الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحرية والشمولية في فكر «هايك»

19 فبراير 2011 23:40
كتب إدوين جيه. فيولنر (رئيس مؤسسة التراث في واشنطن) في تقديمه لكتاب فريدريك هايك (الطريق إلى الرق) أن هذا الكتاب يعد أكبر من أي إسهام آخر في سيرة هايك. أما هايك نفسه فقد قال عنه أنه "واجب لم يكن علي التملص منه". نشر هذا الكتاب في مارس 1944 في بريطانيا، وسرعان ما نال كاتبه شهرة منقطعة النظير. كان الكتاب محاولة من "هايك" لتغيير أفكار الناس، وهو القائل لأنتوني فيشر (وكان طياراً محارباً أعجب بأفكار هايك) "إن مسار المجتمع سيتغير فقط بواسطة تغيير الأفكار. عليك أولا الوصول إلى المثقفين، الأدباء والمدرسين، وفي مناقشات عقلانية، لأن تأثيرهم على المجتمع هو الذي سيسود، والسياسيون يتبعونهم". ولد فريدريك فون هايك (1899 - 1992) بفيينا النمساوية. كان عضواً من مدرسة فيينا المعروفة، وفيلسوفاً واقتصادياً ليبرالياً، واجه الاشتراكية وتدخلات الدولة. حصَّل على دكتوراه في القانون (1921) وأخرى في الاقتصاد (1923) من جامعة فيينا، كما درس علم النفس وعلم الاقتصاد، واعتبر الموسوعية العلمية شرطا لتكوين أي عالم اقتصاد. بدأ قريباً من الأفكار الاشتراكية التي تؤمن بتدخل الدولة في الاقتصاد، وانقلب على تلك التصورات والأفكار بعد التقائه بمعلمه (لودفيج فون ميزس). يعد كتاب (الطريق إلى الرق) محاولة لإعادة صياغة العلاقة بين الحرية والسلطة، إذ شكلت الفاشية والنازية إنذاراً بأن الليبرالية قد تفقد مساحاتها أمام تقدم الأفكار الشمولية على ظهر الجماهير الانتخابية في أية لحظة. يعتقد البروفيسور هايك أن "النازية ليست وليدة نزعة الألمان الشريرة، لكنها نتيجة الأفكار الاشتراكية التي سادت ألمانيا بضعة عقود قبل بروز النازية". ويشير إلى ثلاثة أدلة تبرز الاتجاه نحو الاشتراكية: الاحترام أو التبجيل المتزايد للدولة. القبول القدري للاتجاهات الحتمية. التحمس لتنظيم كل شيء (التخطيط). ثم يبدأ "هايك" في عد طرق عمل الاشتراكيين يقول: "كان الاشتراكيون، وليس الفاشيون، هم من بدأ بجمع الأطفال في السنوات الغضة من العمر في منظمة سياسية لتوجيه طرق تفكيرهم. وكان الاشتراكيون، وليس الفاشيون، هم أول من فكر في تنظيم الألعاب الرياضية، وكرة القدم والكشافة، في أندية حزبية لا يتعرض فيها الأعضاء بالعدوى للآراء الأخرى، وكان الاشتراكيون، هم أول من أصر على أن يميز عضو الحزب نفسه عن الآخرين من خلال صيغ التحيات وأشكال المخاطبة، وكانوا هم من خلق النمط الأنموذج للحزب الشمولي، من خلال تنظيمهم لخلايا ووسائل للإشراف المستمر على الحياة الخاصة. وفي الوقت الذي جاء فيه هتلر إلى السلطة، كانت الليبرالية ميتة في ألمانيا. وكانت الاشتراكية هي من قتلها." يعتبر هايك أن "الملكية الخاصة هي الضمان الأكثر أهمية للحرية"، ولكن لأن الاشتراكيين أنفسهم يعدون الناس بالحرية، فإن هايك يعتبر "وعودهم بالحرية تشكل في حقيقة الأمر طريقا سريعاً للعبودية". ولأنه ليس من السهل أن تحرم الأغلبية العظمى من الفكر المستقل، فإن الاشتراكية تبدأ بوعود الحرية وتنتهي بقتلها بشكل كامل. كتب هايك قائلا: "حكم القانون تطور بوعي خلال العصر الليبرالي فقط وهو أحد أعظم الإنجازات. فهو التجسيد الشرعي للحرية. وكما قال إيمانويل كانط: (الإنسان حر إن لم يكن بحاجة إلى أن يطيع أي شخص سوى القانون)". تتفاوت تمظهرات الشمولية بين السياسة والاقتصاد، لكن السلطات كلها تنتهي بين يدي أقلية قليلة من الأفراد تحت سلطة فرد واحد. قد يسهل تقبل الأفكار الاشتراكية في المجال الاقتصادي تحت مسمى (التخطيط)، والتخطيط لا يكون فعالاً إلا إذا كان صارماً، ومنه فكرة "هايك" أن "التخطيط يقود إلى الديكتاتورية، لأن الأخيرة هي الأداة الأكثر فعالية للإكراه والقسر". يعتبر هايك أن "التخطيط والمنافسة لا يندمجان مع بعضهما إلا من خلال التخطيط للمنافسة، وليس من خلال التخطيط ضد المنافسة". ويعتبر أن "ليس من الممكن إيجاد حل وسط بين المنافسة والتوجيه المركزي ... إن المزج بينهما يعني أن أي منهما سوف لن يكون فاعلا". كما "لا يمكن فصل الغايات الاقتصادية المحضة عن غايات الحياة الأخرى". أينما بدأت الأفكار الشمولية فهي تتسرب إلى كافة مناحي الحياة، فالفرد يكبر ويتوسع مجال تأثيره حتى يسود في الأخير. ولا تعدو الدعوة إلى التوجيه والتخطيط بأن تنتهي في صورة ديكتاتورية مقنعة تبحث عن السبل السياسية للتحكم. يقول هايك: "إن الكيان التشريعي سيتناقص حتى الوصول إلى بعض الأشخاص الذين سيمتلكون عمليا السلطة المطلقة. وسيميل النظام برمته صوب هذا النوع من الديكتاتورية التي سيجري فيها إعادة انتخاب رأس الحكومة بين حين وآخر لمنصبه بالاقتراع الشعبي العام، ولكن طالما كان يمتلك زمام كل القوة والسلطة في يديه، فإن نتيجة التصويت ستمضي في الاتجاه الذي يريده هو". وذلك طبعا بواسطة الاقتراع الشعبي العام، وهذا حال الجماهير متدنية الأخلاق، تساعد دوما من يركب ظهرها لمصلحته الخاصة. ولن نجد تفسيراً منطقياً لذلك أكثر مما قاله "هايك" نفسه في هذا الكتاب: "كلما ازداد التحصيل العلمي أو ارتفع ذكاء الأفراد، أصبحت أذواقهم وآراءهم أكثر تمايزا. أما إذا أردنا أن نجد درجة عالية من التناغم والاتساق، علينا أن نهبط على مناطق المعايير الأخلاقية والذهنية المتدنية، حيث تسود الغرائز الأكثر بدائية. وهذا بل يعني أن القسم الأكبر من الناس من ذوي القيم المتشابهة جداً هم من هؤلاء المتدنين في معاييرهم الأخلاقية الفكرية". ما هو الطريق للخروج من هذا المأزق إذن؟، ونحن نعرف أن "ما من شيء يجعل الأوضاع لا تطاق أكثر من المعرفة بأننا لا نستطيع تغيير تلك الأوضاع مهما بذلنا من جهود". الحل في نظر "هايك" هو أن نضع نصب أعيننا "أن المبدأ التوجيهي في كل محاولة لخلق عالم من الرجال الأحرار، لا بد أن يكون التالي: سياسة حرية الفرد هي السياسة التقدمية الحقيقية الوحيدة". رشيد أوراز باحث مغربي ينشر بترتيب مع مشروع "منبر الحرية"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©