الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مسامرات الجالسين على مقعد 29

مسامرات الجالسين على مقعد 29
27 ابريل 2016 03:49
حوار - ماريان بايو ترجمة - أحمد عثمان مع «مقعد على السين» (غراسيه، 2016)، يسطر أمين معلوف حياة الثمانية عشر مفكراً وعالماً الذين سبقوه بالجلوس على المقعد 29 في الأكاديمية الفرنسية، أمثال بيار باردان، مونترلان، فيليب كينو وكلود برنار. والأكاديمية الفرنسية مؤسسة أصيلة ومهمة، تختزن أربعة قرون من تاريخ فرنسا. 14 يونيو 2012، رصيف كونتي: بعد خطاب الاستقبال، مدح الكاتب الفرنسي- اللبناني أمين معلوف، كما هو متعارف عليه، كلود ليفي ستروس، واستدعى ذكر نجم آخر شغل المقعد 29، وهو آرنست رينان، صديق لبنان، وهكذا تألق مؤلف «صخرة طانيوس». غير أنه ندم فيما بعد على عدم ذكر جوزيف ميشو، الآكاديمي ومؤرخ الحروب الصليبية، التي غذت كتبه دراسته (الحروب الصليبية كما يراها العرب)... مقرراً تسديد دينه، يستقصي ابن بيروت أسلافه في الأكاديمية الفرنسية، ويرتكن إليهم. * في عام 2004، مع «أصول»، ارتكنت إلى أسلافك اللبنانيين. اليوم، هل شعرت بضرورة الاهتمام بعائلتك الثانية، الآكاديميين؟ ** في الواقع، هناك بنوة رمزية. منذ عام 1634، جلس على هذا المقعد ثماني عشرة شخصية – سياسية وعلمية أكثر من رجالات الأدب – تكوّن سلالة. فحصها، طريقة للنظر إلى أربعة قرون من تاريخ فرنسا. اغلب من سبقوني على المقعد عظماء، مثل الكاردينال فلوري، وزير لوي الرابع عشر، أو أحد شهود الأحداث الكبرى مثل مؤلف الحكايات الخرافية فلوريان والوزير غابرييل هانوتو. تنوع * هل كان من السهل على ابن بيروت الاندماج في هذه السلالة؟ ** في الأكاديمية، هناك رجال من جميع الجذور: ليفي- ستروس، ولد في بروكسل، أو معي، أتسع التصور. حتى أن مولد جوزيف ميشو في دوقية صافوا كان له دلالته عصر ذاك. وكذا موضوع ملك بيمونت الذي لم يتحصل على الجنسية الفرسية أبدا. لقد نظر إليه على اعتبار كونه أجنبياً. وحينما رحل ثالث من شغلوا المقعد إلى بوردو لحظة «الفروند» (حرب اللورين، 1648-1653)، تبدى الحدث كما لو أنه هجرة. * تقول إن هذه الأكاديمية ثمرة صداقة بين بعض الأفراد. وهذا مختلف اليوم، أليس كذلك؟ ** من الصحيح أنه في عام 1634، لم يكن يتجاوز عمر فالنتان كونرار، قطب هذه المجموعة، العشرين عاماً. وخلال السنوات اللاحقة، تم اختيار أناس في الثلاثينيات والأربعينيات. وهذا لا يمكن توقعه في أيامنا الحالية. تغير العالم، ولم تتغير الأكاديمية. نظرتنا للعمر والمؤسسات تطورت. اليوم، ننتظر الاعتراف بالناس لاختيارهم. * ألا تعتبر الحماية الممنوحة، بل والمفروضة، من قبل (الكاردينال) ريشيليو، مصدراً للعلاقات الملتبسة بين الأكاديمية والسلطة؟ ** في الواقع، لم يكن الشباب متحمسين للغاية وقتما عرض ريشيليو عليهم حمايته. ولكن، بما أنهم يودون الاجتماع، لم يكن أمامهم أي خيار آخر. في الحقيقة، عمل ريشيليو على منح المصداقية للمؤسسة.»لعب اللعبة» واكتفى بالتعبير عن حنقه عندما لم تنل الانتخابات إعجابه. مما يعني أن الباب مفتوح أمام متملقيه. ثالث شاغلي مقعدي، المحامي الشاب فرانسوا- هنري سالمون، لم ينتخب إلا لكونه مدعوماً من مستشار فرنسا، بينما كان كورني في اللائحة ! في عام 1743، فضل الكاردينال دو لينس فولتير لأسباب محل تساؤلات عدة، وفي عام 1840، تغلب العالم بيار فلورنس على فيكتور هيغو. * هل من الممكن النظر اليوم إلى رئيس الدولة كحامٍ للأكاديمية؟ ** محتمل إلى حد ما. تحت حكم لوي الرابع عشر، كان الحامي يقترح ولا يفرض. وكانت الأكاديمية تقوم بعملها. مع موت كولبير، اختارت لافونتين، الذي لا يلقى بتقدير الملك، لأنه لم يقطع صلاته بفوكيه. هناك حالة استثنائية واحدة: انتظر لوي الرابع عشر انتخاب بوالو، مرشحه الأثير، لكي يصدق على انتخاب كاتب الخرافات، وهو علامة على احترام المؤسسة. * هل تعتبر النقاشات الفكرية الدائرة في الأكاديمية مكوّنا لتاريخ لفرنسا؟ ** نعم، تاريخ فرنسا يتجاوز تاريخ الأكاديمية. ظهور الفلاسفة والماسونية، قضية دريفوس، بزوغ القومية، الصراع الفرنسي- الألماني، السياسة الكولونيالية، انعكس على مكان هذا الفوران الفكري. وتبدى لدى مفكرين عظام، مثل كلود برنار، في دوره المحدد للعلاقات القائمة بين العقيدة والعلم، أو ارنست رينان، في نظرته لمفاهيم الأمة والدين. لقد قام بدور كبير في نشأة غرب مختلف. خلال فترة طويلة من الزمن، أعتقد البعض أنه بالابتعاد عن التأويل الأدبي للنصوص يجرى هدم للدين. رينان، وهو غير ديني، بين أن العقيدة لا تمس من دراسة النصوص. وبفضله، تمكنت المسيحية من التعايش مع العلم، التقدم والحرية، في الغرب. فرنسا والإسلام * فيما يتعلق بالإسلام، عبرت – مع ليفي ستروس – عن فرضية خطرة... ** في «مدارات حزينة»، المنشور في عام 1955، وهي مرحلة ما قبل الاستقلال، ذكر ليفي-ستروس، العائد لتوه من الولايات المتحدة، النموذج الأميركي: «أصبحت الولايات المتحدة قوة عظمى، كما كتب اختصارا، لأنهم قبلوا، في يوم من الأيام، غزوهم بكل البؤس الأوروبي، القادم من إيطاليا، النرويح، انجلترا، ايرلندا...»، وان كان من حق ليفي- ستروس طرح السؤال من دون امتلاك إجابة محددة، أطرح بدوري سؤالا: إذا كانت فرنسا قبلت الاندماج الكبير لمجموع شعوب مستعمراتها، وغالبية سكانها من المسلمين، «على أرضية المساواة في الحقوق»، هل من الممكن أن يحقق هذا الرهان المجنون نتائج مماثلة؟ بدوري أيضاً أتساءل: إذا كانت «رميات النرد» تلك كان لها أثر عظيم على الجزائر وكل البلاد الإسلامية. هل تستطيع هذه البلاد الخروج من الركود؟ أو هل تتفكك المؤسسة الفرنسية؟ * ألم يعش لبنان، موطنك، الركود والتحديات. كيف تمكن هذا البلد الصغير من الاندماج من دون ابتلاع 1,5 مليون لاجئ سوري، أي ما يقارب ثلث سكانه؟ ** في أوروبا، كل بنى الاستقبال احتشدت لأجل اللاجئين. في لبنان، الأمر مختلف: الالتزامات ليست متشابهة، يتصرفون، يقومون بعمل ما في وسعهم، يرون أنه (حدث) مؤقت. بيد أن حاضر كل هؤلاء اللاجئين يؤسس فرضية للمستقبل، على الرغم من أن ما هو مؤقت يتبدى دائماً. تلك إحدى صور عصرنا: الأشياء المفروض كونها عابرة، مثل الأزمة أو الصراع ضد الإرهاب، من الممكن أن تكون دائمة. * ألن يكون للعالم اهتمام بقراءة أو إعادة قراءة فرانسوا دو كاليير؟ ** قطعا. هذا المستشار، مستشار لوي الرابع عشر، وخامس شاغلي المقعد 29، كتب كتابا رائعاً: «عن طريقة التفاوض مع الحكام»، وهو يعتبر لغماً من الملاحظات. فضلا عن ذلك، منذ تم اكتشافه في عام 1917 من قبل بعض الدبلوماسيين الإنجليز، تم تدريس مبادئه حول التفاوض والأحكام المسبقة عن الصراعات في جامعات العالم بأسره وفي جميع الأقسام العلمية، بما أنها تطبق في الحياة الاجتماعية والاقتصادية – (الاقتصادي) الأميركي جون كينيث غالبريث ضفر له اكليلا من الغار – عن الدبلوماسية. من المفارقة، أن هذا الرجل، الذي يطري السلام، عمل لدى أكثر ملوك فرنسا حبا للحرب – وربما كان هذا السبب لانتظاره وفاة العاهل لكي ينشر كتابه في عام 1716. * مدحت كثيراً البروفيسور آندريه سيغفريد، الذي تم الاحتفاء به تحت القبة في عام 1945... ** أنه أسطورة حقيقية بالنسبة لجيل من الطلاب، الذين قدموا للانصات إلى محاضراته في العلوم السياسية. أحد أوائل من تمنى ديغول لقائهم عند عودته إلى باريس، وقت التحرير. عرف هذا العقل اللامع التفكير خارج الموضوعات المطروقة. مثلا، وهذا مُبْتكر عصر ذاك، قيامه بمناقشة الانتخابات في شرق (أوروبا)، حيث قام بتبيين الصلات القائمة بين جيولوجيا البلد والتصويت. كان – إذا استطعنا القول – رائد سوسيولوجيا الاقتراع. «رواد»، هناك الكثيرون على مدار القرون. صناعة النجوم، على سبيل المثال، بدأت مع فولتير. استقبال الباريسيون، في عام 1778، للبطريرك دو فرني مثير للاهتمام. احتشدت الجموع لتحيته وتقبيل يديه. هذه الظاهرة للصنم الحي، لم تر من قبل. بعد قرن من الزمان، كلود برنار، الذي ثوَّر الطب، تلقى جنازة رسمية: حضر 4000 شخص موكبه الجنائزي. هنا أيضاً، هذا شيء جديد، بالنسبة لعالم. آخرون من بين أسلافي يستحقون ذكر أسمائهم، مثل الفيزيائي بيار فلورنس، مؤسس علوم الجهاز العصبي، أو الكاتب المسرحي فيليب كينو، المنتخب في عام 1670. كلام الأكاديمية * حقر بوسويه كينو، وريفارول أساء معاملة كيلهافا، جالس آخر على المقعد 29... هل من الممكن أن نرى شيئاً من تلك الحدة اليوم؟ ** في الواقع، هجاء مقذع لريفارول. أحد أهدافه المفضلة كان كيلهافا، وهو شخص غير لطيف – يجول بسن لموليير في خاتمه -، وقام بشويهه في «الحولية العامة لجميع المناظر». ولكن العالم تغير. في القرن الثامن عشر، كانت النقاشات الأدبية تدور في دوائر ضيقة، ومن الآن فصاعداً، أتسعت المساحة ولم يعد الكلام محفوفاً بالمخاطر. خوفاً من الانزلاقات، مورس نوع من الرقابة الذاتية من قبل بعض الجهات – تتحاشى البذاءات -، وأنما رقابة إبداعية تختص «باللغة الجديدة» مما جعلت النقاش تافها، وأفقرت الحياة الفكرية والسياسية. لا أحد في حاجة إلى سلطة استبدادية حسبما نمط أورويل، و»اللغة الجديدة» تفرض نفسها عبر دمقرطة الكلام. نحن نحيا في عالم الصخب والضوضاء، يمحي الصخب الكبير النقاش الحقيقي والديمقراطية الحقيقية. * ما هو دور الأكاديمية في داخل هذا الصخب؟ ** الكلام بداخلها حر ومحي. في داخلها نستدعي اللغة، بالتأكيد، ولكن أيضاً مكانة الثقافة في العالم بأسره. أظن أن جميع المشاكل، المرتبطة بالهوية، الاندماج، الأصولية، تتأتى من النسق الثقافي. من الضروري الخروج من المنطق المتحدر من الماركسية والرأسمالية، من التفسير الاقتصادي للأشياء. ليس كل شيء صراع مصالح. ............................. (*)Marianne Payot، Entretien avec Amin Maalouf، L›Express، 01/03/2016 الكاتب عن كتبه التائهون هو كتاب مستوحى من فترة الشباب خلال السن الجامعية، حين كنا نحلم بلبنان أفضل، وجاءت الحرب وقضت على هذه الأحلام، فهو كتاب يتحدث عن فترة الشباب في زمن الشيب، فكما أن العالم العربي بآماله وآلامه وتاريخه يشغلني، إلا أني أفضل الكتابة عن الفترات التي تفصلنا عنها عدة قرون، وهذا طبعي وليس لدي تفسير لذلك؛ لأني أعيش في عزلتي، وأحاول أن أنظر من نافذتي إلى العالم بنظرة متجردة إلى حد ما، فأنا بعيد عن الأحداث الآنية. الهويات القاتلة كتبت هذا الكتاب حين شعرت بظاهرة التصارع بين الشعوب وعدم احترام الهويات المختلفة بسبب نظرات خاطئة ومحدودة لما هي هوية الإنسان. اختلال العالم هو في الحقيقة امتداد لكتاب الهويات القاتلة، حيث إن الأخير يحذر من دخول العالم في دوامة صراعات، جاء كتاب اختلال العالم ليتحدث عن بدء هذا الصراع المؤسف.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©