السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من التأديب إلى التعذيب

31 ديسمبر 2014 23:00
لا كانت سنة واحدة نحتفي فيها باللغة العربية، فكل السنوات لا تكفي لنجلب من الأحشاء كل الدرر الكامنة في لغتنا العربية الجميلة، جمال التعابير ورشاقة الأوصاف وأناقة الصفات، فهذا الكون الجميل الذي أبدعه الخالق هو صورة من لغتنا العربية، فكل حروفها تكتب عبقريته وتصف إعجازه وتحيط بجماله. ما زلت أذكر سنوات الصبا والشباب عندما كنا ننطلق في حدائق اللغة العربية جذلانين، وفرحين، فلا نعي من تركيب الألوان ومن ركوب صهوة الطباقات والمجازات والمحسنات الإبداعية، لنعجن لغة رياضية تقبض على المشاعر والأحاسيس وتضع هوية للعشق والشغف، ما زلت أذكر أن زمناً أتى على صحافتنا الرياضية العربية، ونقلها من وصف الإبداع والخوارق إلى التغزل بالإبداعات وبالخوارق، نقلها من صحافة تصور بالكلمات إلى صحافة ترسم بالكلمات. كان الأمر يبدو وكأنه انفصال معلن بين زمنين، وبين صنعتين، قلة من الناس استهجنوا وتحفظوا لوجود حس سلفي، وكثرة رحبوا وسعدوا لأن الرياضة بما تبدع من صور خارقة ومن قيم إنسانية تحتاج إلى لغة تقترب من كنه الخلق والإبداع، إلى لغة تجرى فيها المشاعر جريان الدم في الشرايين، ومن أقدر على ذلك غير اللغة العربية. كنت سأكون كأقراني ممن أسهموا في إذكاء هذه الجذوة التي أنارت وما زالت ممشى صحافتنا الرياضية العربية، أو ممن جاؤوا إلى معترك الإبداع لنشر ضوئها النيزكي، كنت سأكون سعيداً بأننا انتصرنا لشمولية وعبقرية اللغة العربية، لولا أن ما أشاهده اليوم في مشهدنا الإعلامي الرياضي العربي المسموع والمرئي على وجه الخصوص من انحرافات وضلالات. وبينما أبدع جيل الرواد في تأديب اللغة الرياضية بتنميق التعابير وتطريز المفردات وتجميل صيغ الربط، جاء بعض الصحفيين من الجيل الحالي بما يعذب اللغة العربية ويجلدها، باصطناع عبارات دخيلة على المشهد الرياضي العربي لا تعمل إلا على إفساد الذوق وتحريف المقاصد الجميلة. نحتاج بلا أدنى شك إلى تصدير قيم لغتنا الرياضية العربية بكل ما تحفل به من درر ولآلئ، إلى التزام بأدبيات التعليق والوصف الصادقين، وإلى الغوص عميقا في بحر اللغة العربية لجلب ما فيها من صدفات تبهر العين، وتمتع السمع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©