الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لويس بوركهارت قدم وصفا استخباريا شمل الحياة التجارية والزراعية

لويس بوركهارت قدم وصفا استخباريا شمل الحياة التجارية والزراعية
17 ابريل 2008 01:13
كانت رحلات الألماني المولد جون لويس بوركهارت مثيرة للجدل، وعندما نُشرت للمرة الأولى في لندن عام 1829 أكدت ان الرجل كان يعمل في خدمة بريطانيا، ولم يجانب الصواب محمد علي باشا حينما عامله باعتباره جاسوسا بريطانيا، طوال رحلاته التي شملت مصر وبلاد النوبة ومدن الشام بالاضافة إلى شبه الجزيرة العربية· ويعد كتابه ''رحلات الى شبه الجزيرة العربية'' من المصادر المهمة لتاريخ العرب في مطلع القرن التاسع عشر· تنكر صاحبه تحت اسم ''الحاج إبراهيم'' وكثير من الأوروبيين ينظرون إلى معلوماته عن مكة وشعائر الحج بوصفها أول وأصدق ما وصل إلى القراء الأوروبيين من حقائق· استتباب الأمن أول ما يمكن استخلاصه من كتابات بوركهارت أن الأمن كان أكثر استتبابا بالحجاز أثناء سيطرة الوهابيين على النقيض من الدعايات العثمانية وأن الوهابيين قلصوا من الإتاوات والضرائب التي كانت تجبى في الحرمين وقاسموا أشراف مكة فيما كانوا يجبونه من ارباح تجارية هائلة· ويؤكد ''الحاج ابراهيم'' ان دخول شريف مكة ''غالب'' في طاعة الوهابيين، لم يؤثر على أوضاع الحجاج وسهولة تدفقهم إلى الحرمين· وعُني ''الحاج إبراهيم'' بذكر تفاصيل دقيقة عن أوضاع المدن الحجازية وفي مقدمتها ميناء جدة محطته الأولى بعد مقدمه من مصر· فيذكر ان سكان جدة مثلهم في ذلك مثل سكان مكة والمدينة هم في الأغلبية الساحقة من الغرباء وأكثرهم قدموا إليها من حضرموت واليمن ''وهم يحافظون على إبقاء تجارة ناشطة مع بلادهم الأصلية'' بالأضافة إلى ما يزيد على مئة عائلة هندية ''خاصة من سورات وبومباي'' وبعض الملاويين وكذلك سكان مسقط والذين استقروا في جدة وهناك من جاءوا من مصر وسوريا وشمال أفريقيا وتركيا الأوروبية وبلاد الأناضول· وكان هناك عدد من التجار المسيحيين اليونانيين يقيمون بجدة للتجارة وإذا توفي أحدهم يدفن في واحدة من الجزر الصغيرة في خليج جدة بعيدا عن الشاطئ الذي ينظر اليه باعتباره ضمن حرم مكة المكرمة· حوانيت جدة ويشير بوركهارت بطريقة مثيرة للارتياب إلى أعداد الحوانيت في كل تجارة بمدينة جدة فهو على سبيل المثال يتحدث عن وجود 27 مقهى بالمدينة تقدم مشروب البن ومشروب القشرة بالاضافة إلى تدخين مستحضر من زهرة القنب الممزوجة مع التبغ· ويتحدث بوركهارت عن واحد وعشرين بائع زبدة يبيعون كذلك العسل والزيت والخل، وثماني عشرة منصة للخضر أو الفاكهة، وثمانية من بائعي التمور وأربعة من صانعي الفطائر المحلاة وخمسة بائعي فول مدمس وخمسة بائعي مربات وسكاكر ومتجرين للكباب وبائعين للحساء وهما يبيعان أيضا رؤوس الخرفان وأقدامها المغلية وبائع واحد للسمك المقلي بالزيت، وأحد عشر متجرا للحنطة والشعير والفول والعدس والذرة· ويذكر بوركهارت أن هناك متجرين يديرهما أتراك يبيعون فيهما الجبن اليوناني واللحم المجفف والتفاح المجفف والتين والزبيب والمشمش المجفف ''قمر الدين'' ويشير إلى أن الجنود الأتراك يقبلون على شراء ''البسطرمة'' فيما ينظر أهل جدة إلى هذا اللحم البقري المقدد بوصفه لحم خنزير· حدائق وروائح وحرص بوركهارت عندما استدعاه محمد علي من جدة ليحل عليه ضيفا في الطائف على ان يسجل انبهاره بالحقول والحدائق المزروعة وروائح الفواكه المبهجة التي تحيط بالطائف معتبرا ذلك كله أبهج ما رآه من مناظر· ويحتوي الكتاب على ملاحظات ذات طابع استخباراتي وأيضا معلومات جغرافية وطبوغرافية دقيقة عن شبه الجزيرة العربية بما في ذلك اليمن وأيضا طرق الحج المختلفة إلى مكة وبه وصف نادر لمدينة الدرعية· ومن أهم ما عنيه بوركهارت محاوراته مع محمد علي باشا بالطائف وهي في مجملها تفصح عن ارتياب الباشا الألباني في ان ''الحاج إبراهيم'' لم يكن مسلما وانما هو محض جاسوس يعمل لصالح بريطانيا· ومما قاله محمد علي في معرض تعليقه على لحية الحاج ابراهيم ''ليست اللحية وحدها هي التي تثبت ان الرجل مسلم حقيقي'' وعهد بأمر التثبت من حقيقة إسلام بوركهارت إلى القاضي بل انه وضع الرحالة الاوروبي تحت مراقبة دائمة· وتكشف أسئلة وتعليقات الباشا على أقوال بوركهارت عن حب عميق يكنه محمد علي لمصر إذ يقول أنه لو كانت له مئة روح لقدمها عن طيب خاطر للدفاع عن مصر، وتوضح أيضا رؤية محمد علي الاستراتيجية لأطماع انجلترا في مصر، وقد أستاء الباشا من هزيمة نابليون ووقوعه في الأسر إذ اعتبر ان اتجاه أوروبا نحو السلام ستكون نتيجته أن تتجه بريطانيا إلى هدفها في تمزيق أوصال الدولة العثمانية والى الاستيلاء على مصر كهدف رئيسي· وتحدث محمد علي إلى بوركهارت بوصفه انجليزيا مبديا خشيته من اقدام بريطانيا على مهاجمة مصر وهو مشغول بأمر الحجاز وتطرق ايضا إلى سؤال الرحالة الألماني عن احوال المماليك في النوبة وهو ما اعتبره بوركهارت تلميحا ذكيا إلى شك الباشا في وجود اتصالات بريطانية مع المماليك الذين هربوا من محمد علي إلى بلاد النوبة· وبصفة عامة يتضح من حوارات محمد علي انه كان على اطلاع كامل بما يجري بالقارة الاوروبية وكان يمتلك رؤية استراتيجية صائبة بشأن اطماع بريطانيا في الشرق العربي وايضا فيما يتصل بتكوين قوة عسكرية واقتصادية في مصر لحمايتها من مخاطر الغزو البريطاني المرتقب· ومن الطريف أن محمد علي حسبما يشير بوركهارت اخبر بعض زواره انه كان يعرف ان الحاج إبراهيم ليس مسلما وانه غض الطرف عنه مراعاة لصداقة كان يحرص عليها مع بريطانيا· حاورت السجينات والزعماء وتعلمت من بورقيبة مخارج الحروف علياء ببّو تونسية حطمت مقاييس صورة المرأة العربية في الغرب الطيب بشير عام 1940م (أي منذ 68 عاما)، كانت علياء ببّو جالسة مع صديقة لها في ملعب لكرة القدم، ملعب الشاذلي زويتن حاليا، تتفرج على مباراة بين نادي ''الترجي الرياضي''، وناد جزائري، وكانت بذلك أول امرأة تونسية عربية مسلمة تدخل ملعبا لكرة القدم كمتفرجة· وقد ذهبت بموافقة والدها المغرم بكرة القدم، والمحب لنادي الترجي، مرتدية العباءة التونسية البيضاء المعروفة باسم ''السفساري''، ولكن والدها الذي رخّص لها على مضض، وبعد إلحاح منها ومن صديقتها، فوجئ في اليوم التالي بصورة للجمهور الحاضر في المبارة منشورة في الصفحة الأولى من إحدى الجرائد التونسية، وتظهر في الصورة ابنته وصديقتها، وهو الأمر الذي أغضبه، لكن ابنته علياء أقنعته بأن لا علم لها بأمر الصورة التي التقطت في غفلة منها، وذكّرته بأنه هو الذي جلب لها تذكرة الدخول، وسمح لها بالذهاب الى الملعب· هذه الحادثة التي تخرج عن المألوف في تلك الايام روتها علياء ببّو ـ التي توفيت العام الماضي في سن الثانية والثمانين ـ في مذكراتها الصادرة باللغة الفرنسية، قبل مدة قصيرة من وفاتها، ونالت عنها جائزة ادبية تونسية· الكتاب يعدّ شهادة على الحياة الاجتماعية في تونس، وعلى تطور العائلة ونهضة المرأة التونسية· من الأوائل علياء ببو هي من أوائل النساء التونسيات اللاتي دخلن المدارس أيام الاستعمار الفرنسي، وكانت دائما متفوقة· تقول في مذكراتها: ''كنت خلال الثلاث سنوات الاولى من التعليم الابتدائي، التلميذة العربية والمسلمة الوحيدة في كامل الفصل، الذي كان يضم في غالبتيه أبناء الضباط الفرنسيين، وكنت أنجح في أن أقتلع المرتبة الأولى في الفصل، وهو ما كان مثار إعجاب معلمتي الفرنسية السيدة مارتينيه''· مع السجينات علياء ببّو المعروفة في تونس باسم: ''السيدة علياء'' دخلت عن جدارة نادي شهيرات التونسيات، واسمها راسخ في ذاكرة شعب بأكمله، وصوتها يتردد صداه لدى جيل بأسره، فهي أشهر امرأة تونسية اختصت طيلة عشرات الاعوام في إعداد برامج الأطفال وتقديمها في الإذاعة، وبعد ذلك في التلفزيون عند إنشائه، الى جانب برامج اجتماعية كثيرة اخرى· وكانت تطوف البلاد من أدناها الى اقصاها لتسجيل الريبوتاجات الاذاعية في المناجم والمصانع، في القرى والارياف والمدن، وكانت أول مذيعة تدخل السجون لإعداد تحقيق عن الورشات التي تمكّن السجينات من حذق حرفة، تخولهن الاندماج في المجتمع بعد خروجهن· وهي روت في مذكراتها تفاصيل الريبورتاج الاذاعي الذي أعدته من داخل السجن، وكيف أنها كانت أول اذاعية تونسية سمح لها بمثل هذا العمل الإعلامي، والالتقاء بالسجينات وبعضهن من المجرمات، وتمت اذاعة الحصة يوم8 يوليو ،1968 وقد أثار البرنامج الحدث تعليقات شتى، وكان له الصدى الكبير وقتها· بدون راتب ثابت الطريف والغريب ان علياء ببّو عملت سنوات عمرها كلها في الاذاعة كمتعاونة، ولم ترغب أبدا، رغم إلحاح الادارة عليها، في أن تصبح موظفة، وأن يكون لها مرتب ثابت· وسر ذلك، كما كشفت عنه بنفسها، أنها كانت تغنم ـ لكثرة نشاطها وبرامجها ـ بصفتها متعاونة من الاموال ما يفوق راتب مدير الاذاعة نفسه في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي· وهي تتذكر تلك الحقبة من مسيرتها قائلة: ''بدأ التلفزيون التونسي بثه أول مرة في 16 أبريل (نيسان) عام ،1966 وبعد أسبوع واحد فقط، أي يوم 23 ابريل، كنت ومجموعة من الاطفال نواجه لأول مرة الكاميرا في برنامج مباشر، وقد تهاطلت علينا التهاني حال خروجنا من استديو التسجيل وكسبنا التحدي''· تبدو علياء ببّو في مذكراتها امرأة مغامرة، واثقة من نفسها، يدفعها طموحها المتجدد الى التقدم دائما الى الامام، وقد لاقت في مسيرتها المهنية العديد من العقبات، وحاربها البعض من حزب ''أعداء النجاح''، وتم إيقاف برامجها في فترة من الفترات، ولكن عزيمتها لم تكل وطموحها لم يفتر· مع كبار الزعماء شاركت علياء ببّو في الحركة الوطنية ومقاومة الاستعمار، وناضلت في سبيل أن تنال المراة التونسية حقوقها، واقتربت من الزعماء الكبار والسياسيين المهمين في تونس والعالم كشوان لاي (وزير خاجية الصين في عهد ماوتسي تونج، ورئيسها لاحقا) وروت في مذكراتها خفايا تلك اللقاءات، ومناسباتها علما أنها كانت مقربة من الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، وكانت تصلها باستمرار دعوات لحضور الحفلات الخاصة والعامة في قصر قرطاج (قصر الرئاسة)، وكانت ترافق الرئيس في تنقلاته وبعض سفراته، وهي تروي تفاصيل تلك الرحلات بكل ما يدور فيها من احاديث واحداث· وعام 1958 كانت تعد وتقدم برنامج ''مجتمع جديد''، وتكشف في مذكراتها ان الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة اهتم شخصيا بالبرنامج، ونقل لها انطباعاته واقتراحاته بخصوصه، حتى أنه كان، أثناء لقائه بها، يدربها على مخارج الحروف ليتحسن نطقها· امرأة تخرج عن المألوف علياء ببّو امرأة تخرج عن المألوف في شخصيتها ومسيرتها، صلبة في مواقفها المبدئية، شجاعة في الادلاء بآرائها، وهي تتمتع بثقافة متينة وشاملة، متشبعة بالتاريخ بكل حقباته، وملمة بالجغرافيا بمختلف تفاصيلها· شاركت في ''الحركة التحريرية''، وهي من مؤسسات منظمة ''الاتحاد النسائي التونسي''، وساهمت في مسيرة الحداثة في بلادها، وتعد بحق في مذكراتها شاهدة على عصرها· وهي إلى جانب كل ذلك، مصممة أزياء، كانت صاحبة ورشة للخياطة الرفيعة: ''هوت كوتير''، وكانت تصاميمها تحمل الأحرف الأولى من اسمها، وهي تقول ملخصة حياتها المليئة بالاحداث المثيرة، والمواقف الجريئة: ''عندما استعرض المراحل التي قطعتها منذ طفولتي اشعر بالرضا، فقد قمت بعملي نحو أسرتي وعائلتي، وأديت واجبي نحو بلادي''· حكاية سائق تاكسي علياء ببّو هي أيضا أكبر امرأة رحّالة في تونس، فقد طافت اكثر من 100 بلدا، وغالبا ما كانت تسافر بمفردها على متن سيارتها الخاصة، بحثا عن إثراء معارفها، والاطلاع على حضارات الشعوب، والالتقاء بالناس وزيارة المتاحف والآثار، وهي تصف مشاهداتها وانطباعاتها في مذكراتها بأسلوب الرحالة القدامى· عام 1995 وكانت قد بلغت من العمر عتيا، وأصبحت جدة لعدد من الأحفاد، طافت عليا بمفردها في معظم بلدان أميركا اللاتينية، في رحلة وصفت كل جزئياتها بأسلوب غاية في الامتاع والفائدة· وعند وصولها الى غواتيمالا سألها سائق تاكسي عن البلد الذ أتت منه، ولما أجابته أنها من تونس، أخذ يصرخ ويهتز وينتفض فوق كرسيه، وكأنه عثر على اكتشاف مرددا: تونيزيا·· تونيزيا مونديال ،78 كان قد مرّ وقتها سبعة عشر عاما على مشاركة المنتخب التونسي في مونديال 1978 لكرة القدم، حيث بقيت المشاركة التونسية الاولى عالقة في ذهن السائق الجواتيمالي· الجرافيتي حاجة مدينية تعبر عن الصراعات والوظائف الإجتماعية الجدار جريدة الإنسان الأول·· والمعاصر ناجح المعموري يثير كتاب بدر عبد الملك ''الإنسان والجدار'' دهشة المتلقي ويفتح أمامه مجالا ثقافيا وفنيا يؤشر إلى مرحلة اجتما ـ سياسية ويوثق بعض الوقائع اليومية الجمعية وفي أحيان كثيرة يكون الجدار سطحيا معبرا عما هو ذاتي وكاشف لميول وحماسات الشباب لأنهم أكثر من يلجأ إلى الجدار ليترك عليه آثاراً دالة على موقفه الاجتماعي الانتقادي والمعبر سياسيا عن دور أو ومشاركة ما· وتحول الجدار إلى ذاكرة يومية تتداخل عليه مختلف المواقف والآراء ومثلما صار محيطا لوسائل الاعلام ورسم حدودا معينة لأصطفافات الرأي إبان الأزمات· وأشار المؤلف إلى العلاقة المستمرة ما بين الإنسان والجدار، بحيث تحرك الاثنان معاً بشكل متفاعل ومتغيّر حقبا طويلة، وعند شعوب مختلفة· ونحن إذ نطرح علاقة الإنسان بالجدار نتوق إلى تأكيد هذه العلاقة التي لا يستطيع الإنسان الفكاك منها بحيث يصبح الإنسان سجنا أبديا وتمثل الاهتمام بالجدار باعتباره ظاهرة اجتماعية ـ ثقافية وسياسية وليس اجتماعية فقط، لأن االأغراض الوظائفية للجدار تنوعت، وكانت حركتها مرتبطة بالعوامل اليومية وهي كثيرة والبعض منها آني/ لحظي، ولابد من عودة للجدار كي نوقظها ونحفز المحيط التشاركي وإياها لأن كل ما مدوّن على الجدار موجه وخاضع لحاجات المجتمعات المتخيلة وهي تنطوي على عناصر تعبيرية بموقف متماثل حولها· وابتدأت هذه الحاجة تتحول إلى حاجات، يتسع التشارك بها والأخذ بما توفره من فرص مؤثرة· حاجة مدينية وأشار المؤلف إلى إن الجرافيتي (الكتابة على الجدران) هي حاجة مدينية، أي يمثل نتاجا للحضارة ومعطياتها، لأن المدينة تكون عادة مولدة للظواهر وللتيارات الجنونية، فمنها تخرج البدع والموضات وتنتشر، وعبر منظومة من الشبكات الإعلامية، والاجتماعية، والهيئات والمنظمات المختلفة إلى كافة الضواحي والقرى وباعتبار القرية المستودع الخلفي لكل مشاكل المدينة ومظاهرها وبريقها السلبي والايجابي، فإنها تتلقف بسهولة، كل تلك البدع، كرد فعل تلقائي تجاه الجديد القادم من المدينة/ المجتمع، مركز كل الصراعات الحديثة· وتحمل كتابات جدران المدن تنوعا يعبر عن تعدد التشكيلات وتنوع الصراعات والوظائف، ومثلما تضيء المراكز الدعائية هيمنتها وآلية اشتغالها وتجربتها وارتحالها بين الشوارع والمناطق، كما إن التحديدات الخاصة باختيار الجدران دقيقة ومحسوبة لأنها تمثل استدعاء لمركز أو احد أهم تلك المراكز المتميزة بالقدرة على استدعاء الحضور الموسع وجذب المعاينة لغرض المشاركة في الجديد الحاصل· وتؤدي الجدران حتما إلى تباينات واضحة خلال مدوناتها وكثيرا ماتتميز بعض الجدران بثوابت لها وكأنها تميزت بها وخضعت لانسجام معين وقبلت بضبط اجتماعي، وكثيراً ما نلاحظ جداراً ما وقد تميز بتخصص في الإعلان عن ظاهرة من الظواهر والتبشير لها· تعريف الكرافتي ويقدم المؤلف تعريفا للكرافتي المختلف عن الفرسكو الذي امتاز بخاصية الرسوم على الجدار (التصوير) فإن الكرافتي هو ما تميز به الجدار إلا أن الكتابة وحدها لا تعني الحروف والرموز االإشارية، فمع الوقت دخل التصوير، إلى حد ما، في ظاهرة الكرافتي· ولكن تبقى الكتابة الصفة الأكثر خصوصية في الكرافتي وهو عنصرها الأساسي، بعد أن وجدنا االألوان والنقوش وغيرها تتداخل مع الكتابة، لكنها تحمل ضمنياً، معنى دلاليا للكتابة الايحائية، والرمزية والدلالية، والمباشرة· ويومئ هذا الرأي إلى مستويات تعبير الكرافتي ومنها ما هو صريح وتقريري وهذا دائما ما يكون مرتبطا بوسائل الإعلان والإعلام التجارية والسياسية ونوع آخر يتخذ صفة الترميز· وتشارك الصورة مع المدوّنة مثل الصور الكريكاتيرية والانتقادية الساخرة، ومنها ما يأخذ مجالا أوسع، معتمدا على الصورة والتعليق في الشؤون الصناعية والتجارية والفنية الخاصة بالعروض السينمائية والمسرحية· ولأن علاقة الإنسان بالجدار ذات صفة وظائفية خاصة بالاجتماعي والثقافي، فإن المؤلف حاول تأصيل تلك العلاقة والامتداد بها إلى لحظات الحضارة الإنسانية المبكرة التي عرفتها الكهوف الشهيرة في العالم والتي صارت مساحات واسعة للرسم/ التدوين واحتوت معطيات ثقافية سحرية/ وأسطورية، وأشارت إلى ذلك الدراسات الخاصة بتاريخ الفن والعقائد والطقوس ووقدمت توصيفا مهما للمراحل تلك، والآلية المبتكرة التي اعتمدها الإنسان القديم، مستعينا بها وبطاقتها السحرية الخلاقة لذا لا نجد مصدرا تعريفيا عن التفاضلات الجمالية وأصول الفن خاليا من الرسوم/ التدوينات الجدارية ولذا قال المؤلف ''بوجود كهوف وردت في الكتب المقدسة· وفي الأشعار الهوميروسية· وفي النقوش والمخطوطات تزيل الغموض عن أسئلة يفتش الباحثون عن أجوبة حولها··· وكلما اكتشف الاختصاصيون معلومات جديدة، نشعر إن للجدار فضلاً في ذلك لأنه يحتفظ بجميع المعلومات الغنية التي تجعلنا نتوغل في أعماق إنسان تلك الحقب البعيدة''· ثورة 19 المصرية مشروع قومي ألغى الطائفية عريان حاول اغتيال رئيس الوزراء القبطي لإنقاذ المسلمين حلمي النمنم صدرت مذكرات عريان يوسف سعد أحد أبطال ثورة 1919 في مصر، وكان طالباً بكلية الطب، وانضم إلى المنظمة التي عرفت باسم ''اليد السوداء''، وهي منظمة تشكلت للانتقام من الانجليز الذين يحتلون مصر وأعوانهم من المصريين، وقامت هذه المنظمة بالكثير من العمليات ضد الجنود والضباط الانجليز، وعدد من المصريين، والعمليات الاخيرة توقف عندها المؤرخون والدارسون، لأن حزب ''الوفد'' قام هو الآخر بعمليات عنف وإرهاب، ويردد أنصار جماعة ''الإخوان المسلمين'' ذلك كثيراً، حتى لا يكونوا وحدهم المتهمين، وهو قول يحتاج الى كثير من المراجعات النقدية· ولعل حالة عريان يوسف سعد، كما يدونها في مذكراته، تصلح نموذجاً لدراسة العنف لدى حزب ''الوفد'' وظروفه وملابساته· وأشهر عملية قام بها عريان هي محاولة اغتيال ''يوسف وهبة باشا'' رئيس وزراء مصر أثناء ثورة ،1919 وكان الانجليز فى محاولة للالتفاف على الثورة قد قرروا إرسال لجنة ''ملنر'' للتفاوض مع الحكومة المصرية، ومن باريس أعلن سعد زغلول مقاطعة اللجنة، ووقفت الأمة المصرية مع المقاطعة، إلا شخصاً واحداً، هو يوسف وهبة، وكان رأيه أن يستقبل لورد ملنر وزير المستعمرات البريطانية ويستمع منه، وهي فكرة طيبة من حيث المبدأ، لكنها فى الواقع العملي آنذاك كانت تعني أن تتوقف الثورة ويضيع زخمها، وملنر لم يأت بشيء محدد، ولا تعهد معين، وقال إنه سيبحث مطالب المصريين، فهو في النهاية وزير ومن الممكن ألا يؤخذ بآرائه فى لندن، واتجهت المطالبات إلى يوسف وهبة ليرفض استقبال ملنر، لكنه أصر، والمشكلة أن يوسف وهبة قبطي، وتحرجت الكنيسة المصرية من الموقف وأن يتهم الأقباط بموالاة الانجليز امام إخوانهم المسلمين، وقرر بطريرك الكنيسة أن يرسل وفداً يلتقي برئيس الوزراء ويقنعه، لكن الأخير رفض استقبال الوفد· ووصلت لجنة ملنر إلى البلاد، وهاجت مصر كلها واندلعت المظاهرات في وجه ملنر، وعقدت مؤتمرات بالأزهر والكنيسة، وتبارى المشايخ والقساوسة في مهاجمة رئيس الوزراء، وردد أحد هؤلاء الآية القرآنية الكريمة ''اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوماً صالحين''، ولم يحدد لنا من الذي ردد الآية هل هو شيخ أم قسيس··؟!! خطة الاغتيال كانت الخطب تحمل دعوة واضحة لقتل يوسف وهبة· وهنا ساور الكثيرين القلق من احتمال تعرض وهبة للاغتيال، كما تعرض من قبل محمد سعيد باشا، وهنا يأتي دور عريان طالب الطب· يقول في مذكراته: ''إن البلاد قادمة على خطر محدق، هذا قبطي يرأس الوزارة والشعب ثائر والتلغرفات تنهال كل يوم على رئاسة الوزارة تطالب باستقالتها، والمظاهرات لا تنقطع تهتف بسقوطها، وإذا دبر فرع من الفروع الاعتداء عليه وقعت الواقعة، وقيل إن المسلمين اعتدوا على رئيس الوزارة لأنه قبطي، ولكن لو أنني أنا ايضاً اعتديت عليه وتمكنت من الهرب لما قيل غير ذلك، ولا يقوم دليل على أن المعتدي قبطي، ولابد أن أسلم نفسي بعد الاعتداء، حتى يعلم العالم أن المعتدي ليس من المسلمين''· وبالتأكيد فإن حكاية ابراهيم الورداني وبطرس غالي كانت في ذهن عريان وهو يفكر، كان الورداني قد اغتال عام 1911 بطرس غالي رئيس الوزراء، وكان الاغتيال بسبب وطني صرف، هو أن غالي كان يتفاوض مع الانجليز على مد امتياز قناة السويس اربعين عاماً أخرى، وقتها فُسر الاغتيال تفسيراً طائفياً، رغم أن الورداني لم يهرب، بل سلم نفسه فعلياً، كما صارح محاميه ابراهيم الهلباوي، فقد خشي لو هرب أن يفهم الأمر على غير حقيقته الوطنية· وشرع عريان فى الإعداد للتنفيذ، وفي خطوة أخيرة قرر طلاب الطب إرسال برقية إلى رئيس الوزراء يناشدونه عدم التفاوض مع ملنر، وكان عريان نفسه هو الذي ارسل البرقية ولم يستجب رئيس الوزراء· التنفيذ والتحقيق وفي ''مقهي ريش'' الشهير بقلب القاهرة جلس عريان ينتظر ضحيته وكان موكب رئيس الوزراء يأتي من شارع شمبليون حيث سكنه إلى شارع سليمان باشا، وكانت حديقة ''مقهى ريش'' تمتد إلى الميدان في ذلك الزمن، وفي تلك الحديقة غنت أم كلثوم وعبدالوهاب، وعليها جلس طالب الطب ينتظر رئيس الوزراء وفي جيبه قنبلتان، ومعه مسدس، ألقى القنبلة الاولى على السيارة فتفاداها السائق فعاجله بالثانية وأصيبت السيارة وبعض الحرس، لكن رئيس الوزراء نفسه لم يصب بأي أذى وذهب إلى مكتبه، ومن هناك طلب أن يلتقي بذلك الطالب قبل أي تحقيق· وكان رئيس الوزراء يريد أن يعرف لماذا فعل ذلك··؟ ورد عليه ''إنك خرجت على اجماع الأمة المصرية''· وبدأ التحقيق معه، كانت هناك أصوات في مصر تطالب بعدم التعجيل بالتحقيق، بينما رأت الإدارة الانجليزية غير ذلك، فلو تأجل التحقيق لانتهت القضية، كما في محاولة اغتيال السلطان حسين كامل عام ،1917 ظل المتهم بدون محاكمة وعفا عنه السلطان· وتولى التحقيق مع عريان يوسف النائب العام بنفسه، ولابد للقارئ أن يندهش، وأن يسعد بالضمانات والمعاملة الانسانية التي كان يلقاها متهم أقدم على محاولة اغتيال رئيس الوزراء وهي ضمانات لا يجد أي متهم شيئاً منها الآن· وصدر عليه الحكم بالسجن عشر سنوات وأفرجت عنه حكومة الوفد في فبراير ·1924 مذكرات عريان يوسف سعد مليئة بالتفاصيل الكثيرة عن ثورة ،1919 وهي تفاصيل لم ترد لدى كبار المؤرخين، مثل إعلان استقلال ''مدينة ميت غمر'' وقيام الثوار بطرد كل المواطنين والجنود الانجليز منها، ولم تكن الثورة في القاهرة أو المدن الكبرى فقط، لكنها كانت في كل قرية ونجع، والمعنى الأهم والابرز هو أنه حيثما يكون هناك مشروع وحلم وطني، يجمع الناس حوله تتراجع الطائفية والمذهبية البغيضة، ونحن في العالم العربي كله، بحاجة إلى أن نستوعب هذا الدرس·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©