الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جاري العزيز.. ما اسمك؟

19 مايو 2009 03:29
منذ سنوات أراك، تعبرني بصمت الغريب، كوجه ضمن وجوه لا تعد ولا تحصى. أراك بغتة أمامي فأتذكر أنك جاري وأن ملامحك مألوفة إلى حد كبير لفرط ما رأيتك من مرات لا أحصيها، وأحاول جاهدا تخيّل وجهي في مفكرتك، فلا أدري كيف تراني، أكما أتصور نفسي بأني الجار الخلوق المسالم. أو في صورة الإنسان المتواري خلف أسواره فلا يريد لكائن اقتحامها وهو في عزلة المدينة يحاول أن يرتب أجندة المكان بطريقة ما، تختلف عما اعتاد؟! سألت نفسي الأمّارة بالبحث عن إجابات معقدة: منذ متى حللت في دارك الملاصقة لجداري أو بابها المواجه لبابي؟ لا أذكر جيدا، عذرا جاري العزيز، السنوات في محفظة المدن واقعة على شوارع وأرصفة، وتبعثرها السيارات ككيس بلاستيكي ينتقل بفعل الهواء والأقدام والعجلات. واثق أنك لا تعرف هذه المعلومة عني، كما نتفق على أننا ارتضينا بمفردة «جار» ونريدها جوارا لا جورا، نحاول قدر الإمكان أن لا تكسر نوافذ بيتي حفاظا على زجاج تدثر به الفوهات الواسعة لجدران منزلك. أخرج من بيتي، وأراقب سرعتك حين تدير مقود سيارتك كأنك تتجنب تصادم وجوهنا، مع أنك لا تنوي فعل ذلك، ولا أنوي سوء النية حيالك، تبتسم من بعيد وتمضي، هي الصدقة التي لا بد منها حينما نبتسم في وجه أخ لنا، نفعل من باب احتياجنا لأجر الصدقات. كأني أتوهم تحذيرك لأبنائك: لا تقتربوا من سيارته، لا تدخلوا بيته. ومطالبتك للشغالة (النائبة عن ربة المنزل) أن لا تطلب ملحا أو صلصة من بيت الجيران، عيب! نحن في مجتمع المدينة علينا تقديم أنفسنا على أننا نمتلك الرقي والجاه والحسب والنسب، لن يعرفنا جارنا سوى من صورتنا الراهنة أمامه، لن يطالبنا بماض نحاول دفنه، لن يسألنا سوى عن اليوم، فاصنعوا له ما شاء من اليوم، غدا سيرحل، سيأتي ساكن جديد، سيغيّر منزله طالما فعلها مرة. أتوهمك كما تتوهمني.. أتخيلك كما تتخيلني.. لك نجومك الساعية لتكون مضيئة في سماء المدينة، ولي نجومي، تناضل من صباحك إلى مسائك، وتسهر كيفما تحب، أفعل مثلك أو على اختلاف. عابران نحن، كأنها المدينة حياتنا الراهنة، والقرية التي كانت هي الأمس والحاضر، فيها أطلقنا صرخة الميلاد الأولى، ولعلنا نجد في أرضها قبرا يضمنا حين يكتمل مشهد الحياة بإسدال الستارة. لكن.. وبعد هذه السنوات يا جاري العزيز، اعذرني لا أعرف اسمك.. فبم أناديك؟ محمد سيف الرحبي صحفي عماني
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©