الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حُق العاج

حُق العاج
17 ابريل 2008 01:22
عندما صدر ديوان نزار قباني ''طفولة نهد''، وأعجب به الناقد المصري أنور المعداوي فكتب مقالا عنه لمجلة ''الرسالة'' التي كانت تحمل لواء الأدب العربي، تحرج رئيس تحريرها الكاتب الوقور أحمد حسن الزيات من عنوان الديوان، ولم يرد أن يغضب الناقد الذي كان يساعده في التحرير، فأوعز إلى عامل المطبعة أن يقوم بتحريف العنوان بتغيير حرف واحد لبصبح ''طفولة نهر''· ولو كان نزار قد جعله ''طفولة ثدي'' كما كان يفعل الشعراء القدامى لما احتمل هذا التغيير، فحسّ الصراحة والمباشرة الذي كان غالبًا على الشعراء في التعامل مع الجسد ومسمياته كان شائعًا دلالة عافية ومروءة إنسانية· كانت هناك بعض التشبيهات النمطية المتداولة التي ظلت مستخدمة على مر العصور، ومن ذلك تشبيه الثدي بالرمان وحقّ العاج، لكن الشعراء يتفننون في ابتكار الصور وإضفاء الحركية والألوان الطريفة عليها، من ذلك مايقوله على ابن الجهم: كنت اشتاق فما يحجزني عنك إلا حاجز يعجبني ناهدٌ في الصدر غضبان على قَبَبِ البطن وطيّ العُكَنِ شاخصًا ينظر إعجابًا إلى غيد الجيد وحسن الَّذقنِ يملأ الكفَّ ولا يفضلها فإذ ثنيته لاينثني ومن الواضح أن الشاعر يملك حدقة تصويرية بارعة، فهو معجب بالحاجز الذي يمنعه من عناق محبوبته، مع أنه حاجز غاضب نفور، يرتفع فوق طيات البطن ناظرًا بإعجاب إلى الأعلى؛ إلى الجيد الأتلع والذمن الحسن· صادتك من غيد القصور بيض نواعمث في الحريرْ حور تحور إلى رضاك بأعين منهن حورْ وكأنمـا برضائهن جنى الخمور على الثغور يصْبغْنَ تفاح الخدود بماء رمان الصدورْ وماء الرمان يذكرنا بالصور الشعبية عن ''فرط الرمان''· ولاأحسب أن هناك لغة حية معاصرة يمكن أن تقرأ فيها نصوصًا يربو عمرها على ألف عام ومازالت تحتفظ بطزاجتها دون استعانة بالقواميس التاريخية سوى العربية· ونعود إلى تشبيه النهد بحُقُ العاج لنذكر أن أول من بدأ به هو الشاعر الجاهلي الفارس العارم عمرو بن كلثوم في قوله: تُريكَ إذا دخلت على خلاء وقد أمِنَتْ عيونَ الكاشيحينا ذراعي عَيْطلٍ أدماءَ بكرً هَجانِ اللون لم تقرأ جنينا وثديًا مثل حُق العاج رخصًا حصانًا من أكفِّ اللامسينا ولانستطيع أن نغفل تدقيق ابن الرومي في تحرير الصورة العاجية في قوله: صدورٌ زانهنَّ حقوقُ عاجٍ وحلي زانه حُسنُ اتّساقِ يقول الناظرون إذا رأوه أهذا الحَلْىُ من هذي الحِقاقِ؟ نواهد لايُعَدُّلَهُنَّ عيبٌ سوى منع المحبِّ من العناقِ
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©