السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إسرائيل... تدريبات على الكوارث

25 فبراير 2014 00:34
فريدة جيتس محللة سياسية أميركية قليلة هي الدول التي تنظم مناورات كبيرة على نطاق واسع وبصفة دورية للتدريب على حالات الطوارئ مثلما تفعل إسرائيل في ظل احتمالات اندلاع حرب أخرى في المنطقة تكون إسرائيل طرفـاً فيهـا، أو تعرضها لهجوم صاروخي. فعلى مدى السنوات الماضية كنت شاهدة على عمليات محاكاة مذهلة لردود فعل محتملة على الكوارث مثل تعرض البلاد لهجوم جرثومي، أو لقنبلة كيماوية تحدث دماراً واسعاً وخسائر جسيمة، مختبرة بذلك استعداد الأجهزة المختلفة على التعامل مع الطارئ واحتوائه والتقليل من الخسائر إن أمكن ذلك. وفي هذا السياق نظمت السلطات الإسرائيلية خلال الشهر الماضي مناورة كبيرة لاختبار مدى استعدادها للتعامل مع سيناريو خيالي لارتطام طائرة مع منطقة سكنية، مخلفة المئات من الضحايا، وكانت المناورة برمتها عبارة عن عملية محاكاة معقدة تعتمد على سيناريو أطلق عليه «الحادثة الكبرى ذات العدد الكبير من الضحايا» ليجسد بذلك نوعية الكوارث التي قد تتعرض لها البلاد دون إنذار مسبق وبتداعيات تتجاوز قدرة جهات محددة مثل البلديات والمسؤولين المحليين على مواجهتها، والهدف من إجراء المحاكاة على أرض الواقع هو وضع قدرات إسرائيل الطبية والأمنية وباقي أوجه الطوارئ على المحك. وفي ما سيقول البعض إن مثل هذه المناورات مبالغ فيها ومتشائمة إلى حد بعيد، إلا أنها مع ذلك تحدث في العديد من الأحيان، ولعل ما جرى في 9/11 بالولايات المتحدة، وتفجيرات لندن في 2005، أو استهداف قطارات مدريد في 2004 هو خير دليل على ضرورة الاستعداد لحالات الطوارئ القصوى. وكما قال الدكتور «أمير بلومينفيلد»، الذي أمضى الشهور الثمانية الماضية في الإعداد للتدريب «عليك أن تستبق الكوارث بالاستعداد لها، فلا تستطيع الانتظار والاكتفاء بردود الفعل عندما تحدث الكارثة». وقد أبدى مسؤولو الطوارئ في العشرات من البلدان الذين حضروا التدريبات الإسرائيلية اهتماماً كبيراً بالحدث، فالمحاكاة نظمت في قاعدة عسكرية أعيد تأهيلها لاستضافة التدريب وسط إسرائيل بالقرب من مطار بن جوريون، وكان الانطلاق من المكان الذي سيحصل فيه الارتطام بأن جُعل وراء حاجز زجاجي يطل على الأحياء السكنية التي يفترض بالطائرة الاصطدام بها، ثم فجأة يُسمع دوي انفجار هائل يزلزل الأرض ويرج المكان برمته، ليسقط الحاجز الزجاجي وتظهر المباني وهي تنهار تحت وقع الضربة، ليبدأ حجم الكارثة في التكشف بعدها، حيث تختلط محركات الطائرة بالركام، فيما يلعب ممثلون دور الجرحى والمصابين بإتقان. وبعد الانفجار الأول، ينطلق انفجار ثان ليضيف إلى الفوضى العارمة وتختلط بأصوات سيارات الإسعاف وباقي الأجهزة التي هُرعت على وجه السرعة إلى المكان، وبعد قليل وصل عمال الإغاثة التابعون لنجمة داوود التي تعادل الصليب الأحمر لنقل الجرحى والموتى. وليبدأ رجال الشرطة في الظهور ومعهم رجال الوقاية المدنية، ثم لاحقاً الصحفيون الذين تقاطروا على مكان الحادث، ومع أن الأمر يبدو غارقاً في الفوضى، كانت المحاكاة محسوبة ومخطط لها منذ سنوات لتمثل ما يقع فعلا على أرض الواقع. وقد تولى عملية الإشراف على العملية جهات متعددة من قيادة الجبهة الداخلية التابعة للجيش ومعها سلطات الدفاع المدني، ثم الجيش، وتوزع فيلق الطب العسكري في المكان، كما استحدثت مراكز للقيادة لتنسيق العمليات، وحُصرت عربات الطوارئ لتوجيهها، وفي هذه الأثناء أنشئ مستشفى ميداني، وأغلقت الطرق كما وفرت باقي العناصر اللوجستية، وفيما كان المسؤولون يزودون وسائل الإعلام بأحدث التطورات، كانت المستشفيات تتلقى تعليمات بالاستعداد لاستقبال أعداد كبيرة من الجرحى. وفي المكان أيضاً حلقت المروحيات للمساعدة في إجلاء المصابين، وأغلقت الطرق المجاورة لتفسح المجال أمام سيارات الطوارئ، وليس بعيداً عن مكان الكارثة عبأ مستشفى «هاشومر»، وهو الأكبر في إسرائيل، كل إمكاناته وأطلق بروتوكول الطوارئ لديه، بحيث تم إلغاء بعض العمليات الجراحية التي يمكنها الانتظار، فيما أخليت بعض الأسرة ونُقل المرضى إلى مستشفيات أخرى. وعلى مداخل المستشفى وُضع عدد كاف من الحمالات واستعد فريق طبي مدرب على استقبال الجرحى وإجراء تصنيف سريع للمصابين حسب خطورة حالتهم من خلال رفع راية بألوان الأحمر والأصفر والأخضر وفقاً لوضع الجريح الصحي، وأحياناً يستخدم اللون الأسود دلالة على حالة الوفاة، وبالإضافة إلى الجهود الطبية انطلقت بموازاتها خدمات الاستعلامات التي تتعامل مع الأهالي الذين جاءوا يبحثون عن ذويهم في المستشفى، حيث استعين بكوادر مدربة على تقديم الدعم النفسي للأشخاص الذين يعانون من الصدمة والألم. وبالطبع كان التمرين بأطواره المختلفة مجرد جزء من إجمالي المناورة، أو المحاكاة، حيث تبعتها عملية تقييم دقيقة لأداء كل عنصر وكل فريق ليعطى درجة معينة سيتم على أساسها استخلاص الدروس وتصويب الأخطاء، ولا تقتصر التمرينات الكبرى في إسرائيل على الجانب العسكري، بل تمتد أيضاً إلى المدنيين. فقبل أشهر قليلة نظمت قيادة الجبهة الداخلية مناورة من خمسة أيام لإعداد السكان على التعامل مع هجوم صاروخي كثيف، بما فيها الصواريخ غير التقليدية التي تحمل رؤوساً كيماوية وبيولوجية، أو نووية. واللافت في هذه المناورات، وهو ما لاحظه المراقبون أيضاً، الجدية التي يتعاطى بها المشاركون فيها، حتى من بين المدنيين، لكن الأمر ليس مستغرباً بالنظر إلى الأخطار المحدقة بإسرائيل. فقد تعرضت إسرائيل في 2006 لوابل من الصواريخ أطلقها «حزب الله» من لبنان، وهي أخطار لم تنتهِ في ظل الاضطرابات المجاورة سواء كانت في سوريا، حيث لا يكن أحد من الأطراف المتصارعة وداً لإسرائيل، أو في قطاع غزة الذي تسيطر عليه «حماس». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©