السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجزائر... خطة لاحتواء هجرة الشباب

الجزائر... خطة لاحتواء هجرة الشباب
18 مايو 2009 01:36
جلس جمال بالمقهى في أحد الأيام الممطرة مؤخراً يشاهد السيارات وهي تعبر الشارع ثم تبطئ لاجتياز الحفر التي تجمعت فيها مياه الأمطار بالدويرة، وهو حي تقطنه عائلات من الطبقة الوسطى الجزائرية. وجمال هذا رجل هادئ، في بداية الثلاثينيات من عمره، ويلجأ كثيراً إلى هذا المكان، الذي يكون في منتصف النهار غاصاً عادة بشبان آخرين يأتون لمشاهدة التلفزيون أو الدردشة أو حتى لمجرد التحديق في الفراغ. وعلى غرار جمال، يعد مرتادو المقهى هؤلاء جزءاً من الشباب العاطل عن العمل في الجزائر. والعديد منهم يقولون إنهم يحبون بلدهم، ولكنهم ليسوا على يقين من قدرته على أن يوفر لهم وظائف جيدة -أو حتى ظروفاً معيشية جيدة- ولذا يتطلعون إلى السفر إلى الخارج بحثاً عن فرص أفضل، قائلين إنهم يشعرون بأن عراقيل كثيرة تمنع تقدمهم بسبب استشراء الوساطة التي تضمن تقدم ذوي الأقارب أو الأصدقاء المتنفذين فقط، حسب زعمهم. وعلى رغم أن الحكومة تؤكد على أن معالجة البطالة وإقناع الشباب بالبقاء يحتلان مرتبة متقدمة على أجندتها، إلا أن قطاعات من الشباب الجزائريين غير مقتنعة بأن المسؤولين ملتزمون بتوفير الوظائف للجميع. وهو أمر مشكوك فيه بالنسبة لجمال، الذي لم يرغب في إعطاء اسمه العائلي. ولجمال قصة تستحق أن تروى، فقد غادر المدرسة في سن الرابعة عشرة للعمل في ورش البناء، ولكنه بعد 20 عاماً تقريباً مازال لا يستطيع تحمل نفقات الزواج. ويعمل حالياً بشكل متقطع صباغاً للمنازل، ويقول إنه ليست لديه «واسطة» لإيجاد وظيفة جيدة: «لقد حاولتُ أن تكون لدي حياة مستقرة هنا، ولكن ذلك مستحيل لأنك إذا كنت لا تعرف شخصاً غنياً أو مهماً، فإنك لن تجد وظيفة جيدة أبداً». وحاله كحال الآخرين الذين يتطلعون للهجرة إلى الخارج -وخاصة أوروبا- بحثاً عن حياة أفضل؛ ومعظمهم يذهب إلى فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، التي يعيش فيها نحو 700 ألف جزائري، حسب المعهد الوطني الفرنسي للإحصاءات. ولكن جمال يحلم بالالتحاق بشقيقه في إيطاليا التي انتقل إليها في 1989 للعمل كصباغ إذ يقول: «إن أخي الأكبر سناً يعيش هناك ولديه عائلة وأطفال. إنه سعيد. وإذا استطعتُ أن أذهب إلى هناك وأجد وظيفة، فإنني متأكد من أنني سأكون سعيداً أيضاً». بل إنه يعتقد أن الهجرة هي الطريقة الوحيدة، ربما، ليكون سعيداً، إذ يقول: «لا يوجد مستقبل هنا... مستقبلي في إيطاليا». وقبيل انتخابات أبريل الماضي الرئاسية بقليل تعهد الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، الذي فاز بولاية رئاسية جديدة مؤخراً، برصد 150 مليار دولار لبرنامج لخلق الوظائف يروم استحداث ثلاثة ملايين وظيفة خلال السنوات الخمس المقبلة، وهي مهمة صعبة بالنسبة لبلد يخرج من عقود من اشتراكية الدولة، وعشر سنوات من أعمال عنف كلفت البلد نحو 200 ألف ضحية وأكثر من 30 ملياراً من البنى التحتية المدمَّرة. واليوم، تقدر الإحصائياتُ الرسمية معدلَ البطالة بـ12 في المئة، ولكن التقديرات المستقلة تتحدث عن معدلات أعلى بكثير. ويقدر وزير العمل والضمان الاجتماعي السابق، أن ما يقرب من 30 في المئة من القوة العاملة عاطلون عن العمل، ولكن الأكثر تأثراً هي فئة الشباب. ويذكر هنا أن الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة يشكلون نحو 70 في المئة من العاطلين عن العمل. ويعتبر مراقبون خلق ثلاثة ملايين وظيفة في غضون خمس سنوات «تحدياً صعباً»، معتبرين في الوقت نفسه أن البلد في حاجة إلى «تدابير جذرية». وفي مقدمة هذه التدابير وقف اعتماد البلد على النفط الذي يشكل 98 في المئة من عائدات التصدير حيث إن هذا القطاع لا يخلق وظائف كثيرة مقارنة بالزراعة أو الصناعة أو الخدمات مثل مراكز الاتصال ويقول وزير العمل السابق: «ينبغي أن تكون لدينا استثمارات ولكن يجب أن تدار بشكل جيد»، مضيفاً «وعلينا أن نشجع الاستثمارات التي تخلق الوظائف». كما يعتقد أن خلق الوظائف سيساهم في التخفيف من حدة الشعور بالتهميش والرغبة في الهجرة لدى الشباب مثل جمال، وإن كان لا يعتقد أن ثمة علاقة مباشرة بين البطالة والرغبة في الهجرة إذ يرى أن: «70 في المئة من الشباب عاطلون عن العمل، ولكن ليس معنى هذا أن 70 في المئة من الشباب يرغبون في مغادرة البلد. فبعض الأشخاص يقولون إنهم يريدون ولكنهم لا يفعلون -إنه مجرد كلام. حلم. وإذا وجدوا وظيفة هنا، فلن يغادروا». غير أن الشعور بعدم الرضا الذي يشعر به بعض الشباب العاطلين لا يقتصر عليهم فقط. ذلك أنه حتى بعض الشباب الذين لديهم وظائف يأملون هم أيضاً الهجرة يوما ما بسبب الضغط الذي يخلقه ضعف قوتهم الشرائية، وانتشار فكرة أن حياة أفضل توجد في الضفة الأخرى من المتوسط. وفي حي الدويرة أيضاً، يملك شاب آخر يدعى جمال عمور مقهى إنترنت يضم نحو اثني عشر حاسوباً. وعمره مثل عمر جمال الأول، ولكنه بفضل «واسطة» في بنك محلي -عن طريق قريب له يعمل هناك- تمكن من الحصول على قرض لبدء مشروعه الخاص الصغير على رغم أنه لم تكن لديه ضمانات مالية كافية. ومع أن «عمور» واحد من المحظوظين، إلا أنه غير سعيد هو أيضاً لأن مشروعه لا يدر عليه ما يكفي من العائد لمواجهة ارتفاع مستوى المعيشة، ولذا لا يستطيع التخطيط للمستقبل. وعلى رغم مشروعه الخاص، إلا أنه لا يستطيع تحمل نفقات شراء سيارة أو التوفير من أجل الزواج. يقول: «إننا هنا نعمل من أجل لا شيء؛ ومن المستحيل هنا التوفير من أجل المستقبل أو وضع مخططات على المدى البعيد»، مضيفاً «يجب أن تكون غنياً لتعيش هنا؛ وينبغي أن تكون لديك واسطة». ويأمل «عمور»، وعلى غرار جمال، أن يترك كل شيء وراءه ويبدأ حياة جديدة في أوروبا أو كندا، وعن ذلك يقول: «لو كنت أستطيعُ الحصول على أي من الأشياء التي أريدها في الحياة، لما فكرتُ في مغادرة بلدي. ولو كانت لدي وظيفة جيدة مستقرة وبيت جيد، ما كنت لأفكر في الهجرة. إنني أحب بلدي، ولكن الحياة صعبة وقاسية!». ليام ستاك - الجزائر ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©