الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل من حل في الأفق.. أو ضوء في نهاية النفق؟!!

17 فبراير 2015 21:45
سألت نفسي وغيري: لماذا يبدو «الإخوان» ومن خرج من عباءتهم من جماعات إرهابية أكثر من الجميع نشاطاً وانتشاراً على ما يسمى مواقع التواصل الاجتماعي؟ لماذا يحظون بمتابعة واهتمام كبيرين من جمهور هذه المواقع؟ وإذا أردنا أن نحلل الظاهرة بشكل صحيح فعلينا أن نعترف أولاً بأن الإرهابيين أكثر حضوراً من الجميع وأكثر تأثيراً على هذه المواقع.. لكن الاعتراف يكتمل إذا قلنا إن هذا الانتشار والتأثير لا يرجعان إلى ذكاء «الإخوان» وخطابهم وإنما يرجع إلى غباء وضحالة وسطحية تسعة وتسعين في المئة أو أكثر من متابعي وجماهير هذه المواقع.. وقد قلنا من قبل وما زلنا أنا وأنتم عند قولنا إن انتشار السلعة أو الفكرة أو المعلومة لا يعني أبداً جودة السلعة أو عمق الفكرة أو صحة المعلومة.. بل أكاد أزعم أن العكس هو الصحيح وأن هناك تناسباً عكسياً بين الانتشار والجودة وتناسباً طردياً بين الانتشار والرداءة.. فالسلعة الأكثر رواجاً أقل جودة.. والفكرة الأكثر انتشاراً أكثر سطحية وسذاجة والمعلومة الأكثر ذيوعاً وشيوعاً هي الأكذب.. والشائعات أكثر انتشاراً ورواجاً وتأثيراً من الحقائق.. والنجوم في كل مجال هم دائماً في أمتنا الأقل عقلاً والأكثر تفاهة ودونية والأقل كفاءة في مجالهم.. تلك قاعدة لم تشذ أبداً وقانون لم يتخلف لحظة -قانون العملة الرديئة التي تطرد العملة الجيدة.. ومنتجو السلع والأفكار والآراء والمعلومات يراهنون على غفلة المستهلك ولا يراهنون على جودة إنتاجهم.. ومن المستحيل أن تنجح أي محاولة عربية في أي دولة لمحاربة الغلاء وكبح جماح الأسعار مثلاً -لأن التركيز في هذه المحاولة الفاشلة ينصبّ على المنتج ودائماً نتهم التجار بالجشع والاستغلال.. وهذا نفاق رخيص للمستهلك الذي يجب أن نصفه هو بالجشع والغفلة.. فالمستهلك هو المسؤول الأول والأخير عن الغلاء في أي دولة عربية.. لأنه غير رشيد ولأنه بلا وعي ولأنه يتفاخر ويتباهى بقدرته الشرائية على اقتناء أي سلعة مهما غلا ثمنها ولأنه يؤمن بمبدأ غبي وهو أن «الغالي ثمنه فيه».. ولأنه أسير نزواته وشهواته وغرائزه.. ولأنه يقيس جودة الشيء، والشخص أيضاً، بسعرهما.. فكلما ارتفعت أسعار الكشف أو الفحص عند طبيب ما دلّ هذا عند المستهلك على كفاءة هذا الطبيب.. والعربي بهذا المعنى ليس غنياً ولو امتلك المليارات لأن الغني من استغنى لا من اقتنى.. الغنى بقدرته على الاستغناء لا بقدرته على الاقتناء... ونحن بهذا المعنى لسنا أغنياء.. لأننا في أمة العرب فقراء فكر وفقراء عقل وهذا هو الفقر المدقع وليس فقر المال. والمشكلة التي لا أرى لها حلاً في الأفق ولا أرى ضوءاً في نهاية نفقها المظلم هي غفلة مستهلك السلع والأفكار والمعلومات.. وربما نكون فعلاً في عصر الانفجار المعلوماتي لكننا يجب أن نضيف أنه انفجار المعلومات الكاذبة والشائعات المغرضة.. نحن في عصر انفجار الكذب وتوحش التدليس والزيف والبهتان.. والسبب الأهم لهذه المأساة هو مستهلك السلعة ومتلقي المعلومة والفكرة -وسهولة خداع الجماهير والضحك عليها بالتغليف والتعليب لسلع وأفكار ومعلومات فاسدة ومنتهية الصلاحية وكاذبة... وأن الناس صاروا مطايا لأفكار ومعلومات الإرهابيين والقتلة واللصوص والخونة والجواسيس ولأن الوطنية تآكلت وضمرت لحساب المنظمات والجماعات والعرقيات والقبائل الفكرية.. ولم يعد أحد يعرض الفكرة على عقله قبل الاقتناع بها -لسبب بسيط هو أنه بلا عقل.. وفي هذا المناخ الفاسد فكرياً واقتصادياً وسياسياً ودينياً أيضاً لا مكان للجودة والصدق والموضوعية... والحق أن الفساد الإعلامي هو بيت القصيد وهو أساس كل فساد في أي مجال -والإعلام هو المسؤول الأول والثاني والأخير عن تغيب الوعي الجمعي العربي لأنه يقدم للجمهور الساذج والسطحي ما يريده لا ما يفيده. والمحزن في أمر تغليف وتعليب السلع والأفكار الفاسدة هو انتشار الغلاف الديني والتعليب الديني لأفكار القتل والدمار والخراب.. وهذا الغلاف الديني للأفكار الفاسدة والمدمرة يؤتي أكله وثماره لدى الجمهور العربي الذي يغلب عليه الدهماء والسوقة.. وهذا الغلاف الديني للإرهاب والفساد في الأرض منتشر بقوّة على ما يسمى مواقع التواصل الاجتماعي لأن جل مرتاديها ومستخدميها من السذج والمغيبين والمخترقين فكرياً.. فالمسألة الأخطر في التغليف الديني للأفكار الفاسدة هي سهولة اختراق الرؤوس وقرصنة العقول.. وهذا ما نعانيه الآن أكثر من اختراق وقرصنة المواقع الإلكترونية -فالناس يسهل استدراجهم بالأغلفة الدينية للأكاذيب والأفكار الفاسدة والمعلومات المغلوطة- كما أن الناس بسبب الرتابة والملل والحياة المتثائبة الروتينية يريدون ما يدهشهم ويذهلهم ويشدهم ولو كان كذباً.. ولو كان قتلاً ودماراً وتخريباً.. الناس بسبب الحياة الرتيبة والمملة والتي صارت افتراضية ليس فيها حقائق يريدون «جنازة ليشبعوا فيها لطماً» كما يقول المثل العامي المصري... لذلك يرُوج الكذب والأفكار الشاذة والخطب الرنانة والشعارات الهتافية الصاخبة باسم الدين أو بغلاف ديني... ولا يحب الناس في زماننا المزيف والافتراضي أن تقول لهم الحق وأن تخبرهم بالصدق وأن تحدثهم بموضوعية.. لأن هذه الأمور الثلاثة مملة وروتينية وفيها رتابة وليست (بياعة) كما يقال.. الناس في أمتنا يريدون الإثارة والتهييج والعنف والتطرف.. لذلك سهل اختراق رؤوسهم وقرصنة عقولهم بغلاف ديني لأفكار فاسدة.. فهل من حل في الأفق أو ضوء في نهاية النفق؟! محمد أبو كريشة * * كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©