الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

التنين الصيني يبسط نفوذه في أميركا اللاتينية

التنين الصيني يبسط نفوذه في أميركا اللاتينية
16 مايو 2009 02:15
في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن جاهدة لتحسين علاقاتها المتدهورة مع أميركا اللاتينية اندفعت الصين بقوة وهي تعرض على الدول اللاتينية كميات هائلة من الأموال في الوقت الذي تعاني فيه هذه الدول بشدة من تباطؤ النمو الاقتصادي وانخفاض حاد في أسعار السلع ومحدودية إمكانية الحصول على الائتمان. ففي الأسابيع القليلة الماضية دخلت الصين في مفاوضات تهدف لمضاعفة تمويل التنمية في فنزويلا إلى مستوى 12 مليار دولار وتقديم قرض إلى الايكوادور بقيمة مليار دولار على الأقل لبناء محطة لانتاج الطاقة الهيدروليكية وتوفير إمكانية استفادة الأرجنتين من مبلغ تزيد قيمته على 10 مليارات دولار بالعملة الصينية بالاضافة إلى تقديم قرض لشركة النفط الوطنية في البرازيل مقداره 10 مليارات دولار. وهذه الصفقات كافة تركز في المقابل على منح الصين امتيازات تفضيلية في الاستفادة من الموارد الطبيعية مثل النفط والتي تزخر بها هذه الدول ولسنوات عديدة قادمة. وعلى الصعيد ذاته شهدت التجارة بين الصين وأميركا اللاتينية نمواً بوتيرة متسارعة في العقد الماضي وبشكل جعل المنطقة ثاني أكبر شريك تجاري للصين بعد الولايات المتحدة الأميركية. إلا أن مقدار وحجم هذه القروض بات يؤشر على ارتباط أكثر عمقاً مع أميركا اللاتينية في ذات الوقت الذي بدأت فيه ادارة الرئيس باراك أوباما في رأب الصدع والتآكل الذي لحق بنفوذ الولايات المتحدة في الحديقة الخلفية الجنوبية. وقال ديفيد روثكوبف المسؤول الأسبق في وزارة التجارة في ادارة الرئيس بيل كلينتون: «هذه هي الكيفية التي تتحول بها موازين القوى بسرعة في أوقات الأزمات. ولقد أصبحت هذه القروض مثال على قوة دفاتر الشيكات في عالم أصبح يتحول بكلياته إلى أماكن جديدة بعد أن أصبحت الصين الدولة الأكثر نشاطاً في العالم أجمع». وكان الرئيس أوباما قد اجتمع بزعماء المنطقة في الشهر الماضي لمناقشة الأزمة الاقتصادية العالمية بما في ذلك خطة تستهدف إعادة إنعاش بنك التنمية الأميركي - الأميركي الذي يتخذ من واشنطن مقراً له بعد أن فقد نفوذه جراء الخسائر الباهظة التي لحقت به من الأزمة المالية. وفي المقابل فقد عمل زعماء أميركا الجنوبية على حث الرئيس أوباما على المزيد من تخفيف سياساته نحو كوبا. ولكن الصين في هذه الأثناء ظلت تعمل وبسرعة على زيادة إقراضها لدول أميركا اللاتينية وهي لا تسعى فقط إلى الدخول الطويل الأجل لموارد السلع مثل فول الصويا والحديد الخام بل استخدام هذه القروض أيضاً كبديل للاستثمار في سندات الخزينة الأميركية. عملة احتياطية وإلى ذلك فإن إحدى الصفقات الصينية الجديدة في أميركا اللاتينية التي تبلغ قيمتها 10 مليارات دولار مع الأرجنتين سوف تمنح هذه الدولة الاستفادة بشكل واقعي من العملة الصينية لمساعدتها على دفع مستحقات الواردات من الصين. وهو الأمر الذي من شأنه أيضاً أن يعبد الطريق أمام العملة الصينية لكي تستخدم في نهاية المطاف كعملة احتياطية بديلة خاصة أن هذه الصفقة تأتي بعيد صفقات عديدة مماثلة كانت الصين قد أبرمتها مع دول أخرى في أنحاء العالم. وفي الوقت الذي بدأت فيه الأزمة المالية تمسك بخناق الأسواق العالمية في العام الماضي عمد الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى إجراء الترتيبات الخاصة بالعملات مع البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم وخصص مبلغاً بقيمة 30 مليار دولار لكل من البرازيل والمكسيك (رغم أن البرازيل فضّلت عدم الحصول على هذا الائتمان في الوقت الحالي). إلا أن الاقتصادات الأصغر حجماً في المنطقة مثل الأرجنتين التي ظلت تحاول جاهد إزالة الشكوك حول مقدرتها على تسديد دفعاتها من الديون العالمية تم استبعادها خارج مظلة هذه الاتفاقيات. ولما كانت التفاصيل الخاصة بالصفقة الصينية مع الأرجنتين ما زالت لم يكشف عنها بعد إلا أن أحد المسؤولين في البنك المركزي الأرجنتيني ذكر بأنها سوف تسمح للأرجنتين بتجنب استخدام احتياطياتها النادرة من الدولارات في جميع تعاملاتها الدولية. ويذكر أن عملية الاستحواذ على صندوق خاص للمعاشات بقيمة مليارات الدولارات أجبرت الأرجنتين ضمن خطوات أخرى مماثلة على سحب مبالغ بحوالى 23 مليار دولار معظمها بالدولارات وارسالها إلى الخارج في العام الماضي. الصفقات الصينية كما يقول دانتي سيكا كبير الاقتصاديين في شركة ابيسيب للاستشارات في بيونيس ايرس فإن الصفقات الصينية في المنطقة أصبحت ممكنة بسبب عدم الاهتمام اللازم الذي أبدته الولايات المتحدة لمنطقة أميركا اللاتينية إبان ادارة الرئيس بوش». على أن الصين عمدت إلى انتهاز الفرص السانحة في أميركا اللاتينية عندما أصبح الدائنون التقليديون الذين تمارس عليهم الولايات المتحدة الأميركية نوعاً من النفوذ مثل بنك التنمية الأميركي يعانون من محدودية الأموال. لذا فإن واحداً فقط من القروض الصينية المخطط لها بقيمة 10 مليارات دولار لشركة النفط الوطنية في البرازيل (بتروبراس) أصبح تقريباً يعادل كافة قروض التمويل التي صادق بنك التنمية الأميركي لدول المنطقة في عام 2008 بقيمة لاتزيد على 11.2 مليار دولار. والآن فإن البرازيل تخطط لاستخدام القرض الصيني في عمليات الاستكشاف البحري بينما وافقت على تصدير كمية تصل إلى 100 ألف برميل من النفط يومياً إلى الصين وفقاً لما ذكرته الشركة النفطية. بيد أن بنك التنمية الأميركي - الأميركي الذي تمارس فيه الولايات المتحدة حق الفيتو في بعض المسائل بات يحاول مضاعفة رأس ماله إلى ثلاثة أمثاله وزيادة حجم الإقراض إلى 18 مليار دولار في هذا العام. إلا أن عملية تجميع الأموال تتطلب مناقشات ما بين الدول الأعضاء. ومما يزيد من صعوبة هذا الأمر أن البنك قد تكبد خسائر تصل إلى مليار دولار في العام الماضي وحده. ولكن الصين سوف يصبح لها دور في هذه المفاوضات بعد أن أصبحت عضواً في البنك في هذا العام. ولكن التنين الصيني أخذ يندفع أيضاً إلى داخل دول أميركا اللاتينية التي ينعدم فيها النفوذ الأميركي مثل فنزويلا. ففي فبراير المنصرم قام نائب الرئيس الصيني اكسي جينبينج بزيارة إلى العاصمة كاراكاس للاجتماع مع الرئيس هوجو شافيز قبل أن يعلن الطرفان أن صندوق التنمية الذي تدعمه الصين سوف يزداد حجمه إلى 12 مليار دولار من مستوى 6 مليارات دولار. وهو الأمر الذي سوف يتيح لفنزويلا الاستفادة من العملة الصعبة مقابل موافقتها على زيادة شحناتها من النفط إلى الصين لمستوى مليون برميل يومياً من كمية لا تزيد على 380 ألف برميل حالياً. ولقد أقرت حكومة شافيز بأن المساعدات الصينية تختلف كثيراً عن القروض التي توفرها المؤسسات المتعددة الجنسيات لأنه لا ينطوي على شروط مقيدة مثل الرقابة اللصيقة على الإنفاق والتمويل الداخلي. وذلك على الرغم من أن التمويل الصيني واجه انتقادات شرسة في أوساط المعارضين الذين اعتبروه تغول على السيادة الفنزويلية، إذ يقول لويس دياز أحد واضعي القوانين في المجلس النيابي في فننزويلا والذي ادعى أن الصين قد تعاقدت على شراء النفط الفنزويلي بأسعار متدنية وكوسيلة لدفع الديون المستحقة: «إن هذا التمويل لا يعتبر سوى عملية نصب واحتيال على الدولة». ويبقى أنه وعلى الرغم من أن الصين قد نجحت في ترسيخ علاقاتها مع فنزويلا ووفرت القروض للدول الأخرى التي أعلنت الثورة على نفوذ واشنطن فأن بكين تمكنت من ترسيخ حضورها في هذه المنطقة بهدوء ودونما أية إثارة للضجيج أو العصبية. وربما بطريقة توحي بأن علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية ما زالت على قدر كبير من الأهمية. ولكن هذه المبررات ربما لن تصمد إلى وقت طويل. إذ يقول جريجوري شين أستاذ العلوم السياسية في جامعة يورك في تورنتو «إنها اللعبة الصينية على المدى الطويل. وإذا ما تترجم هذا الواقع في نهاية المطاف إلى نفوذ سياسي فسوف يدرك الجميع آنذاك الطريقة التي استخدمت بها هذه اللعبة». عن «انترناشونال هيرالدتريبيون»
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©