الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

يرخيها ويشدهـا

يرخيها ويشدهـا
15 ابريل 2008 00:11
هناك شعرة تفصل السياسي عن الثقافي، مع فارق أن السياسي هو الذي يرخيها ويشدها، وليس سراً أن السياسي يتحكم بالثقافي في وطننا العربي، منذ أن نالت هذه الدول (استقلالها)، وهذا التحكم يختلف بالطبع من نظام إلى آخر، طبقاً لطبيعة هذا النظام (جمهوري حزبي، ملكي، ديمقراطي···)· إن ظهور مواقف ثقافية وأعمال إبداعية حقّقت اختلافاً في منطقة ما، وشاكست أفكاراً سائدة في أخرى، أدت إلى إثارة أو منع أو تحريم أو تكفير، لا يعطي للمثقف أو للمبدع أي فضل، وإنما للتوجه السياسي والمرونة الأخلاقية والاجتماعية والعقدية التي يتحلى بها مكانه· وهذا ينطبق على الصراع الوطني، هناك كاتب ثوري لأن (النظام) الذي يحتضنه (ثوري)، وبالتالي لا يستطيع إلا أن يحاكيه، وهناك كاتب ملكي·· إلخ· وحدث أن انتفض المثقف أو المبدع على نظامه فانتقل إلى نظام عربي آخر (أكثر حرية وأقل ملكية)، لكنه صدم بالشعارات التي لا تتفق أحياناً مع روحه الفضائية، وبذلك يكون أمام طريقين، طريق المغادرة، أو طريق المصابرة· وليس المثقف فقط من يعيش هذه الثنائية، فالسياسي يعيشها بامتياز، فيضطر أن يكون وطنياً أكثر من الثوريين في نظام ملكي، وملكياً أكثر من الملكيين في نظام ثوري، وهنا تظهر أعراض شيزوفرينا المواقف، وعلى سبيل المثال، وفي الوقت الذي تبرم فيه بعض الأنظمة اتفاقيات سلام مع الكيان الصهيوني، وفي الوقت الذي تقدم كل الأنظمة مبادرة سلام مع الكيان ذاته، تحدث المفاجأة، مقاطعة عربية لمعرض باريس للكتاب، بسبب اختيار الكيان كضيف شرف في المعرض، وقيام شمعون بيريز رئيس الكيان الصهيوني بافتتاح المعرض، وهو موقف يثير العجب والتساؤل، ويحير المثقفين وبعض السياسيين في تصنيفه، هل هو موقف سياسي أم ثقافي أم وطني؟ ولماذا لم تقاطع الأنظمة السيد ساركوزي وهو يقدم كل الولاء للكيان الصهيوني، ومن قبله جورج بوش الابن، ولماذا لم يصدر موقف رسمي صريح وواضح ضد الدانمرك وهولندا لإساءتهما لرسولنا الكريم· هل دخلت شعرة معاوية لتفصل السياسي عن الثقافي هنا؟ لقد بات واضحاً أن (الاستراتيجية العربية) تعتمد على ردة الفعل، وحين تتوالى الأفعال المضادة تكون ردات الفعل مرتبكة حد الحيرة والجمود، وهو ما يشي بخلل واضح في بناء (الوعي العربي)، وصعوبة في الالتقاء حول فكرة عملية واحدة في إطار (العمل المشترك)· السياسي والثقافي يلتقيان، التقيا في مشاريع كثيرة خارج الوطن العربي، التقيا في طرح فكرة نهاية التاريخ، وفي فكرة صراع الحضارات، وفي فكرة العولمة، الأفكار التي ألهبت عقول المفكرين والمثقفين العرب، في إطار سياسة ردة الفعل· فمتى سيلتقي الثقافي مع السياسي في إطار مدروس في وطننا العربي، لبناء العقل العربي المستقبلي للأجيال القادمة؛ لأن الأجيال الحالية نسيت مشيتها ولم تستطع تقليد خطوة غيرها· وأخيراً، تمنيت لو شارك العرب في معرض باريس للكتاب!!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©