السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الثقافة في الإمارات.. جماليّات التنوير

الثقافة في الإمارات.. جماليّات التنوير
27 ابريل 2016 03:43
د. منصور جاسم الشامسي* الحركة الثقافية (Cultural Movement)، تُعدّ مادة لدراسة الجماليات، أي أن الحراك الثقافي، بخصائصه، وطبيعته، وواقعيته، وأنماطه، وتفرعاته، هو مادة ملموسة ومحسوسة ومشاهدة، للدخول إلى عوالم الجمال، وهذا يتطلب معرفة سمات وسياقات ومستويات ودلالات الحركة الثقافية من جهة، وضرورة اكتشاف القيمة الجمالية الكامنة فيها، من جهة أخرى. جماليات الحركة الثقافية في دولة الإمارات العربية المتحدة مُشاهدة، مرئية، ملموسة، متكاملة، مؤثرة، وتتطور. وعلى ضوء الفلسفة الجمالية، كأساس علمي نظري، نستطيع تكوين مدخل عام، وأساسي، حول الحراك الثقافي بالدولة، باعتباره مُتضمناً لأصول «جمالية» وبالتالي مخرجاته وكوامنه «جمالية»... لكن قبل ذلك لا بد من نظرة عامة على علم الجمال وفلسفته. علم الجمال «عِلم الجمال» كفلسفة يتناول مواضيع عديدة: الفنون، كالموسيقا، والرسم، والشِعر، والمسرح، التي لها أدور «تنويرية»، كما يدخل في نطاقه الأخلاق، والظواهر الجمالية،و الذائقة الجمالية، ودراسة خبراتنا وتجاربنا الجمالية، كما يهتم «علم الجمال» بالأفكار المتعلقة بالجميل والتناغم والانسجام والكمال، والمُثل الخالدة (الحق، الخير، العدل). و«علم الجمال» تجريدي، معياري، قِيمي، يتعلق بعالم المُثل، وأيضاً هو «واقعي»، له ارتباط بالواقع، استناداً إلى التطور المعرفي لهذا العلم، وكونه قادما من هوامش الفلسفة، في هذا الإطار فإن «المدرسة الاجتماعية الجمالية» و «الفكر الاجتماعي الجمالي» أدخلا «علم الجمال» الحيز الوضعي، لم يعد تجريديا معياريا قِيميا، بحت، بل هو نشاط تأملي وعملي. ويعمل «علم الجمال» على بناء الفكر الجمالي والتذوق الجمالي والمشاعر الجمالية والأحكام الجمالية والتفكير التأملي والحس المرهف والتوافق والإلهام والوعي الأخلاقي ومعرفة الحق والنقد الواعي والأحكام القيمية والإدراك النقدي والإدراك التذوقي. هذه السياقات من الممكن أن تتحصل من خلال العمل الثقافي، وخاصة حين تكون قواعده الفكرية، بواعثها «جمالية»، أو قائمة على فلسفة جمالية. السياسة الثقافية السياسة الثقافية لدولة الإمارات، في صُلب سياستها العامة، بالنظر إلى نمائها الكمي والنوعي، كما تتمتع بزخم دائم، شبه يومي، يتعزز فيه دور المثقف، أو المبدع، كما تتعزز فيه مكانة اللغة العربية، كونها الرافعة الكبرى للعمل الثقافي مُتضمناً للعمل الأدبي بأجناسه المختلفة، ويتم ضمن هذه السياسة الثقافية للدولة إشراك المثقفين والمبدعين في الشأن المجتمعي والتنموي، وهذا يعمل على تدعيم الطبقة المثقفة. وتتبدى جماليات الحركة الثقافية في دولة الإمارات من خلال فهم أن وظائف علم الجمال هي خلق هذا الميل الطبيعي نحو الثقافة والفنون، ولتتسع مساحته في المجتمع، خاصة في ظل تحولات مقلقة وتبدلات مفزعة تجري من حولنا، حيث تغيب بوصلة العمل الحقيقي المثمر، ليأتي العمل الثقافي الإماراتي كمساحات وفضاءات جمالية تحمل وعودها في ظل الحقيقة التعريفية للثقافة بأنها إعادة لإنتاج القيم المادية والروحية ضمن سياق صاعد. كذلك، في دراسة جماليات الحركة الثقافية، كمدخل عام لفهم هذه الحركة، وأساسي، لا يتم الغوص كثيراً في مادة العمل الأدبي، ذاتها، أو يتم تناولها بالتفصيل، بوصف العمل الأدبي رافداً استثنائياً من روافد الفنون، بحيث يتم تحليل العمل الأدبي تحليلاً أدبياً تقنياً، بقدر ما نتناول ماهية الحركة الثقافية، ذاتها، جذورها، أصولها، سِماتها، صفاتها، مضامينها، وشمولها (إن كانت تتمتع بالشمول) وتنوعها (إن كانت تتمتع بالنوعية) وتعدديتها (إن كانت تتمتع بالتعددية)، وفضاءاتها، ومساحاتها المُتاحة، وبذلك نصل إلى، ونستكشف، جمالياتها، وهذا يستلزم منا التركيب والإحاطة، كمنهج بحث ثقافي، فهناك «الماهية الثقافية» أو «الثقافة التثقيفية» ولكن ما يتجاوز ذلك هو مسألة الثقافة كموضوع، ماهو موضوعها؟ حيث تتم دراسة هذا الموضوع من ناحية «أنثروبولوجية» (دراسة الإنسان في العمل الثقافي)، وحضارية، وهذه الدراسات ممهدة للدراسة الجمالية، ومتواشجة معها. جمال النسق والانتظام «التحليل الجمالي الحديث» لا يبحث فقط عن الجمال في ذاته، وعناصر الجمال الكامنة في الشيء، وإنما، ينطلق نحو البحث عن الابتكار والتجديد والاختلاف، وهي من تفرعات علم الجمال، فالعمل الفني الأدبي، مُتشابك المعاني والدلالات، حيث يترك مساحات للتأمل والتفكير والتأويل، فالعمل الأدبي إلى جانب كونه مُتعة ومعرفة وتساؤل، فهو نشاط حسي بصري، مادي، عقلي، روحي، ذهني، نفسي، شعوري، متداخل. يكمن الجمال في الثقافة بدولة الإمارات في المعاني الفنية التي تنتظم فيها الفنون والعمارة والأدب والمسرح، ليكمن الجمال في ذلك النسق والانتظام للعناصر المُكونة لها، فعلى سبيل المثال: جمالية اللوحة نابعة من المُعطى الغنائي البصري الشاعري، وعمليه الدخول في المضامين، وجمالية المسرح تكمن في توازن المكان وتواشج العناصر الأدبية والتشكيلية والموسيقية والتعبيرية، وجمالية العمارة تكمن في البناء وما يُحيط به وفي داخله من أنساق منتظمة وفراغات موحية وزخارف وخطوط وألوان، و«هندسة مكانية» لها تأثيرات متعددة، وجمالية الأعمال الأدبية تتم معرفتها بالتأمل والتحليل واستكشاف خواصها الكامنة. هل المادة الأدبية هي فقط للمتعة والمعرفة أم أنها تُخاطب العقل، مثيرة للتساؤل، والتفكير، والاستقصاء، والحيرة، ومتضمنة لأهداف ورؤى جمالية، فكرة جميلة، جوهر جميل؟ وإذا سألنا: هل تتحقق هذه القيمة الجمالية في المعطيات القائمة في دولة الإمارات؟ القيمة الجمالية تتحقق من خلال دخول عوالم الحركة الثقافية في الإمارات وفهم ما تتضمنه من مناهج وإبداعات ومسارات ومحطات وتشابكات وتجاوبات وآفاق مفتوحة ونواح ذاتية وموضوعية وناجز ومُتشكل ومطلق ونسبي ومشاريع إنسانية وتجارب تحديث ومتغيرات اجتماعية. وفيما يتعلق بالبحث التحليلي التفصيلي الأدبي الجمالي، فهي مساحات مفتوحة للباحثين من أدباء ونُقاد وفنانين وكُتاب، ليتدارسوا الأعمال الأدبية، منطلقين من رؤى جمالية مقرونة برصد تسلسلي (كرونولوجي) للفنون المختلفة، بوصفها الرافعة الكبرى لعلم الجمال، حيث يعتني «علم الجمال» بخصوصية كل نوع فني. لماذا الجمال في ثقافة الإمارات؟ هذه القضايا المفاهيمية يمكننا تتبع مساراتها في دولة الإمارات من خلال المعطيات التالية: أولا: الحراك الثقافي الفني الإماراتي نابع من رؤى قيادية واضحة؛ القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، كان شاعراً، دعّم من مكانة الشعر في الدولة في وقت مبكر من عمُر هذه الدولة المجيدة، وظل مؤديا دوره كشاعر إلى جانب كونه القائد السياسي، وهذه السِمة الأدبية لسموه، وصفته الشاعرية، خلقت شفافية وسلاسة وأحاسيس ومشاعر، مُنسابة في السياسة العامة، فقصائده مُغناة، وأحاديثه تحمل شِعرا، ورؤيته فيها تواشجات أدبية شاعرية وإنسانية وسياسية واجتماعية، وهذا تفرد، فعوالم الشيخ زايد جميلة: «نفس شفافة» «تفكير جمالي» «تأملات» «انسجام داخلي» «إلهام» «إلهام شعري» «معرفة الحق والخير والجميل» «الإدراك النقدي» «الذائقة الجمالية» «الوعي العاطفي» «حب الوطن برؤية جمالية تكتنزه» «حب الحياة» «الإحساس بالجمال كقيمة مادية ومعنوية» «الروح الإيجابية» «تنمية العلاقات» «سلامة القلب» وهذه كلها جماليات أضفت على الدولة سياسات واقعية «جمالية» تتنامى وتتطور وتتسع. الرؤية والممارسة الأدبية الشِعرية للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وهي رؤية وممارسة جمالية تواشجت مع العلاقات الدولية التي أرساها الشيخ زايد لدولة الإمارات، حيث انطلقت من أبعاد ورؤى جمالية نابعة من ذات سموه وفهمه الجمالي للتاريخ، أيضاً، وللثقافات، ومن موقعه «الجمالي» كشاعر، وفهمه للعالم من أبواب الصداقة، لا من مواقع الصراع، وهذا «جمال». كان قائداً سياسياً اجتماعياً إنسانياً «جمالياً»، بالدرجة الأولى، أرسى علاقات دبلوماسية طبيعية، فضلاً عن وضعه بذور النهضة الإماراتية المعاصرة. ثانياً: صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، فكره الجمالي مُتسامق، هو أيضاً شاعر، وشاعر متقدم، وقصائده مُغناه، وهذا الشاعرية منسابة، كما ترون، في القيادات الإماراتية، وروح الشيخ زايد «الشاعر» منسابة في روح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد «الشاعر» في تمازج شاعري جميل بين قائدين وشاعرين وأديبين، وكان بينهما حوارات أو مساجلات شعرية، والفكر الجمالي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد يأتي من خلال شِعر وأدب سموه، عبر تحليله جمالياً، ويأتي عبر اهتمامه بالفنون والآداب، و كذلك عبر «عشق» سموه لتحقيق الجودة والكفاءة والتميز والكمال والارتقاء في الأعمال، و هذا جوهره الجمالي، وسِر من أسرار نظرية الجمال لديه، عبر عنها واقعياً في هذه النهضة الجمالية المتكاملة التي هي «إمارة دبي» كنموذج حياة سعيدة متقدمة هانئة، وهذا تميز وتفرد جمالي. ثالثاً: صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة، ينطلق من رؤية فكرية وتاريخية رائية لمرجعيات ومُحدِدة للمآلات، وهذا سياق جمالي، حيث تنتظم في الشارقة سياقات كبيرة و واسعة للفنون والآداب المختلفة حتى أصبحت مدينة تختصر في ذاتها تاريخاً من الآداب والفنون الإماراتية والعربية والعالمية، وفي مثل هذا الفضاء الفسيح يحضر الجمال بوصفة القيمة الوازنة لهذه المعطيات. في الشارقة أنماط وأنواع من الفنون والآداب، وتلك الآداب والفنون تنفصل وتتصل بين بعضها البعض، كما لو أنها (جمعٌ في عين الفرق) كما يقول الفلاسفة. الرافعة الكبرى للثقافة الجمالية في الشارقة هو (الموروث) الإماراتي والثقافة العربية والثقافة الإنسانية. وهذا التسلسل الثلاثي له مغزاه الخاص، فالثقافة في الإمارات رافد من روافد الثقافة العربية، والثقافة العربية، بدورها رافد من روافد الثقافة الإنسانية. لكل سياق من هذه الفنون والآداب في دولة الإمارات خصوصيته وأدوات تعبيره المميزة وفضاءات مقارباته النقدية والجمالية الخاصة، ولأن هذه الفنون والآداب، حاضرة بثراء كمي ونوعي، فإن المقولة الجمالية المترافقة معها تتسم بالضرورة بذات الثراء الكمي والنوعي، فنحن هنا بإزاء بانوراما لتجليات معرفية وإبداعية تحتشد بالقابليات والانتظامات والتفارقات والتمازجات. البعد الجمالي يشتمل على الرؤية والخصائص الفنية والأدبية لكل نوع من أنواع الإبداع والتوصيف والتصنيف التاريخي لهذه الفنون، بالإضافة إلى الظاهرة الجمالية التي تشمل عموم المدركات والحقائق الوجودية (الأنطولوجية) ذات الصلة بالتراث والمعاصرة والتحديث والمستقبليات. وعندما نتحدث عن القيم الجمالية، فإننا نتحدث عن القاسم المشترك الأعلى بين هذه المستويات الإجرائية الثلاثة، وعليه نقول وبكل وضوح أن الثقافة المؤسسية والفردية في دولة الإمارات العربية المتحدة يمكنها أن تقدم ثماراً معرفية وذوقية للثقافة العربية والعالمية، استناداً إلى الوشيجة العضوية بين هذه المستويات من جهة، واتساقاً مع الحقيقة التاريخية الثقافية «الأنثروبولوجية» الأناسة، الممتدة في مدى التاريخ المعروف في هذه الأرض. تساؤلات الحديث عن جماليات الحركة الثقافية في دولة الإمارات يضع التساؤلات التالية في صُلب الاهتمام «الجمالي»: * هل الحركة الثقافية في دولة الإمارات تدعو للتفكير وتدعو القارئ للتساؤل المستمر بعيداً عن النمط التقليدي والكلاسيكي الذي يقدم إجابات جاهزة؟ * هل الأدب في دولة الإمارات يدعو للتفكير ويدعو القارئ للتساؤل بعيداً عن النمط التقليدي والكلاسيكي الذي يقدم إجابات جاهزة؟ * كيف هي فسيفساء الحركة الثقافية في دولة الإمارات؟ في دولة الإمارات، اليوم، تفاعلية ثقافية، تنقسم إلى ثلاثة مستويات: محلي: تنوع مؤسسي، حكومي، محلي، اتحادي، وعربي: الإمارات بيئة جاذبة للذاكرة العربية، والثقافة العربية، ودولي: البُعد الدولي، العولمة، البُعد الديموغرافي، حضور أجنبي يقدم إسهامات إبداعية. وفيما يتعلق بالدلالات الجمالية للحركة الثقافية في دولة الإماراتية، فهي: التنوع، والعالمية ذات النكهة المحلية، والتفاعلية. وفيما يتعلق بمحاور الحركة الثقافية في دولة الإمارات فهي: الكثافة، والحرية الفكرية (لا أيديولوجية مسيطرة)، والمرأة الفاعلة، حيث حضور المرأة فاعل في المشهد الثقافي الإماراتي، والتفاعلية الثقافية، فهي موضوعية، تفاعل موضوعي وهذا أرسخ، وهناك الأماكن والأوعية، حيث توجد أوعية ثقافية حاضنة واسعة في الدولة، والأنساق والأجناس الأدبية كلها تقريبا مرئية في المشهد الثقافي الإماراتي، والحياة الثقافية اليومية عبارة عن مساحات جمالية ممتدة ومستقرة. تأتي الخلاصة العامة لتؤكد على أن مستقبل الحركة الثقافية في دولة الإمارات العربية المتحدة واعد بصورة أكبر، ومساحات الجمال تزيد كماً ونوعاً، عبر تعميق الرؤى الجمالية في الحياة والأدب والأعمال، وبالتالي يتشكل الموقف الجمالي الإنساني، بصورة أشمل وأعمق، والبحث الجمالي يؤدي لتحقيق كشوفات ثرّة تُعمق من تعزيز الحركة الثقافية في دولة الإمارات ومدّ فضاءاتها المحلية إلى آفاق أوسع وأشمل. .............................................. * أكاديمي، باحث، كاتب، شاعر مكانة الأدب للأدب مكانة استثنائية في الثقافة بصورة عامة، ولكن الحركة الثقافية أوسع من الأدب، فهي متضمنة للأدب، إلى جانب عناصر أخرى، باعتبار الحراك الثقافي، أنشطة وتفاعلات واقعية، كما له أبعاد اجتماعية، واقتصادية، وعلمية، وسيكولوجية، وفكرية، وسياسية، وتاريخية، وتربوية، وغيرها من أبعاد، فهناك تاريخ ثقافي بشري.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©