الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصر وإندونيسيا... مقارنة مع وجود الفوارق

مصر وإندونيسيا... مقارنة مع وجود الفوارق
19 فبراير 2012
منذ سقوط نظام مبارك في مصر قبل سنة من الآن طُلب مني مراراً كتابة مقال يقارن بين التجربة المصرية بعد انهيار النظام السابق وبين إندونيسيا عقب أفول نجم سوهارتو، ولكنني كنت دائماً على قناعة بأنه لا وجود على وجه الأرض لبلدين يشبهان بعضهما بعضاً بشكل كبير، وبالتالي فإنه لا مجال للمقارنة بين الدول، ولذا رفضت تدبيج مقالة تكشف أوجه التشابه بين التجربتين المصرية والإندونيسية فيما أوجه الاختلاف والهوة أكبر من أن تردم بين حالتيهما. كما أنني غطيت سقوط نظامي الرجلين، مبارك وسوهارتو، ولم أرَ ما يمكن أن أقارن به البلدين عدا بعض الجوانب السطحية. ومع ذلك تابعت بعض الكتابات التي ظهرت في الساحة وتسعى إلى البحث عن أوجه التلاقي بين انتفاضة مصر في عام 2011 والثورة الإندونيسية في 1998، مشيرة إلى أن إندونيسيا التي سبقت مصر في الإطاحة بنظامها والدخول في الديمقراطية ربما تكون هي المثال والنموذج الذي ستحتذيه مصر في المرحلة المقبلة، ولذا قررت أن أدلي بدلوي في النقاش الجاري وأبدد بعض المغالطات في تلك المقارنة المجحفة، من وجهة نظري، بين البلدين. ومن المحاولات التي استرعت انتباهي في هذا المجال المقالة التي كتبها المحلل السياسي "جون سيديل" في مجلة "فورين بوليسي"، ويبدأ الكاتب المتخصص في شؤون شرق آسيا بوضع لائحة من نقاط التشابه بين مصر وإندونيسيا ميزت مسيرتهما على مدى العقد الماضي، فالبلدان معاً كبيران من حيث المساحة ويضمان أغلبية مسلمة مع أقليات مهمة من أديان أخرى، وكلاهما خضعا لأنظمة مناهضة للغرب في الخمسينيات والستينيات، ثم بعد ذلك هيمنت عليهما أنظمة ديكتاتورية موالية للولايات المتحدة، ولاسيما خلال الحرب الباردة، ومع أن هذه الملاحظات صحيحة تماماً في مضمونها، إلا أنها لا تكشف عن الاختلافات الجوهرية في المجالات الاقتصادية والديموغرافية والتجربة التاريخية المميزة لكلا البلدين، وهذه الاختلافات أهم بكثير من حصر البلدين في كونهما مسلمين بالأغلبية. إن إندونيسيا تتوزع على جزر عديدة وهي بذلك أرخبيل مترامي الأطراف في المحيط الهندي يزخر بموارد طبيعية هائلة تتمثل في كميات كبيرة من الغاز الطبيعي والنفط، وإنتاجها منهما، على رغم تناقصه، ضعف ما تنتجه مصر، كما أن إندونيسيا تملك أكبر غابة استوائية في العالم خارج حوض الأمازون، وهي تتوافر أيضاً على أكبر مناجم الذهب والنحاس في العالم، وهي المصدر الأول لبعض المنتجات والبضائع مثل زيت جوز الهند الذي يدر مداخيل سنوية تصل إلى 14 مليار دولار، والمطاط الطبيعي بعائد تبلغ قيمته 7 مليارات دولار في السنة، بالإضافة إلى الخشب والورق. وحتى فيما يتعلق بالجانب الزراعي تتوافر إندونيسيا على أراض زراعية شاسعة وخصبة تفوق ما هو موجود في مصر مع أن بعض المناطق في "بالي" و"جاوة" تعد الأكثر خصوبة من حيث الزراعة في العالم. وهذا الغنى الزراعي والوجود الوافر للأراضي لعب دوراً مهمّاً في امتصاص الأزمات الاقتصادية التي حاقت بالبلاد، إذ كانت الأرض دائماً هي المكان الذي يعود إليه العمال في المدن عندما يسرّحون من وظائفهم وتضيق بهم الآفاق. وعلى الصعيد التجاري استفادت إندونيسيا أيضاً على مدى قرون من التجارة البحرية التي تربطها مع القوى الدولية القريبة، ولاسيما الصين المتاخمة لها من ناحية الشرق، أو الهند المجاورة من جهة الغرب. وكذلك فإن السكان أكثر تعليماً وإنتاجاً من المصريين. وهكذا تتضح الحقائق الاقتصادية والديموغرافية المتباينة بين مصر وإندونيسيا، فهذه الأخيرة كانت بمثابة القناة التي تتدفق إليها الاستثمارات الخارجية في المجال الصناعي قبل الأزمة الاقتصادية لعام 1998 التي أطاحت بنظام سوهارتو، ولكن البلد سرعان ما استعاد عافيته الاقتصادية وتخطى مرحلة الأزمة لتعود الاستثمارات مجدداً إلى إندونيسيا وتسهم في نجاح المرحلة الديمقراطية الجديدة، موفرة الوظائف للسكان الذين باتوا أكثر ترحيباً بالتغيير السياسي المتحقق في البلاد. أما في مصر فالأمر مختلف مع البنية التحتية المتهالكة والإنتاجية الضعيفة وفقدانها للاستثمارات الأجنبية لسنوات مما حرم السكان من وظائف وفرص عمل هم في أمسِّ الحاجة إليها، ولذا تبقى فرص مصر للتعافي الاقتصادي وليس الازدهار على الشاكلة الإندونيسية أقل بشكل واضح. وحتى عندما يقارن المحلل السياسي "سيديل" بين صعود الحزب الإندونيسي الديمقراطي بقيادة ميجاواتي سوكارنوبرتي بداية التسعينيات وصعود حركة "كفاية" خلال السنوات الأخيرة لحكم مبارك فذلك أيضاً يبقى توصيفاً بعيداً عن الواقع، فميجاواتي باعتبارها كريمة الرئيس المؤسس لإندونيسيا، سوكارنو، كانت تحاط بهالة من التقديس الشعبي، كما أن الحزب كان إحدى قوى المعارضة المرخص لها قانوناً في البلاد، بل إن سوهارتو سمح للسيدة ميجاواتي بالصعود إلى قمة الحزب على أمل أن ربة بيت ذات تعليم متواضع وخبرة بسيطة تسهل السيطرة عليها واحتواؤها. وبالطبع فقد أخطأ سوهارتو في تقديره بسبب انضمام نخبة طموحة من المصلحين إلى الحزب ليطلقوا حملة جادة من العمل السياسي القائم على المعارضة، هذا في الوقت الذي كان فيه أفراد عائلة سوهارتو يتنافسون لخلافة الرجل المسن، ومع أن تلك المرأة تمكنت من تولي الرئاسة إلا أنها أزيلت في النهاية من الحكم. فما أن تقلدت المنصب حتى أظهرت ميولاً شمولية وتوجهات قومية وسعت إلى العفو عن تجاوزات حقوق الإنسان من قبل الجيش الإندونيسي، كما تحفظت على اتخاذ خطوات حازمة تؤثر على امتيازات النخبة الإندونيسية التي تنحدر منها. وفي المقابل كانت حركة "كفاية" في مصر مظلة واسعة للمعارضة يجمعها رفض استمرار حكم نظام مبارك والخطط التي كان يعد لها لتوريث الحكم لجمال مبارك، ولكن "كفاية" لم تكن موجودة بالمعنى الحقيقي لسنوات، ولم تبرز فيها شخصية سياسية يلتف حولها الجميع مثل ميجاواتي، كما أن المناضلين المنضوين تحت لوائها تفرقوا بين المعسكرات المختلفة الإسلامية والاشتراكية وغيرها. وفيما تشابهت مصر مع إندونيسيا في سبب السقوط المباشر للرؤساء سواء مبارك، أو سوهارتو، والمتمثل في سحب الجيش لتأييده، إلا أن ذلك أفضى في الحالة الإندونيسية إلى تولي نائبه المدني "بي جي حبيبي" السلطة بشكل مؤقت خلافاً لمصر التي تولى فيها الجيش مباشرة الحكم طيلة العام الماضي في سيناريو شبيه بالانقلاب العسكري الذي قاده سوهارتو في 1965 أكثر منه بمرحلة ما بعد سوهارتو في 1998. ومباشرة بعد تولي "حبيبي" السلطة المؤقتة تحدى الجيش ومهد لاستقلال تيمور الشرقية، وبحلول 1999 كانت البلاد قد نظمت أول انتخاباتها التشريعية منذ 1955، والأهم من ذلك أن النتيجة أفرزت سيطرة الأحزاب العلمانية في المجلس التشريعي، فيما حصلت الأحزاب الإسلامية على 35 في المئة من الأصوات، مقارنة بالإسلاميين في مصر الذين حصدوا 70 في المئة من المقاعد البرلمانية. والحقيقة أن إندونيسيا عاشت سنوات من الاضطرابات مع دخول البلاد في صراعات دينية دامية في بعض المناطق، ومع ذلك فإن من الخطأ المقارنة كما فعل "سيديل" بين المواجهات الدامية في إندونيسيا وما قد تشهده مصر من نزاع طائفي مع الأقلية المسيحية، فما شهدته إندونيسيا كان مرتبطاً أكثر بالصراع الثقافي بين مهاجرين تحركهم دوافع اقتصادية لمناطق معينة وبين المقيمين، هذا بالإضافة إلى الاختلاف في طبيعة الإسلاميين في البلدين، فعبدالرحمن وحيد الذي يعتبر من الشخصيات الإسلامية البارزة في إندونيسيا وزعيم منظمة واسعة تسمى "نهضة الأمة" يتبنى مواقف لن تروق كثيراً لـ"الإخوان المسلمين" في مصر، فقد كان أحد المدافعين عن التعددية الدينية ولا يرى مشكلة في تغيير المسلم لدينه، وهو بالطبع الأمر الذي يرفضه "الإخوان المسلمون" في مصر. وفي الأخير يخلص "سيديل" في مقاله إلى أن مصر قد تسير على خطى إندونيسيا التي ازدهرت بقوة بعد سقوط سوهارتو وشكلت ثقافة سياسية منفتحة وديمقراطية، ولكن مع أننا نتمنى لمصر هذا الطريق، إلا أن إندونيسيا بثقافتها المختلفة وأدائها الاقتصادي ونتائج انتخاباتها المبكرة المغايرة لا تنبئنا عن أي شيء مشابه قد يحدث في مصر. دان مورفي كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريسيتان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©