الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السد الإثيوبي العملاق: كارثة بيئية اجتماعية

السد الإثيوبي العملاق: كارثة بيئية اجتماعية
16 مايو 2009 03:31
هذه هي المرة الأولى التي تشارك فيها إدارة أوباما في الاجتماع السنوي لبنك التنمية الأفريقي، المكلف بتمويل مشروعات البنية التحتية الأساسية في الدول الأفريقية الفقيرة. وفي جدول أعمال اجتماع البنك المنعقد حالياً، تمويل مشروع «سد جيبي 3» في إثيوبيا، مع العلم أنه يعتبر الأكبر تكلفة بين المشروعات التي يمولها البنك، حيث تبلغ ميزانيته 2.1 مليار دولار.ويذكر أن الولايات المتحدة الأميركية شاركت في تمويل بنك التنمية الأفريقي بما يزيد على 400 مليون دولار خلال السنوات الثلاث الماضية، وهي أكبر دولة مانحة لإثيوبيا، إذ تمولها بنحو 450 مليون دولار سنوياً، تشمل تغطية تكلفة الغذاء والماء وحتى الاحتياجات الحربية. ولما كانت جميع هذه الأموال مقتطعة من جيوب دافعي الضرائب الأميركيين، فإن لهؤلاء مسؤولية إزاء التأكد من حسن إنفاق كل دولار يدفعونه من جيوبهم لإثيوبيا. وبكل المقاييس، يعتبر مشروع «سد جيبي» الإثيوبي استثماراً في غير محله. فهو المرحلة الثالثة من مشروع سد عملاق، يقام على خمس مراحل، في مجرى نهر «أومو» والروافد الأخرى المغذية له. وضمن الأهداف التي ترمي إليها الحكومة الإثيوبية من هذا المشروع، إنتاج الطاقة الكهربائية من مياه النهر. بيد أن هذه الخطة تعد أضعف وأسوأ خطط الطاقة المائية على مستوى القارة الأفريقية كلها الآن. فإلى جانب المخاطر الاقتصادية والفنية المحيطة بخطط الإعداد للمشروع، لم تفعل الحكومة الإثيوبية شيئاً يذكر في الحد من المخاطر الاجتماعية البيئية الكبيرة المرتبطة بالمشروع. ولهذه الأسباب رفعت مجموعة من المواطنين الإثيوبيين المتضررين من المشروع، إلى جانب منظمة International Rivers، التي أعمل فيها، شكوى لإدارة بنك التنمية الأفريقي، أشاروا فيها إلى انتهاك مشروع السد لخمسة مبادئ في سياسات البنك الاجتماعية. من هذه الانتهاكات مثلاً أن «سد جيبي 3» سوف يغير مرة واحدة وللأبد النظام البيئي لوادي نهر أومو، مع العلم أن منطقة مجرى النهر، تعد من أكثر مناطق العالم عزلة. وهي موطن لمجموعة صغيرة من المجتمعات المحلية الأصلية، قوامها نصف مليون نسمة من الفلاحين والرعاة وصيادي الأسماك الذين لم يتأثروا كثيراً بمؤثرات الحضارة الحديثة. وسوف يؤدي إنشاء السد في مجرى النهر المذكور إلى إحداث تغييرات مستديمة وبالغة الضرر على دورات الفيضان الطبيعية التي عرفها النهر عبر آلاف السنين. وترتبط هذه الدورات الطبيعية ارتباطاً وثيقاً بالثقافة المحلية لتلك المجتمعات، بما فيها الممارسات الزراعية التقليدية لقبائل «مورسي» والـ«بودي» والـ«كارا» وغيرها من القبائل المقيمة على ضفاف النهر. وفيما لو أُقيم السد، فمن المتوقع أن يؤثر على مجمل النظم البيئية ويلحق أضراراً بالغة بكافة المجتمعات التي تعيش على ضفة النهر، وصولاً إلى بحيرة «توركانا» الكينية التي تعد أكبر بحيرة صحراوية في العالم كله. فبصفتها موطناً للتنوع البيئي الغني في قلب الصحراء، فقد صنفت هذه البحيرة ضمن مواقع التراث العالمي، وهي تدعم حياة نصف مليون من المواطنين الكينيين، فضلاً عن دعمها لحياة فطرية حيوانية بالغة التنوع والغنى. بقي أن نقول إن نهر أومو يغذي بحيرة «توركانا» بحوالي 90? من المياه التي تصب فيها سنوياً. وعلى إثر إقامة السد وامتلائه بالمياه، من المتوقع أن تنخفض نسبة المياه التي تصب من النهر في البحيرة إلى 50? فحسب، وذلك بسبب الارتفاع المتوقع لتبخر مياه السد. ليس ذلك فحسب، بل يتوقع كذلك أن ترتفع نسبة ملوحة مياه بحيرة «توركانا»، علماً بأنها مرتفعة سلفاً، وفي هذه الحالة، فلن تعود صالحة للشرب، مما سيؤثر سلباً على حياة الثروة السمكية. وكان من المفترض الأخذ بهذه التأثيرات والتنبؤ بها عند تحليل المشروع وقبل بدء العمل في تشييده. لكن الواضح أن الحكومة الإثيوبية بدأت تنفيذ المشروع دون أن تكلف نفسها بتقييم أثره البيئي. وحين انتبهت لهذا الأمر وأعدت تقريراً بشأنه، كان المشروع قد قطع مسافة عامين كاملين في مرحلة التشييد. وفيما يبدو، فقد كان المقصود من التقرير أن يكون إجراءً شكلياً لا أكثر، بدليل كثرة الأخطاء التي لاحظتها عليه «مجموعة الموارد الأفريقية» العاملة هناك. كما تأكد هذا الزعم كذلك من خلال تصريح بعض المسؤولين الإثيوبيين لإذاعة «بي بي سي» بأن الدراسة العلمية الدقيقة للأثر البيئي للمشروع، ليست سوى ترف أكاديمي لا تتحمله دولة مثل إثيوبيا. لكن خلافاً لهذا الزعم الحكومي، فإن من مصلحة سكان ضفاف نهر أومو -الذين تعتمد حياتهم اليومية اعتماداً كلياً على مياه النهر وخيراته- أن يتم تقييم الأثر البيئي والاقتصادي والاجتماعي الذي يتركه المشروع على حياتهم، قبل وقتٍ كافٍ من زحف الجرافات على أراضيهم. كما تشير معلومات International Rivers إلى اكتفاء الحكومة باستشارة -أو إبلاغ- عدد محدود جداً من السكان بما تنوي القيام به في منطقتهم، وما سوف يتركه مشروع السد المائي من تأثيرات على حياتهم. ورغم صمود هذه المجتمعات والثقافات المحلية أمام الظروف الطبيعية القاسية عبر القرون، فإن إنشاء السد، إلى جانب تزايد التأثيرات السلبية الناجمة عن التغير المناخي، ربما تكون القشة الأخيرة التي تقصم ظهر هذه المجتمعات. ولتفادي مصير كارثي كهذا، فمن واجب بنك التنمية الأفريقي أن يجري تحقيقاً شاملاً حول التأثيرات المحتملة لسد «جيبي 3»، ومن ثم مقارنتها بالمعايير الاجتماعية البيئية التي يتبناها البنك. لوري بوتنجر تعمل في البرنامج الأفريقي لمجموعة International Rivers البيئية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©