الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ميركل... انتصار سياسي في الأزمة اليونانية!

28 مارس 2010 21:27
حصلت المستشارة الألمانية على استحسان كبير من قبل مواطنيها وقبل بضعة أسابيع فحسب من انتخابات شهر مايو المقبل بسبب حسن معالجتها لأزمة الديون اليونانية. فقد أصرت ميركل في اجتماع لمسؤولي الاتحاد الأوروبي على ألا تتحمل بلادها وحدها أعباء أزمة الديون اليونانية. وكانت "ميركل" قد تعرضت لانتقادات حادة، حتى من داخل التحالف الذي تشكلت منه حكومتها الحالية، بسبب معارضتها لتوجه المسؤولين في بلادها وحلفائها الإقليميين إلى أن تقتصر ميزانية الإنقاذ المالي لليونان المنكوبة على حدود المنطقة الأوروبية وحدها. ولكن تمسكت ميركل بموقفها القائل إنه لن يكون ممكناً إنقاذ اليونان من أزمتها المالية، إلا في حال استنفاد كل الخيارات والاحتمالات المتاحة، وفيما لو وفر صندوق النقد الدولي الدعم اللازم لليونان. وأخيراً تمكنت ميركل من الانتصار لرأيها. في تصريح لها للصحفيين، عقب انتهاء قمة القادة الأوروبيين التي عقدت في بروكسل بهدف إجراء المفاوضات النهائية بشأن تسوية الأزمة اليونانية، قالت ميركل أمس الأول: "بسبب نقص النظم المتعلقة بالتعامل مع العجز المالي للدول الأوروبية، فإنه ليس في وسع القارة أن تتكفل بحل مشكلة كهذه لوحدها. فهذه حقيقة بسيطة وواضحة يتعين التسليم بها". وقد توصلت القمة الأوروبية المذكورة إلى خطة لإنقاذ اليونان من مأزقها المالي، تضمنت كل النقاط التي اشترطتها ميركل، بما فيها أن تحتفظ ألمانيا بحق النقض "الفيتو" في أي مساعدة مالية مقدمة لليونان. ولكن لم يتضح بعد ما إذا كان صندوق النقد الدولي سوف يتدخل لحل هذه المشكلة. في الوقت نفسه قال محافظ البنك المركزي اليوناني إنه ليس مرجحاً أن تحتاج بلاده إلى مساعدة مالية من الاتحاد الأوروبي أو صندوق النقد الدولي. ومهما يكن فقد اعتبرت النتيجة التي توصلت إليها القمة الأوروبية الأخيرة انتصاراً سياسياً لميركل، وهي تستعد لخوض انتخابات شهر مايو المقبل. وقد عكست هذا الانتصار الصحافة الألمانية، إذ وصفتها إحدى الصحف المحلية بلقب "المستشارة الحديدية". بيد أن هذا الانتصار يخفي وراءه حقيقة تراجع ميركل نسبياً عن موقفها السابق من خطة الإنقاذ المالي خلال الأسابيع القليلة الماضية. وأياً تكن البنود والشروط الأساسية التي نصت عليها الخطة التي توصلت إليها القمة الأوروبية الأخيرة بشأن اليونان، فإن مجرد موافقة ميركل على هذه الخطة يعد تراجعاً ملحوظاً من موقفها السابق، الذي كان يصر على أن تدخل صندوق النقد الدولي بأي مستوى من المستويات يمثل إحراجاً بالغاً للمنطقة الأوروبية، وأن على اليونان أن تتحمل مسؤوليتها عن ديونها الخاصة. ولم تتراجع ميركل عن ذلك الموقف إلا بسبب الضغوط الداخلية التي واجهتها. فعندما بدت أزمة الديون اليونانية واضحة في شهر يناير المنصرم، كانت ردة فعل اليونان وغيرها من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن على ألمانيا -بصفتها أكبر اقتصاد أوروبي- أن تتعهد علناً بطمأنة المستثمرين على توفير المساعدة المالية لليونان، متى ما دعت الضرورة. وكان من رأي المدافعين عن وجهة النظر هذه، أن تعهداً ألمانياً كهذا من شأنه تهدئة مخاوف المستثمرين، والسماح لليونان بالحصول على ما تحتاجه من أموال من خلال إصدار السندات المالية. ولكن لم يصدر التعهد الذي توقعه هؤلاء من برلين، بسبب معارضة الألمان لأي خطوة تهدف إلى مساعدة ما بدا لهم حكومة يونانية فاسدة، تسرف في الإنفاق على نظام رعايتها الاجتماعية. ومن جانبها استندت ميركل على فقرة في الدستور الأوروبي تنص على منع أي من دول الاتحاد من إنقاذ دولة من الدول الأعضاء مالياً، فواصلت رفضها للنداءات المقدمة إلى بلادها للتدخل لحل الأزمة اليونانية. غير أنها اضطرت إلى تغيير موقفها خلال الأسابيع التالية، مستجيبة في ذلك لحقائق الواقع الاقتصادي السياسي. فاليونان بحاجة إلى الحصول على ما يعادل 26.6 مليار دولار بحلول شهر أبريل المقبل، كي تتمكن من تمويل مدفوعات ديونها، وهو مبلغ لا تستطيع اليونان توفيره من دون وجود ضمان من طرف آخر خارج حدودها. وفيما لو عجزت أثينا عن سداد ما عليها من ديون، فإن من شأن ذلك أن يؤدي إلى خفض قيمة اليورو وتقويض الثقة في المنطقة الأوروبية بأسرها، بما في ذلك الاقتصاد الألماني. ومع ذلك، فإن هناك مخاطرة سياسية كبيرة بأن تتعهد ألمانيا بمفردها بتمويل خطة الإنقاذ هذه. ذلك أن ولاية ويستفاليا الغربية الواقعة شمالي نهر الراين، وهي منطقة صناعية غنية، باتت على وشك إجراء الانتخابات البرلمانية، حيث من المقرر عقد هذه الانتخابات في شهر مايو المقبل. بالإضافة إلى ذلك فإن شعبية "الحزب الديمقراطي الحر"، وهو الحزب الشريك في تحالف ميركل "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، تبدو منخفضة حسب استطلاعات الرأي العام الأخيرة. ومن شأن خطة الإنقاذ هذه أن تؤثر سلباً على أغلبية "يمين الوسط"، الذي يحظى به تحالف ميركل في المجلس التشريعي الأعلى في البرلمان الألماني. وفيما لو تأثرت هذه الأغلبية، فربما يضر ذلك كثيراً بأجندة ميركل السياسية جميعها. وعلى حد رأي إريك جونز، أستاذ الدراسات الأوروبية بمدرسة الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، فإن المسألة ليست ما أرادته ميركل، إنما هي لماذا اختارت ميركل ذلك الموقف الذي انتصرت له في القمة الأوروبية الأخيرة. فقد كان يتعين عليها أن تقنع الناخبين في ولاية ويستفاليا-شمال الراين بحجة رفض حكومتها لفكرة انفراد ألمانيا بإنقاذ اليونان من أزمتها المالية. وعليه فإن الاعتبارات السياسية الانتخابية هي التي فرضت على ميركل ذلك الخيار. ديفيد فرانسيس - برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©