الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«أكره الحب».. قصائد دفاقة تسبح في ماء شعريٍّ صافٍ

«أكره الحب».. قصائد دفاقة تسبح في ماء شعريٍّ صافٍ
14 مايو 2009 00:52
يعتبر الشاعر المغربي طه عدنان في ديوانه الجديد «أكره الحب» أن القيمة المركزية التي كانت تحفّز الشعراء لعشرات القرون، آن لها أن تنتهي وتتنحّى في ظل تكالب «العولمة» وعصر الرقمية واستئساد عصر الصورة، ليفسح المجال لقيم مزيفة بديلة، حين عوّض الحب الذي كان يشقّ قلوب الشعراء ويجعلهم ينشدون القصائد الخالدة، القصائد التي لا ينال منها الزمن مهما بلغ من جبروت وطغيان بالحب الافتراضي على الشاشة ومنتديات الإنترنت ومواقع «الشات». يقول طه عدنان في نصه «القصيدة الكونية» التي يفتتح بها ديوانه: «البراكين تكاد تنفجر في رأسي/ حتى أني لم أعد احتمل الجلوس/ أمام مكتب أخرس/ لأكتب ما قد يسميه البعض شعرا/ إنما كالآخرين/ تجذبني اللعبة إلى غنجها/ كالآخرين/ تراودني الكتابة عن يميني/ وعن خدر الارتخاء فوق سرير العاشرة/ في صباح أحديّ متعب.نلاحظ سخط طه عدنان وملله من هذا الوضع، ومن التقنية التى تدجن الإنسان، ومن كل ما جاءت به هذه الحداثة المزيفة التي أفرزت قصائد واهنة إلى درجة أن الشاعر الشاب يتساءل في أكثر من موقع عن جدوى الجلوس أمام الورقة لكتابة الشعر وحرق الأعصاب ولا يرى ضرورة للشعر حين يقول : «ربّما سأُحسن صنعا باجتناب الشعر/ لكي يظلّ السريرُ خالصا/ وتبقى الطفلةُ طفلة/ أو على الأقل/ نكاية بمن سأُفوّت عليهم/ فرصة التهكّم على قصائدي/ يكفيهم أنهم منهمكون/ في كيْل المجاملات/ لبعضهم البعض/ يكتب الواحد منهم القصيدة/ ليُشبعها الآخرون تربيتا/ فليكتبوا إذن :/ اكتبوه بلا هوادة/ اكتبوه بحروف المديح/ أما أنا، فسألهو وأنتم تُركّبون/ الاستعارات/ وحينما تنتهون، سألهو أيضا/ سأكون أسعد حالا/ وأنا أنام في حضن فانيسا/ أعاقر الكرز والعسل/ وأسمع الموسيقى البيضاء/ سأكون سعيدا أيضا وأنا أصحو :/ لكم هو جميل وشاعر/ سريرك أيها الصباح!». فضلا عن ذلك يرصد الشاعر في هذا الديوان بطريقة ساخرة جدا، وكاريكاتورية في غالب الأحيان علاقته بالمرأة والحياة في المهجر، والعيش على الذكريات في مراكش وآسفي مسقط رأسه، غير أن اهتمام الشاعر بحاسوبه الشخصي وإبحاره في صحراء الإنترنت التي ضاع فيها يقول : «ضيّعتني الانترنت،/ بدّدت دفئي الباقي/ ولم أجن منها سوى الوحدة/ والقلقْ/ فأصدقائي تائهون/ في سوق المضاربات الغرامية/ منهمكون في كتابة الرسائل العابرة للقلوب/ والقارّات. لغة طه عدنان في هذا الديوان لغة متحررة من كل قيد لكنها تلبس الألم في عمقه المأساوي، وهدف الشاعر الأساس هو تصريف هموم شخصية وهموم ذات مغتربة يتقاذفها الصراع والقلق الكافكاوي. يحاول قدر الإمكان الإمساك باللحظة الهاربة والعودة إلى الحياة البريئة وبالذات إلى حياة أكثر إنسانية في عالم تآكل فيه الإنسان وتآكلت مشاعره النبيلة والأصيلة، حيث تبدو التكنولوجيا قاتلة للمشاعر. طه عدنان ينحت نصه الشعري بقصيدة النثر بأدوات حديثة، يطرح في قصائده مشاكل وتفاصيل دقيقة يعيشها في حياته اليومية، حياة شاب مغترب تتصارع في أعماقه هويات وقيم مختلفة. كما يحفل الديوان بما يلمس قضايا الهجرة والعنصرية التي يعاني منها كل مغترب يعيش في بلد آخر غير بلده الأصلي. وكمثال على ذلك ما يقوله طه عدنان في قصيدته «مرثية إلى أمادو ديالو»، أو حين يقول في مكان آخر من الديوان : «غسلُ الأواني في وقت متأخر من الليل/ إضاعة المفاتيح ككُلِّ مرّة، وإضاعة الوقت في البحث عنها/ إفساد ما سيعمد رفيقي في الشقة إلى ترتيبه فيما بعد/ إزعاج الجار الصينيّ بالموسيقى العربية/ تبادل القبل والأشرطة مع كاترين/ اختلاس النّظر الى ساقي ماريا الثوريتين فيما تتحدث عن قضايا الماركسية في العالم/ النضال المُستميت إلى جانب الرفاق في مقهى الجامعة/ الخوف من الإفلاس الذي يدنو كخروف نطّاح.» كما نلاحظ أن طه عدنان يكتب قصيدته «الافتراضية» بكل ما تتطلبه من سيولة نثرية دفاقة تفرضها حداثة الموضوعة المشتغَل عليها وصفاء الماء الذي تسبح فيه دون إهمال الموروث الشعري الذي يحن إليه الشاعر باستحضار أسماء شعراء كبار من تاريخ الشعر العربي والغربي : ناظم حكمت، جرير، جاك بريفير، إليوت. إن الشاعر طه عدنان في هذا الديوان يكتب بيانه الاحتجاجي الساخط على هذه الحداثة المزيفة التي تقتل الفن الأصيل والتأمل الصادق المتعلق بالإنسان والطبيعة منذ الأزل وليس المتعلق بفأرة الحاسوب وعواطف «الشات» الكاذبة. وهذا ما أفلح في إيصاله الشاعر وما جعل منه قضيته في هذا الديوان الممتع. ويحفل الديوان بما يشير بوضوح إلى غربة الشاعر ووحدته في المهاجر الأوروبية الباردة وسخطه وتبرمه من كل شيء. «أحس لا قدرة لي/ أحس جمجمة صدِئة بقلبي/ جسدي منهك/ رأسي مقلوبة/ وحواسي معطّلة/ أنا الشاعر الكوني/ أقرأ قصائد أصدقائي/ ولا يهمني مصير إليوت/ في أرضه اليباب/ بروتون بدوره لا يعنيني/ رغم حبسته الحمقاء/ في مصحة العقلاء/ تكفيني قصائد الأصدقاء/ تكفيني رسائلهم/ بكمد أراجع أخبارهم الحزينة». مناجاة وغزل وإنسانيات لعبدالله العديني «خواطر الروح».. قصائد تختصر الحياة قد نتساءل أمام كثير من الشعر، أي روح عذبة تحملها تلك الكلمات وهي تختصر الحياة بأكملها، بنسيجها المتداخل، بطيورها المهاجرة من أول العمر إلى آخره، كل ذلك يختصر بالكلمات. الكلمات الراعفة بالشوق إلى الطفولة، أو المكتنزة بالقوة لأيام الشباب.. ذلك ما يحاول تلخيصه الشاعر عبداللـه قاسم العديني في ديوانه الأول «خواطر الروح» الصادر عن المطبعة العصرية في دبي. يقسم الشاعر العديني ديوانه إلى 4 أبواب هي: باب التوسل والمناجاة ويضم 3 قصائد، وباب في الغزل ويضم 18 قصيدة، وباب اجتماعيات ويضم 5 قصائد، وأخيراً باب متفرقات ويضم 7 قصائد. ومن الغرابة أن هذه التقسيمات كأنها تحيل إلى تقسيم تلك الرحلة في الحياة، وكأن التوسل والمناجاة هي بداية الرحلة والغزل منتصفها والاجتماعيات والمتفرقات عند لحظة التأسيس الاجتماعي والإنساني في علاقات الشاعر بالوجود، حيث التفكير العميق بالموجودات والكون والعلاقات الإنسانية المعمقة. من قصيدة خواطر الروح يقول الشاعر: خواطر الروح عليا والجوى حرمي وحجة الله همس الغيب في كلمي وحجة الله حديث الروح في ألقي وفي تناجي الرؤى في رقة الحلم ومن قصيدة أسدل الليل حجاباً يقول: أسدل الليل على النور حجابا وهدى الغيب إلى الكف كتابا وترى فيها الخلق الأول وتجلياته وهي شكران الله لإيجاده الوجود وبثه الروح في الموجودات.. انه الباب الأول في التمجيد والتوسل والمناجاة للخالق على ما اسبغه على عباده من جلال الوجود. ويدخل الشاعر في باب الغزل عند قصيدة «الليل واتى»: الليل واتى والحبيب توارى فتسابقت مني الظنون حيارى هنا تستفيض الروح عطراً والشوق ناراً والأماني الغضة سحراً وخيالاً. يعد المحب على حبه ويدعوه العقل أن يعود لرشده ولكن أبواب الحب مشرعة للمحبين كي ينهلوا منها مبتغاهم. وتمتد رحلة الغزل لدى الشاعر حتى يفيض بكل وجده ليتصور أخيراً أن المحب هو الشاعر والشاعر هو المحب في قصيدته «ربما أنتِ أنا» ولكنه يخشى «سرائر الحب» التي يقول فيها: يا حبيبي ما في الهوى مستعانا غير ود يسمو به ملتقانا أما الباب الثالث في الاجتماعيات فيتذكر فيها الشاعر علاقاته الإنسانية التي أسست طبعه الإنساني الجارف بينه وبين الناس وخاصة في قصيدتيه «صرح بعلين» و»همس التسابيح»، و يتذكر الشاعر فيهما صنعاء وما يحيط بها من جبال . ويختتم الشاعر ديوانه بباب رابع أطلق عليه «المتفرقات» متذكراً عمر الشباب: عبث الشباب بقدرتي فدهاني وأحالني بعداً بغير مكاني ويتذكر الصبا في قصيدة اسمها «الصبا ولّى»: كما عهد الصبا ولّى وغابا تولى وانقضى عنا الشبابا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©