الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دهشة أملتها رحابة الجغرافيا وكرم الضيافة

دهشة أملتها رحابة الجغرافيا وكرم الضيافة
17 ابريل 2008 01:26
لطالما جذبت مدينة العين العديد من الرحالة الأجانب الذين زاروها وكتبوا عنها، شدهم إليها الفضول المعرفي أحياناً، وحب المغامرة ومتطلبات مهام الوظيفة، التي كانت مسندة إليهم من مسؤولين ومقيمين سياسيين خاصة البريطانيين منهم، أحياناً أخرى· هذه الواحة الوارفة الظلال وسط صحراء كانت قاحلة جرداء، تعتبر امتداداً جغرافياً طبيعياً لصحراء الربع الخالي الأسطورية المهيبة· كانت مغامرة عبورها تجتذب الكثير في الرحالة المغامرين، حيث ذهبت الريادة على هذا الصعيد في سنوات الثلاثينات إلى الرحالة البريطاني برترام توماس، وقد عد إنجازه في الغرب مساوياً لصعود أول رجل على سطح القمر، هو ''الرحالة الرائد الاول''، كما وصفه خلفه الرحالة البريطاني ولفرد ثيسجر، الذي عبر تلك الصحراء في سنوات الأربعينات من القرن الماضي، وكتب كتابه الشهير ''الرمال العربية''، مدوّناً فيه يوميات تلك الرحلة· في شهر نوفمبر من عام 1875م قام العقيد اس بي مايلز، المعتمد السياسي البريطاني في مسقط، بزيارة لواحة العين، قام بهذه الرحلة كما يذكر جي· بي كيلي في كتابه ''الحدود الشرقية لشبه الجزيرة العربية'' بترخيص من السلطان تركي بن سعيد، وعن طريق ساحل الباطنة ووادي الجزي، وكتب عن مشاهداته في الواحة يقول: ''يمتلك بنو ياس قرى الجيمي والقطارة وهيلي ووادي المسعودي في البريمي، ويمثل بنو ياس القبيلة الرئيسية من بني هناة، وزايد بن خليفة هو الشيخ الأكبر لهذه القبيلة، وهو رجل يتميز بقوة الشخصية، بل لعله الرجل الوحيد الذي يملك سلطة وسيطرة''· كما سافر النقيب بي· كوكس، الذي أصبح فيما بعد السير برسي كوكس، إلى البريمي والظاهرة من الساحل المتصالح في عام 1902 م عندما كان معتمداً سياسياً في مسقط· وذكر كوكس في يوميات رحلته تلك أن الشيخ زايد بن خليفة (زايد الأول الكبير) أصر على أن أسافر كضيف عليه إلى عبري· رجل السلام وجد كوكس إبان رحلته أن نفوذ الشيخ زايد بن خليفة أكبر بكثير في منطقة الظاهرة من نفوذ غيره، واصفاً إياه برجل سلام يعتد به· عاد كوكس بعد ثلاث سنوات وبعد أن غدا وكيلاً للمقيم البريطاني العام في الخليج إلى زيارة البريمي· وذكر تحت حماية زايد بن خليفة الذي كتب إلى الشيخ أحمد بن هلال الظاهري شيخ قبيلة الظواهر وممثله في العين في ذلك الوقت، قبل أن يتجه كوكس إلى الداخل في شهر ديسمبر من عام 1905م يقول: ''وصل سعادة المقيم السياسي إلى هنا في السادس من الشهر· ولقد أجرينا معه بعض المحادثات· ويبدو أنه يعتزم السفر إلى منطقة الجو في البريمي عن طريق رأس الخيمة، ونطلب إليك أن تمضي عند وصوله بإذن الله لاستقباله· ومن المحتمل أن يرغب في الذهاب إلى الباطنة وصحار وعليك، أن أبدى مثل هذه الرغبة، أن ترافقه مع من يروق لك اختيارهم من جماعتنا· ونحن نأمل في أنك لن تتوانى عن تنفيذ طلبنا''· الواحة المدهشة وصل كوكس بالفعل إلى البريمي، قادماً من رأس الخيمة في نهاية الشهر، وكتب فيما بعد الوصف التالي للواحة: ''دخلنا البريمي في هذه الرحلة من الشمال الغربي، عن طريق القرية الحديثة التي أقامها بنو ياس والمسماة بالمسعودي· وكان الابن الأكبر لشيخ أبوظبي في مقدمة الركب، ونصبنا خيامنا في قرية الجيمي، لأن هذه القرية أقرب من غيرها إلى قلب الواحة، ومناسبة كنقطة للتجول في ربوعها· وعندما يتحدث المرء عن البريمي، فإنه لا يعني القرية التي تحمل هذا الاسم، وإنما يعني الواحة كلها التي تضم عشر قرى منفصلة، تقع في خط دائري تقريباً بحيث يبلغ قطر الدائرة نحو ستة أميال· وتقع مياه القرية ـ الواحة ـ في عدة ''أفلاج'' أو أقنية تحت الأرض تسيل من التلال الواقعة إلى الشرق، مع قناة أخرى أو قناتين تمتدان من جبل حفيت· وعلى الرغم من أن التربة ليست كثيفة إلا أنها في غاية الخصوبة، وتشير الحسابات إلى أن في الواحة أكثر من ستين ألف شجرة من أشجار النخيل، بالإضافة إلى ما في المنطقة من ثمار وخضار، وتتركز التجارة إلى حد ما مع صحار الواقعة على الساحل إلى الشرق، ولكنها تحولت الآن إلى الشارقة ودبي، وقد أصبحت الأخيرة الميناء الذي تتوقف فيه بواخر الشركة البريطانية الهندية، ومعظم التجارة المحلية في الواحة تجري في شكل مقايضة وفي أسواق مكشوفة في العراء· أما السلطة الفعلية في الأماكن القريبة المجاورة فقد غدت في يد شيخ أبوظبي، الذي تتزايد ممتلكاته ونفوذه بالتالي في الواحة سنة بعد أخرى''· وقد نشرت وقائع رحلة كوكس هذه في مجلة كانت تصدرها الجمعية الجغرافية الملكية، التي ابتعثت العديد من الرحالة الانجليز ليجوبوا أرجاء الجزيرة العربية والخليج، ونشرت كتاباتهم ومشاهداتهم على صفحات مجلتها تلك· قنوات سليمان اكتسب السير برسي كوكس فيما بعد شهرة واسعة تحت اسم المندوب السامي البريطاني في العراق· ووصل الواحة قبل وصول كوكس بكثير الكابتن الرحالة اتكينزهامرتون الذي زارها سنة 1840م· وقد سافر لمدة أربعة أيام للوصول إلى الواحة قادماً من الشارقة، وهاله منظر القلعة العظيمة على حد تعبيره، التي تطل على الواحة، وهي مزودة بمدافع مجهولة الأصل والمنشأ حسب زعمه، ذخيرتها ليست دانات متفجرة، وإنما كرات من الحجر الصلب أو الحديد· وقد أذهله انتشار الخضرة وحدائق البرتقال والتين والزيتون والرمان، وأشجار النخيل الباسقة، وحقول القمح الممتدة حتى الأفق· وكل هذا ترويه قنوات مغطاة تحت الأرض، تتخللها بين مسافة وأخرى فتحات للتهوية، ومن أجل السماح للعمال بالنزول لإصلاح أي خلل· وبعض هذه القنوات طويل جداً، قد يمتد على حد قول هامرتون، لمسيرة 14 ساعة من الواحة· وينسب أهل الواحة، كما دون هامرتون، هذه القنوات إلى عهد الملك سليمان· كما زار الواحة القس الأميركي صامويل زويمر، جاءها راكباً من أبوظبي، ومما ذكره في يومياته أن البدو الذين رافقوه رفضوا أن يتناولوا طعاماً من المعلبات المحفوظة، وفضلوا على ذلك السحالي الطازجة (الضب) التي كانوا يصطادونها ويطبخونها مع الأرز· وكان قد قام زويمر خلال عامي 1900 ـ 1901 م بثلاث رحلات في الإمارات وشمال عمان، أخذته الرحلة الأولى براً من الشارقة إلى شناص وصحار على ساحل الباطنة العماني، والثانية عن طريق البحر من أبوظبي إلى الشارقة· أما الرحلة الثالثة فقد سافر فيها براً من أبوظبي إلى صحار عن طريق العين· وقد أشاد الأب زويمر كثيراً بحسن ضيافة الأهالي وما يتمتعون به من تسامح، ثم واصل مسيرته بعد ذلك حتى وصل إلى شاطئ الباطنة على خليج عمان، وحسب ما أنفقه هو ورفاقه فكان 95 دولاراً أميركياً· رحلة زويمر لواحة العين أعقبت رحلة مايلز بنحو ربع قرن·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©