الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مناطحة الثيران.. هواية عالمية بطابع عُماني

مناطحة الثيران.. هواية عالمية بطابع عُماني
18 مايو 2009 01:35
تتميز سلطنة عُمان بالعديد من العادات والتقاليد على ‏مستوى منطقة الخليج، وبخصائص مميزة تطبع تأثيراتها العامة أساليب وسلوكيات ومعيشة ‏‏أفرادها وكيفية اختيارهم لوسائل عيشهم وعملهم.. من هذه العادات أو الهوايات المميزة التي توارثها الأبناء عن الأجداد رياضة تعد عالمية، وهي "مناطحة الثيران"، فهي ذات طابع يميزها عن الرياضات المعروفة والمألوفة ليس في سلطنة عُمان فقط، بل ومنطقة الخليج العربي. غياب "الماتادور" عرفت رياضة مصارعة الثيران إسبانيا والبرتغال وعدد من دول أميركا الجنوبية، وهي عبارة عن مواجهة بين الرجل ويسمى"الماتادور" والثور في الحلبة، على مرأى ومسمع من الجمهور الذي يستمتع بالصراع الدائر بين ذكاء ومكر الإنسان، وقوة وصبر الحيوان. انتشرت هذه الرياضة وانتقلت إلى أصقاع العالم، وأخذت طريقها إلى دول الخليج لاسيما السلطنة التي اشتهرت فيها أكثر عن باقي دول المنطقة، وأصبحت تجمع كبار السن والشباب في يوم الحسم الكبير، ولكن بطابع مختلف عن طابع الدول الأجنبية، حيث إن المنافسة في السلطنة تكون بغياب الرجل "الماتادور" وتقتصر فقط على ثورين يتناطحان فيما بينهما. أنواع متعددة تختلف أسماء الثيران وتتعدد أنواعها ومصادرها، يشير إليها خلفان بن مبارك البلوشي رئيس لجنة تحكيم صراع الثيران بمنطقة الباطنة، ويقول: "إن الثيران في عُمان تنقسم إلى ثلاثة أنواع: (ثيران عُمانية) توجد في المناطق الشمالية والوسطى من السلطنة، و(ثيران ظفارية) توجد في محافظة ظفار، و(ثيران بحرية)، وهي الثيران ذات الأصول الأجنبية المستوردة من الخارج، وكل نوع له ميزات خاصة. فيما يقصد ولاية المصنعة الكثير من الناس من المحافظات المجاورة لبيع وشراء الثيران، حيث تعد سوقاً رائجة لها". بائسة.. متحفزة تجرى مباريات صراع الثيران بالتناوب كل أسبوعين تقريباً، والهدف منها تسلية المشاهدين وإشراك أكبر عدد من الثيران في المنافسة، فبينما ينسحب الثور المهزوم من الحلبة "الحوطة" ينتظر الثور المنتصر لملاقاة منافس آخر، وفي نهاية الصراع يبقى الثور الفائز في وسط الحلبة، وفي تلك اللحظة يحق له أن يحتفل مع مالكه بالنصر الغالي.. وعلى الرغم من أن الثور الفائز لايحصل على جائزة رسمية، إلا أن ثمنه يزيد بعد كل فوز وقد يصل إلى 3000 ريال عُماني ولا تخلو المباريات من مراهنات بين أصحاب الثيران. ويشاهد عند التوجه إلى حلبة المناطحة؛ ثيران بائسة تحاول التخلص من الحبال التي تشدها، وتصدر خواءً حزينا، وقد يُشاهد في ناحية أخرى ثوران متحفزان يحفران الأرض بأظلافهما في حالة تحدٍ، استعداداً للصراع، وتزيد هذه المشاهد من إثارة الجمهور الذي يتابع الصراع بحماس، فيما يحرص ملاك الثيران على سلامة ثيرانهم وعدم تعرضها للأذى، فالنسخة العُمانية من مناطحة الثيران لا تراق فيها قطرة دم واحدة، بعكس المصارعة الإسبانية. أصول وشروط تتبع هذه الرياضة لثوابت وضوابط لا يمكن الحياد عنها، فحين ينتظر الجمهور بشغف شديد قدوم الثيران التي تنتظر بدورها لحظة المنازلة، يقوم المعنيون بالنزال بالتأكد من شروط المناطحة، وأهمها عدم مناطحة ثور أقل وزناً من الآخر، ولا أقل قدرة وقوة‏ ‏وإمكانية وسناً، وأن يكونا من الفصيلة نفسها لضمان الحياد. بعدها يحضر الثوران إلى ‏الحلبة "‏الحوطة"، وهي قطعة أرض مربعة يجري عليها النزال أو المناطحة التي يتراوح زمنها من 5-10 دقائق، وأحياناً يمتد إلى ربع أو نصف ساعة! اللقاء الساخن يتقدم كل من الثورين باتجاه الآخر، تشتبك وتتدافع قرونهما، فترتفع صيحات التشجيع من أصحاب الثيران والمشاهدين. فيعاودان النطاح عدة دقائق، ومع تراجع أو ‏هروب أحد الثورين تتم الحماية من فرقة "الكوماندوز" وهم الحاجزون، بهدف عدم إيذاء أحدهما للآخر، ثم عندما تزداد الإثارة مع ارتفاع حدة الصياح وتصاعد الغبار وحرارة الجو وحماسة الثيران، يستمر النزال بينهما إلى أن يجبر أحد الثورين على التراجع وأحياناً يكون التراجع مذلاً، حيث يركض الثور المهزوم بسرعة، جالباً الخيبة لنفسه وصاحبه. وفي هذه الحالة، يعلن فوز الثور الآخر فلا تسع الفرحة صاحبه؛ لأنه أصبح يملك ثوراً حاز جائزة. فروقات واختلافات تجتذب هذه الرياضة المواطنين العُمانيين والمقيمين والسياح ولها قواعد ثابتة ‏مثل معظم الرياضات (القدم والسلة والتنس والسباحة وركوب الخيل وألعاب القوى). لكن مناطحة الثيران في السلطنة ليست مثل باقي الألعاب الرياضية الأخرى المشهورة التي‏ ‏يكسب الرياضي من ممارستها المال والشهرة والمجد، إنما يجني صاحب الثور الفائز سمعة ‏محببة ‏في حال فوز ثوره، إضافة إلى ارتفاع قيمة الثور الفائز، فضلاً عن الاستمتاع بروح اللعبة فقط. ولا ينظر في السلطنة إلى مناطحة الثيران بكثير من الغرابة، كونها تُعد من الرياضات والهوايات التي اشتهرت بها ولايات ساحل الباطنة الواقعة على خليج عُمان ‏منذ زمن قديم، حيث يبذل القائمون على استمرار هذه اللعبة جهوداً حثيثة بغية‏ ‏الحفاظ عليها واستمرارها وخلق جو من المنافسة بين ملاك ثيران المناطحة. ويعتقد أن هذه الرياضة نشأت منذ اقتنى سكان ولايات الباطنة القدامى الثيران ‏وسخروها لحراثة حقولهم وري مزروعاتهم بسحب المياه من الآبار بالزاجرة التي ‏تديرها الثيران، ومن هنا نشأت هذه الرياضة. لجان ومهام ثمة ولايات في السلطنة تعتبر الأكثر جذباً عن سواها ‏لهذه الرياضة التي سن قوانينها القائمون على عليها عبر لجنة تحكيم ‏‏برئاسة العقيد ويقصد به (رئيس هذه اللجنة) ومهام لجنة التحكيم ليس مراقبة المباراة بين الثورين فقط، وإنما أيضاً اختيار ‏الطرفين - الثورين - للنزال، وكذلك المقارنة بين إمكاناتهما وكل ذلك يتم عبر معايير دقيقة ‏ ‏للغاية. يقول خلفان بن مبارك البلوشي- عقيد المناطحة بمنطقة الباطنة: "يتمثل دوري في اختيار الحاجزين "القبيضة" من المحايدين للفصل بين ‏ ‏الثيران في الحلبة، وذلك لضمان نزاهة المباراة، وقبول مشاركة الثيران الجدد، والفصل ‏في المنازعات بين أصحاب الثيران، إضافة إلى إصدار العقوبات بحق مالكي بعض الثيران! ‏والنظر في الشكاوي التي تقدم ضد الحاجزين". يضيف: "هناك جملة شروط تخضع لها الثيران المشاركة‏ ‏في المناطحة أهمها: أن يكون عمر الثور بين سنتين إلى ثلاث سنوات، وألا تكون قرونه حادة. كما أنه لا يحق لمالك الثور الانسحاب بعد دخول ثوره الحلبة أو‏ ‏قبل المواجهة ما دام أعطى موافقته المسبقة، وفي حالة قبول أي ثور جديد‏ ‏للمشاركة، فإن أول جولة يخوضها تكون أمام ثور العقيد". رعاية واهتمام تخضع الثيران لتدريبات وتأهيل وإعداد لتكون على جاهزية تامة للمناطحة، يضيف البلوشي قائلاً: "تتطلب الثيران تدريباً جيداً يبدأ منذ ولادتها، وتُخص ‏‏بالرعاية والاهتمام، وكذلك اتباع برنامج محدد للأكل والراحة والتنظيف المستمر، ‏مع تخصيص مكان معين لها بعيداً عن الحيوانات الأخرى، إذ تبلغ كلفة الاعتناء بالثور الواحد شهرياً نحو 200 ريال، ‏‏من خلال توفير البرسيم والأسماك المجففة والسمن والتمر والشعير والحليب الذي يظل غذاء للثور لمدة 40 يوماً بعد مولده، فعندما يبلغ سن الثور ستة أشهر من عمره يتم تدريبه على النطح تمهيداً للمشاركة الفعلية‏ ‏في منازلة الثيران التي هي في مثل سنه، فكلما أبدى الثور جسارة في ‏‏المناطحة أغدق عليه صاحبه مزيداً من العناية والاهتمام". فيما خصصت الحكومة العُمانية في السنوات الماضية حلبات في العديد من ولايات ‏‏السلطنة لمناطحة الثيران تحتوي على مدرجات للمشاهدين من أشهرها حلبتي ولاية "بركاء" وولاية "صحار" لترسيخ تلك الرياضة أو الهواية. فقد عادت رياضة مناطحة الثيران مجدداً منذ عشر سنوات إلى الظهور بقوة في الحلبة، بعد أن‏ ‏كادت تنقرض أثر تحول أصحاب المزارع منذ قرابة 30 سنة إلى استخدام الآلات الحديثة‏ ‏في الزراعة، فقلّ -آنذاك- الاهتمام بمناطحة الثيران.
المصدر: مسقط
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©