الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«حنة» تقدم ترحالاً زمنياً في حكاية فتاة عشرينية

«حنة» تقدم ترحالاً زمنياً في حكاية فتاة عشرينية
27 مارس 2010 22:31
قدمت فرقة جمعية حتا للثقافة والفنون والتراث مساء أمس الأول على خشبة قصر الثقافة بالشارقة آخر عروض مهرجان أيام الشارقة المسرحية التي اختتمت فعالياتها أمس، وهو عرض «حنة» من تأليف وسينوغرافيا وإخراج علي جمال، وتمثيل محمد جمعة في دور الأب مايد، والفنانة بدور التي أدت دور حنة، والفنانة أشواق في دور الأم عفراء، والطفلة أشرقت التي أدّت دور حنة وهي طفلة، وأخيراً مريم جمعة التي قامت بأداء الأغاني التراثية الشعبية، والتي استخدمها المخرج كفواصل مشهدية داخل العرض. تنطلق حكاية العرض وسط مناخ سينوغرافي ناعم ومرهف جسدته الأقمشة والغلالات البيضاء الشفافة، الموزعة برشاقة في وسط وزوايا الخشبة، والتي حاول المخرج من خلالها خلق إيحاءات بصرية تتماوج وتتبدل بين آنية الحدث وواقعيته، وبين الذاكرة البعيدة والضبابية التي تفسر وتفتح مغاليق هذا الواقع. يبدأ الترحال الزمني بين الماضي والحاضر أو بين الراهن والمغيّب من خلال حكاية الفتاة العشرينية (حنة) التي تجبرها أمها على التزيّن بالحناء وانتظار عريسها القادم، بينما تصر الفتاة على موقفها الرافض خوفاً من مغادرة المنزل أو بالأحرى خوفاً من مغادرة طفولتها التي حواها واحتضنها هذا المنزل. وتعود ذاكرة حنة إلى مشهد (فلاش باك) يجسد طفولتها عندما كانت الأرجوحة التي تتوسط المنزل هي مصدر سعادتها وارتباطها بعالم متخفف من أعباء الأنوثة والزواج والتصادم مع الحياة، ولكن حتى هذه اللحظات البريئة والمفعمة بالفرح والهدوء كانت تنحسر وتتأرجح بعنف عندما كان يأتي زوج أمها مايد، إلى المنزل وهو ثمل ومليء بأحاسيس الغضب وبالجروح العميقة التي كان يترجمها بعنف ودون رحمة داخل هذا المنزل الصغير والمغلق (افتراضياً)، وتكون الأم هي الضحية الأولى لشحنات الغضب هذه، لأنها لم تنجب له ولداً يكون سنداً ومنقذاً له من سخريات وإشاعات الأهالي، وحتى عندما تحبل زوجته فإن الطفل المنتظر يموت مباشرة بعد ولادته، مما يزيد ويؤصل من عذابات الأب وضيقه وحنقه واعتباره الفتاة حنة بمثابة لعنة مقيمة في هذا المنزل المنذور للألم والمأساة، وفي إحدى فورات غضبه يقوم مايد برمي الطفلة حنة من فوق الأرجوحة فتصاب بمرض الصرع الذي يلازمها إلى أن تكبر وتظل في فترات من (العرض/ الحكاية) وهي تعاني من نوبات هذا المرض. تختتم الحكاية على مشهد قاس يترجم ذروة الصراع بين حنة وزوج أمها وذلك عندما يدخلان في صدام قوي ومشادة حوارية وجسدية تنتهي بأن تلف حنة حبل الأرجوحة على رقبة مايد كي يكون الشنق الواقعي والرمزي هو عقاب هذا الزوج المليء بالحقد والكراهية والسموم النفسية التي لا شفاء منها. قرأنا في كتيب العرض كلمة المؤلف والمخرج التي تقول « من صبغة حنّاها .. نقشت العسل، استمتعوا أحبتي في هذه الليلة التي أتمنى أن تمضي بهدوء» ، ولكن وعلى عكس ما تضمنته هذه الكلمة فإن العرض احتوى على كم مفرط من الصخب والضجيج على مستوى الحوار وعلى مستوى الأداء التمثيلي، وكان واضحا أن المخرج أراد أن يرمي بكل المحتوى القاسي للحكاية فوق خشبة المسرح دفعة واحدة ومن دون ترو أو استثمار للحظات الصمت والهدوء والتأمل التي يمكن لها في أحيان كثير أن تترجم المقولات القاسية من خلال التأثير النفسي والإيحائي وليس من خلال الأداء المحتدم والانفعالي والهائج، ولا من خلال الحوارات الصارخة والأجواء المشحونة التي لم تعكس أبداً مدلولات وإشارات السينوغرافيا الناعمة والحالمة التي زينت البناء البصري للعرض. والمخرج علي جمال الذي يأتي من مرجعية سينمائية وثقافة بصرية ترجمها في أفلامه القصيرة التي شاهدناها وأحببناها في مواعيد ومناسبات سابقة، أراد أن يؤسس لحالة بصرية عالية ومتقنة ونجح في ذلك من خلال الإضاءة والمؤثرات السمعية وجماليات الديكور، ولكن يبدو أن قسوة الحكاية المروية على الخشبة وقسوة معالجتها مسرحياً، شوّهت الصياغة السينمائية التي تعتني بالكادر وبالمشهد وبزوايا الرؤية، ولذلك أتى العرض مزدحماً بالعراك الجسدي وبالانفعال الأدائي المبالغ به والزائد عن حاجة الحكاية، رغم أن أقصى حالات المأساة الشخصية والتراجيديا الداكنة يمكن ترجمتها من خلال دمعة منسابة بهدوء على وجه صامت !
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©