الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ذاكرة الإنسان علامة المكان

ذاكرة الإنسان علامة المكان
17 فبراير 2015 01:38
ساسي جبيل (أبوظبي) يقف الزائر لمهرجان قصر الحصن عند كثير من المفردات التراثية التي تقيم الدليل على التواصل بين الأجيال، والحرص على إحياء التراث الشعبي القديم قدم الإنسان، إذ لم يوثق مدّونا مخطوطا إلا عند ظهور الكتابة، وهكذا انطلق في جمع القصص الشعبية، وتناقلته الأجيال عبر الزمان والمكان سواء مشافهة أو كتابة وتحتفظ الشعوب اليوم بالأغاني الشعبية والأساطير والخرافات وعناصر التراث الشعبي الأخرى على اختلاف أنواعها. ينتقل التراث الشعبي عن طريق المحاكاة والتقليد أحياناً ولقرون عدة من الزخم في الفعل الذي ينتقل من مجتمع إلى آخر سواء عبر المشاهدة المباشرة أو من خلال الهجرات، إذ يأخذ الناس تراثهم الشعبي زاداً لهم، ويقومون بتكييفه وفق سياق البيئة التي يعيشون داخلها. كان الاعتقاد عند العلماء الغرب خلال القرن التاسع عشر راسخاً أن التراث الشعبي في الأزمنة الغابرة كان مشتركاً بين جميع أفراد المجتمع، وأن معظم الناس كانوا يعيشون في مجتمعات ريفية، وانتقل بعضهم إثرها إلى العيش في المدن، فبدأت تقاليدهم الشعبية الأصيلة تندثر شيئاً فشيئاً، وتؤكد الوثائق التاريخية أن حفظ ذلك التراث الشعبي كان عن طريق الفلاحين الذين حافظوا على طريقة وأسلوب حياتهم لقرون عدة، من دون أن يغيّروها أو يحيدوا عنها. والتراث الشعبي علامة مسجلة لا يمكن اصطناعها بأي حال من الأحوال، فهو بما يحتويه من أغانٍ وقصص ومواد تراثية شعبية وليدة تأملات وأفكار من سبقونا في التاريخ وراق للاحقين بهم إبداع وفكر وطريقة هؤلاء فتداولوه عبر القرون. تتعدد أنواع التراث الشعبي لتشمل الأساطير التي تختلف من شعب إلى آخر، والحكايات الشعبية الخرافية التي تحتوي على كثير من الحكم والقيم وتعلم الأجيال الكثير من المعارف، والحكايات البطولية، وهي قصص مغامرات تسرد كوقائع حصلت بالفعل في الواقع، والمعتقدات الخرافية والعادات، وهي تعبيرات صادقة عن ثقافات متعددة في مراحل حضارية مختلفة، أضف إلى ذلك الفنون والآثار الفنية الرائعة في الأدب والموسيقى والرسم. إن التراث الشعبي صورة صادقة لأفكار المجتمع وتوجهاته المختلفة سواء في أساطيره أو أغانيه أو أمثاله أو خراريفه أو رقصاته أو حكاياته وألغازه وملاحمه، وفي كل ذلك تتجلى بوضوح قدرة الإنسان على التواصل مع الآخر، وهذه القدرة تجلت واضحة للعيان في فقرات مهرجان قصر الحصن الذي جاء هذا العام ليكون مجالاً لحفظ هذا التراث من التلف والنسيان، ومحطة التقت فيها جموع الباحثين عن متعة الخروفة الشعبية، والرقصة الأصيلة، واللحن الشجي المشنف للأسماع، حيث تتعالى الأنغام من كل صوب، وحيث ينثر كل لون عبق يفوح برائحة الماضي الجميل، بكل تفاصيله وروحه التي لاتموت، وكيف يموت هذا التراث الشعبي، وثمة أكثر من مناسبة تستعيده للوجود، وتبعث فيه الحياة من جديد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©