الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ساخرون.. بأدب أو بدونه

ساخرون.. بأدب أو بدونه
19 مايو 2009 03:32
يحلو للناقدين لكاتب ساخر ما، أو لمقال ساخر ما اعتباره تهريجاً، كما يحلو للمعجبين والمادحين اعتبار ما هو مكتوب أدباً راقياً ينأى عن التهريج. هذا الفصل التعسفي أحياناً بين الكتابة والتهريج أقبل به نظرياً، لكني لا أقبل – نظريا ايضاً- اعتبار التهريج مذمة ومنقصة تعيب كاتبها، وتضعه في مصاف الانحطاط الأخلاقي. أفترض بداية حسن النية عند الناقدين والمادحين، لكن الأمر مغلوط في الاتجاهين، فهو مغلوط، أولاً، حين يعتبر كل الكتابات الساخرة التي نقترفها أدباً، وهي ليست كذلك في الواقع، وثانياً، حينما يعتبر التهريج مذمة ونقيصة، كما أسلفت. الكتابات الساخرة التي نقترفها بشكل منتظم في الصحف، لا يمكن إدراجها كلية في مجال الأدب، فهي تسعى إلى الاشتباك مع الواقع السياسي والاجتماعي، وتخضع لمتطلبات اليومي ولسرعة الإنجاز، ولاستخدام أساليب التشويق المناسبة لحظة الكتابة، سعياً لإيصال الفكرة إلى القارئ، وتوريطه في تبنيها بأقصر الطرق الممكنة. يعني هذا، أنَّ ما نكتبه لا يخضع لشروط الأدب ولا لمتطلباته المتعددة والمتنوعة، التي تحتاج إلى التأني وعدم الانجرار وراء اللحظي، بل يسعى إلى تمثله واستيعابه من أجل تحويله إلى جزء من العمل الفني في تجلياته المتعددة، الذي هو إعادة خلق وابتكار للواقع، وليس مجرد التعبير عنه بكلمات مشوقة وبراقة. لكن هذا لا يعني اطلاقاً أنَّ ما نكتبه بعيد تماماً عن الأدب، فنحن نستخدم مخزوننا الثقافي والفكري، لنكتب أحياناً نصوصاً ترقى إلى مستوى الأدب، لكن نسبتها لا تزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة شهرياً. وهي التي يمكن أن نعتبرها جزءاً من الأدب الساخر، وهي ايضاً ما نجمعه طوال عامين أو ثلاثة أعوام من الكتابة اليومية، ونصدره على شكل كتاب ساخر، يتلقاه القراء بشغف. حتى المهرجون، فقد كانت لديهم أساليبهم لإيصال الرسائل إلى الخلفاء والسلاطين والولاة بأسلوب ساخر، مستغلين ما يتاح لهم من حرية في حضرة الرجل الكبير... وكان كبار رجال الدولة يخشونهم، فإنَّ أية سخرية بهم ومنهم في حضرة السلطان كفيلة بالقضاء على مستقبلهم الوظيفي. يمكننا أن نقول إنَّ هناك علاقة تداخل وتمايز بين السخرية والتهريج، لكن ينبغي أن يعرف كل واحد منهما حدوده وفواصله التي لا ينبغي تجاوزها. وليس اخر، فإن القضية في النهاية هي قضية حدود ثابتة وواضحة ومعترف بها بين الأدب الساخر والتهريج، فالأدب ينبغي أن لا يدعي التهريج ولا يسعى إليه، وإلا فقد هويته، وفشل في أن يكون تهريجاً ناجحاً (إلا إذا فقد هويته تماماً)، والتهريج أيضاً لا ينبغي أن يدعي كونه أدباً، وإلا فقد هويته وفشل في أن يكون أدباً.. وتحول إلى مجرد ثرثرة لا تضحك احداً ولا تفرح احداً. وهكذا يفقد كل من الأدب والتهريج هدفه ورسالته. يوسف غيشان ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©