاض وأنجب بنتا، لكنه رمى البنت الصغيرة تحت شجرة وعاد إلى البيت وكأن شيئا لم يحدث· هناك في البر عاشت الفتاة الصغيرة حياة برية هي أقرب إلى حياة الحيوانات، وكانت لا تتأثر بعوامل الطبيعة المختلفة فكانت قوية جريئة متماسكة دوماً· شيئاً فشيئاً كبرت الفتاة وأصبحت شابة جميلة حسناء، أما والدها فلم يكن يذكرها البتة، بل بدا وكأنه حلم حلماً مخيفاً ثم استيقظ منه فنسيه ولم يعد يتذكره· مرت الشهور والسنوات وفي يوم من الأيام خرج ابن الشيخ (4) في رحلة قنص مع مجموعة من أصدقائه وحاشيته، وبينما هم يعدون خيامهم ومكان إقامتهم، لمح ابن الشيخ تلك الفتاة بين الأشجار تمشي وقد غطت نفسها بشعرها الطويل، فنادى من معه بأنه قد غيّر رأيه في هذه الرحلة وقرر العودة إلى القصر· عاد الجميع من الرحلة ولما وصلوا إلى المدينة قال لهم ابن الشيخ بأنه سوف يرجع إلى المكان الذي كانوا فيه لأنه نسي خاتمه هناك، فعاد وتربص بالفتاة وقبض عليها· سأل ابن الشيخ الفتاة عن اسمها ونسبها، فقالت له إنها لا تعرف شيئاً غير أنها وعت على الدنيا في هذا البر وهذه الطرائد والغزلان هم أهلها، بعد حوار بسيط بينه وبينها أخذها معه إلى القصر· هناك طلب من أهله أن يعتنوا بالفتاة البرية وينظفوها ويلبسوها أجمل الملابس والحلي لأنه قرر الزواج منها، فهي الفتاة التي ترضي غروره، وأنه فرحٌ بها وكأنها الفتاة التي يبحث عنها طوال حياته· تزوج ابن الشيخ الفتاة البرية وكان في غاية الفرح والسعادة، وبعد فترة بسيطة من الزواج قرر السفر إلى بلاد بعيدة لقضاء بعض الأعمال، وأوصى أهله خيراً بزوجته· طالت فترة غياب ابن الشيخ في سفره، وأشعلت الغيرة قلب أمه فبدأت تكره الفتاة، خاصة وأنها تذكرت بأن هذه الفتاة لم تكن شيئاً يذكر حتى انها لم تكن تعيش عيشة آدمية عادية، فكيف تصبح الآن زوجة ولدها، وبعد زمن عندما يتولى ابنها المشيخة (5) تصبح هي الشيخة (6) وأخذت تحدث نفسها دائماً بهذا الحديث وقلبها يغلي بنار الكره والحقد· في أحد الأيام دعت أم الشيخ زوجته الفتاة البرية للخروج في نزهة، وخرجتا في نزهة في المناطق القريبة من القصر، وهناك اقتربتا من بئر ماء قديمة، فقالت الأم لزوجة ابنها تعالي وانظري في البئر وقولي لي ماذا ترين، قالت لها أرى صورتي وصورتك، فسألتها: وكيف ترين صورتينا؟ قالت: أرى بأني شابة فتية جميلة، وأرى بأنك امرأة عجوز كبيرة في السن· فكرت الأم قليلاً ثم قالت للفتاة: ما رأيك بأن نتبادل الأزياء تلبسين ملابسي وألبس ملابسك، ثم ننظر مرة أخرى في البئر فنرى هل تغير شيء؟ فغيرتا ملابسهما ونظرتا مرة أخرى إلى قاع البئر لكن الأم لم تمهل الفتاة بل دفعتها إلى البئر فسقطت فيه، وأقفلت راجعة إلى القصر، وهناك ذبحت تيساً ودفنته في مدفن القصر وجعلته يبدو وكأنه قبر آدمي، ولم يجرأ أحد على الاعتراض على فعلتها لأن الجميع يهابها ويخاف منها· عاد ابن الشيخ من سفره ولما دخل القصر سأل أول ما سأل عن زوجته فجاءته أمه فرحة مرحة ترحب به على أنها زوجته فهي ترتدي ملابس زوجته وتبدو مثلها، وقالت له إنها شديدة الأسف لأن أمه قد ماتت أثناء سفره، وأخذته إلى قبرها المزعوم حتى يدعو لها ويترحم عليها· صدق ابن الشيخ الحكاية وأسف لموت أمه وبكى على قبرها!! ثم عاد إلى القصر وعاش عيشة عادية مع زوجته المزعومة· في أحد الأيام خرج رجل يمشي وتوقف بجانب ذلك البئر يستريح، وكان يحمل كيساً من الجوز، فجلس هناك وأخذ يأكل الجوز ويرمي قشوره في البئر، وظل كذلك يأكل ويرمي القشور في البئر، لكنه بعد فترة سمع من يقول: من كسر اليوز (7) على عيني وراسي حرم ولد السلطان من يعلم نباها (8) فزع الرجل من الصوت وانتابه كثير من الخوف، وركض من فوره إلى قصر الشيخ ليخبرهم بما حدث، وفي القصر التقى الرجل بابن الشيخ فحكى له ما حدث له، لكن ابن الشيخ لم يصدق في بداية الأمر، غير أن الرجل أصر على الأمر وحلف بالله بأنه لا يقول إلا الحقيقة· اقتنع ابن الشيخ بالقصة التي رواها الرجل وامتطى فرسه وتوجه مع الرجل إلى البئر، وهناك عند البئر أخذ بعض الجوز من الرجل وكسره ورمى بالقشور إلى البئر، فكانت المفاجأة إذ سمع نفس ما سمع الرجل· فربط حبلاً بفرسه ونزل إلى البئر وهناك كانت المفاجأة الكبرى، إذ وجد قاع البئر وقد تحول إلى مكان جميل، فنصفه ماء ونصفه الآخر يابس به رمل أبيض جميل وعليه كرسي من ذهب تجلس عليه فتاة جميلة تحتضن ابنها الصغير· سأل الفتاة عن حالها، فقالت له إنها زوجته وقصت عليه قصتها مع أمه، وكيف أن أمه خدعتها وأخذت ملابسها ودفعتها إلى قاع البئر بغية قتلها· أخذ ابن الشيخ زوجته وذهب بها إلى بيت يملكه قريب من القصر ووضعها هناك هي وطفلها، بعد أن شكر الرجل الذي دله عليها وكافأه، واتجه ابن الشيخ من فوره إلى قاضي البلاد واستشاره بما حصل من أمه وطلب مشورته وما ينبغي له فعله، خاصة بعد أن كانت أمه تعيش معه وكأنها زوجته، فقال له القاضي إن الحكم الوحيد للخروج من هذه المشكلة هي أن تحرق أمه وبذلك تنتهي المشكلة· وبالفعل حرقت الأم الشريرة جزاء على فعلتها وعاش ابن الشيخ وزوجته وابنهما عيشة هانئة· 1) دوا: دواء· 2) زير الماء في عامية الإمارات يسمى (خرس) وهكذا هو في أصل الحكاية· 3) الساباط: الإيوان وهي فصيحة· 4) ابن الشيخ: ابن الحاكم أو ابن الأمير· 5) المشيخة: الحكم أو الإمارة· 6) الشيخة: زوجة الحاكم أو الأمير· 7) اليوز: الجوز· 8) نباها: نبأها أي خبرها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©