الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«فلاشات» مع عريقات.. وميض الصورة الفلسطينية

16 فبراير 2015 23:26
قام الحضور باختلاف أديانهم وجنسياتهم وثقافاتهم يطلبون التقاط الصور التذكارية مع الدكتور صائب عريقات «كبير المفاوضين الفلسطينيين في عملية السلام» في محاضرتين عامتين بجامعة برادفورد البريطانية، اللتين كانتا تتناولان «النضال من أجل تقرير المصير الفلسطيني: التحديات والفرص الجديدة في القرن الـ21». وطرح المحاضر عريقات مهارات التفاوض وتحديات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ذلك الطرح الذي عكس بحق العمل الوطني الفلسطيني والواقع الدولي، ولم يترك المحاضر بعداً إلا وطرحهُ من أبعاد دينية وقانونية ومتغيرات إقليمية ودولية، ووضع بصمتهُ في مهارات التفاوض وأبعاد الصراع لأجل السلام، كما ترك توقيعهُ للحضور على كتابهِ الجديد الإمام علي بن أبي طالب والمفاوضات. كأن التقاط الصور بين الحضور وعريقات يعكس موضوعية دور عريقات وأهميتهُ بوصفهِ مفاوضاً في عملية السلام بين السلطة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي، وكأنما تعكس تلك الصور ذاتية القضية الفلسطينية المتعلقة بالهوية العربية وحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولتهِ وحصولهِ على الحد الأدنى العادل لقضيتهِ. إذا كانت عمليات الفلاش ووميضهِ للكاميرات تهدف إلى صفاء الصورة الملتقطة بين الحضور والدكتور عريقات، فإن وميضنا هنا، يوضح أهم العوامل الإقليمية والدولية التي أثرت وتؤثر في قضية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. أولاً، القضية الفلسطينية من النضال إلى التفاوض: خرجت «فتح» في خضم التأثر بالتيار «اليساري» القومي الاشتراكي والعجز العربي أمام المحنة الفلسطينية، فـ«فتح» حركة تعبر عن القضية الفلسطينية بأيدٍ فلسطينية وخروجها الرسمي من خلال البلاغ العسكري رقم (1) في أوائل 1965 في أول عملية عسكرية شكلت تعبيراً سياسياً راديكالياً عن عدم الرضا عن الرد العربي على الاحتلال الإسرائيلي. ولم تكن «فتح» آنذاك والعالم العربي في تلك الظروف على علاقة ودية، بل كان الصدام هو العنوان. وكما أنها تكونت خارجياً، فإن بروزها يأتي في علاقة عكسية مع المد القومي العربي الاشتراكي، فبعد النكسة 1967 وانحسار المد القومي العربي الاشتراكي وفشله في تحمل القضية أصبحت «فتح» أكثر بروزاً، ومن مظاهر القبول هذه المرة نزوع الأنظمة العربية الاشتراكية، ومصر بالتحديد، إلى استراتيجية المقاومة واستنزاف العدو. ولكن لكي تصبح «فتح» فاعلة، كان لابد أن تصبح على مقربة من إسرائيل، وهنا حدث الصدام بين الأردن و«فتح» فيما يُعرف بـ«أيلول الأسود»، وكشفت الفترة اللاحقة- من «أيلول الأسود» 1970 إلى الحرب الأهلية اللبنانية وتحالف طرف لبناني مع إسرائيل لإخراج الفلسطينيين، إلى ما سيكون لسوريا من دور حتى في انقسام الصف الفلسطيني، بأن «فتح» أصبحت فاعلًا مهماً في الشرق الأوسط والممثل الشرعي للشعب الفلسطيني. مرحلة التفاوض مع الكيان الإسرائيلي: نجد أن «فتح» تحولت من الفعالية الخارجية الإقليمية والدولية إلى طرف مفاوض رئيسي أمام إسرائيل في عملية السلام، وهو طرف ذو فعالية محدودة يستند إلى دعم عربي ودولي، فـ«فتح» تأثرت بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية واحتلال الكويت وتحريرهِا. فبعد أن أكل احتلال الكويت الجسور العربية، بل إن القومية العربية الاشتراكية أكلت أبناءَها على مستوى الأفراد والجماعات، ورمت بكلِّ قصيدة غنيت عن الأمن العربي، وهي التي لم تكن موزونة أصلاً. وبعد الخطأ الكبير لحركة «فتح» في وقوفها مع العراق ضد الكويت وتدمير القوة العراقية، أصبحت في واقع دولي وعربي جديد في المفاوضات مع إسرائيل برعاية أطراف دولية وعربية، فبدأت أوسلو ومدريد، ودخلت «فتح» غزة، وأصبحت طرفاً أساسياً في السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وهو الذي يعكس في صورة أخرى السلام بين العرب والإسرائيليين. ثانياً، دخول «حماس» وأطراف إقليمية: مع تحول فتح إلى الداخل الفلسطيني والوصول إلى المفاوضات دخلت «حماس» على خط الصراع. وأخذت تنفذ العمليات ضد الإسرائيليين بصور متذبذبة في فترة التسعينيات من القرن العشرين، وأصبحت أكثر حضوراً مع اندلاع الانتفاضة الثانية في 2000، و«حماس» في تحالف مع إيران، التي بدورها أصبحت تؤثر بشكل كبير على عملية السلام، بل إن إيران تحمل نفوذاً كبيراً مذهبياً وعبر المليشيات في سوريا ولبنان والعراق واليمن. بينما تحاول «فتح» خلق سلام مصطدمة بقضايا الحدود والقدس الشريف وحقوق العودة والتوسع في بناء المستوطنات وميزان القوة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، فإنها تدخل في صراع آخر مع «حماس». هذا الصراع يأخذ بعداً يتعلق بالدعم العربي الكبير لـ«فتح» مقابل استغلال إيران لـ«حماس» والقضية الفلسطينية والمد الإيراني المذهبي الشيعي في العراق وإيران ولبنان وسوريا واليمن، ذلك لكي تكون طهران فاعلًا منفرداً في منطقة الشرق الأوسط، والدليل على هذا عرض طهران إحلال «فتح» محل «حماس» مع اشتراط قبول ودعم السياسات الإيرانية في الدول العربية. ثالثاً، السياسات الدولية المتضاربة والمتصارعة، تأتي واشنطن والدول الغربية متأثرة بجماعات الضغط الإسرائيلية بداخلها التي تخدم المصالح الإسرائيلية، مع البعد الديني المسيحي الذي يُنَظر بعودة المسيح عبر اليهود وهجرتهم إلى فلسطين، مقابل أن موسكو تبدو مرتبطة بإيران وأحلافها وسياساتها كحليف يقوض القوة والنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط. بما أن وميض الكاميرا لا يعمل في النهار الواضح، فإن وميضنا لصورة القضية الفلسطينية لا يعمل لتوضيح الحق الإنساني والقانوني للفلسطينيين، بل لتوضيح المتغيرات الفلسطينية والإقليمية والدولية المتصارعة في سياساتها ومصالحها والمنعكسة على تحقيق الحد الأدنى العادل للقضية الفلسطينية. حميد المنصوري * كاتب ومحلل سياسي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©