الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دراسة مهمة تحذر من مخاطر الانفجار الأسري

دراسة مهمة تحذر من مخاطر الانفجار الأسري
14 مايو 2009 00:43
لا بد من الاعتراف بأن الطلاق صار ظاهرة اجتماعية مؤرقة.. وبلغ الأمر حدا لا يمكن إغفاله عندما اصبحت هذه الأداة الشرعية الهادفة الى تصويب مسار الحياة الزوجية مجرد لعبة أفرغها الناس من مضمونها وحكمتها. وهناك احصاءات مخيفة عن تفاقم ظاهرة الطلاق في العالم العربي مما يتطلب وقفة حاسمة ودراسات جادة حول هذه المشكلة التي باتت تهدد الكيان الأسري وتعصف بالعلاقات الاجتماعية. وفي دراسة مهمة للدكتورة هدى زكريا، استاذ علم الاجتماع في مصر، بعنوان «التكلفة الاجتماعية للطلاق» تؤكد ان الطلاق صار ظاهرة تؤرق المجتمع وتثير فزعه نظرا لازدياد نسبته في السنوات الاخيرة وهو ما استدعى المقارنات بين الاسر المزدهرة والزيجات السعيدة في الماضي والحاضر المرتبك والأداء المشوش في الحوارات الاجتماعية بين العامة والخاصة عبر وسائل الاعلام. وبات موضوع الطلاق يطرح بوصفه مرضا اجتماعيا ونتاجا للتحولات التي مر بها المجتمع المصري وضربت النسق الأسري في مقتل فكان الطلاق احد تداعياتها السلبية. وتتعرض الباحثة لعدة مفاهيم منها ما يتصل بمفهوم الطلاق بين الشريعة وعلم الاجتماع، فبعد سرد مفهوم الطلاق في كل من الشريعة الاسلامية والتعاليم المسيحية تتناول نظريات الطلاق المختلفة، والتي أسهمت في تقديم تشخيص متعمق لأسباب الطلاق ودوافعه والآثار والنتائج المترتبة عليه ومن هذه النظريات نوعية الزواج والقوة وصنع القرار والماركسية الجديدة والراديكالية النسوية والتفاعل الرمزى. فنظرية نوعية الزواج تفترض ان هناك زواجا على درجة كبيرة من السعادة ومن خلال هذا النمط المثالي يمكن تحليل ديناميات الاستقرار الزوجي والطلاق من خلال مفاهيم عديدة كالرضا والسعادة والصراع والتوتر والاتصال والتكامل وغيرها من المتغيرات التي يمكن عن طريقها تقييم العلاقة الزوجية. ووفقا لهذه النظرية فان نوعية الزواج تتحدد وفقا لمؤشرات منها معايير اختيار القرين « التشابه في الدين والسن والذكاء» فكلما ارتفعت نسب التجانس ساعد ذلك على استقرار الزواج. الأسباب وتعد العوامل الاقتصادية من أقوى المؤثرات على الاستقرار الزواجي وتتحدد وفقا لكفاية دخل الاسرة وعمل الزوجة الذي يمكن ان يؤثر تاثيرا مزدوجا على نوعية الزواج واقتصاد الاسرة الذي يجعلها توفر مواردها وتؤدي وظائفها بنجاح. اما نظرية القوة وصنع القرار فتعد من اهم اتجاهات دراسة الطلاق لارتباط الطلاق بمدى القوة التي يتمتع كل طرف بممارستها في العلاقة الزوجية، وتنطلق هذه النظرية من التوجه النسوي الذي يهدف لدعم قوة المرأة وتمكينها خاصة في مجتمعات العالم الثالث. ويرتفع مقياس القوة لدى كل طرف بارتفاع عدد القرارات ويمثل تقسيم العمل والدور بين الزوجين أحد مؤشرات القوة. ومن مصادر القوة التي تعمل على دعم سيطرة احد الزوجين على سلطة القرار المكانة الاجتماعية ومستوى التعليم وعضوية المؤسسات المختلفة والتي يتمتع اعضاؤها بالتميز والمكانة واسلوب التنشئة الاجتماعية والقهر الجسدي. هناك ايضا نظرية التفاعل الرمزي التي تنظر الى الاسرة باعتبارها نسقا من التفاعل الاجتماعي يقوم بين الزوج والزوجة والاباء والابناء بالاضافة الى ما يحكم تلك العلاقات من قواعد وما ينظم داخلها من ادوار وتفترض هذه النظرية ان العالم الرمزي والثقافي يختلف باختلاف البيئة اللغوية والعرقية والطبقية بين الافراد لذا يفضل انتماء الزوجين الى عالم رمزي واحد حتى يتحقق التوافق. اما نظرية الاختيار العقلاني والعلاقات المتبادلة فتدعي ان البشر يمارسون سلوكا يهدف لجلب المنافع واشباع الحاجات ولذا فمن الطبيعي ان يتجهوا الى تقسيم العمل في البيت نتيجة لحرصهم على الاختيار العقلاني بين الادوار الرجالية والنسائية بهدف توصيل المنفعة الى أقصى درجاتها. والنظرية الماركسية الجديدة تؤكد ان مفتاح فهم الاوضاع الاسرية هو القيمة الاقتصادية للعمل غير المأجور الذي تمارسه المرأة بصفتها زوجة واما حيث تمثل قوة رخيصة داخل المنزل. اما نظرية التمرد أو الثورات النسوية فتنطلق من المفهوم النسوي الليبرالي وترجع جذوره الى حركة التنوير في القرن 18والاتجاه النسوي الاشتراكي وترجع جذوره الى نظرية انجلز التي ذهبت الى ان السلطة الأبوية نشأت مع تطور نظام الملكية الخاصة وان قهر المرأة يعد من وظائف النظام الرأسمالي، وهناك الاتجاه النسوي الراديكالي ويرى ان التكوين البيولوجي للمرأة ليس عيبا في ذاته وانما العيب في الثقافة الابوية التي تصف كل ما هو انثوي بالتدني في مقابل كل ما هو ذكوري. وتؤكد الدكتورة هدى زكريا في كتابها «التكلفة الاجتماعية للطلاق» ان السينما لعبت دورا مؤثرا في اعلاء قيمة الحب كاساس للزواج الناجح ومن خلال اشهر الافلام الرومانسية تتلقى الجماهير على اختلاف فئاتها رسائل ملحة تؤكد ان زواج من عاشوا قصة حب طويلة هو الزواج المثالي. ولذلك كان الافراد يبحثون عند الاقبال على الزواج عن نموذج الحب السينمائي الباهر ويصدمون بشدة عندما يفاجئهم واقع العلاقة الزوجية التي تؤكد ان الحب وحده ليس شرطا كافيا لضمان السعادة الزوجية. ويدعي البعض ان معدلات الطلاق ترتفع بين المحبين الذين تنكسر احلامهم في الحب على صخرة الزواج. وتعدد المؤلفة بعض اسباب الطلاق في هذا الاطار ومنها ان يقوم الزواج على اساس التورط والاندفاع العاطفي او المنفعة الشخصية او عند الاخلال بالشروط المتفق عليها قبل الزواج سواء من جانب الزوجة او الزوج فضلا عن قصر الفترة المتاحة للطرفين لاختبار كل منهما للاخر للتعرف على قيمه وعاداته. ولاحظت الدكتورة هدى زكريا ان نسب الطلاق ترتفع في البيئة الحضرية عنها في البيئة الريفية كما ترتفع بين الممثلين والفنانين والمشتغلين بالفنون الشعبية والبحارة وتنخفض بين المدرسين ورجال الدين وتتعرض لبوادر الطلاق التي ينبغي الانتباه اليها باعتبار ان الوقاية خير من العلاج ومنها ظهور اضطراب وتوتر في العلاقة الجنسية بين الزوجين حيث يبدأ الشقاق او الطلاق العاطفي قبل الوصول الى الطلاق الفعلي وتتكسر مظاهر المودة التي تغلف علاقة الزوجين فتاخذ طابعا سلبيا وذلك قبل ان يكتشف الاهل مظاهر هذا التكسر ويتخذ النقاش طابعا حادا يتخلله الشجار ويأتي التلميح بالانفصال بين طرف سلبي وآخر اتخذ موقفا نحو انهاء الزواج. النتائج أما فيما يتعلق بالنتائج المترتبة على الطلاق فإن المؤلفة تؤكد أنه لا يمكن تقديم قياس دقيق لحجم النتائج المترتبة على الطلاق لانه اشبه بانفجار يصعب حصر ما ألحقه من خسائر بالنسق الاسري والبناء الاجتماعي فبحدوث الطلاق يتم الفصل بين الزوجين من حيث الإقامة في مسكن واحد لينتقل احدهما الى مسكن آخر كما ينفرط عقد الابناء الذين قد يتوزعون على الوالدين المطلقين او يستقرون مع احد الابوين وتتحطم الروابط بين اسرتين من خلال علاقة المصاهرة وزواج الابناء. وبغياب احد الزوجين عن الاخر بسبب الطلاق تتغير حياة نتيجة توقف الاشباع الجنسي وافتقاد الشعور بالامان والصداقة وتزايد الاعباء الملقاة على عاتق الطرف الذي يرعى الابناء. ولأن المجتمع المحلي المحيط بالمطلقين يغضب لفكرة الطلاق فانه يبدأ بلوم اطراف الطلاق على الحدث المشؤوم لكنه يتوجه باللوم الى المرأة في الاساس بصفتها المسؤول الاول حتى وان كان الطلاق برغبة الزوج وبسببه. وكثيرا ما يترتب على الطلاق حدوث صراعات جانبية بين اسرتي الزوج والزوجة وبخاصة عندما يكون الزوج مرتبطا بشبكة العلاقات القرابية سواء في الريف او في الاحياء الشعبية بالحضر. ويضم كتاب «التكلفة الاجتماعية للطلاق» دراسة ميدانية ذات طابع استطلاعي شملت لقاءات معمقة مع الاطراف المباشرين للطلاق ورجال الشريعة من المسلمين والمسيحين والماذونين والقضاة وضباط الشرطة ومساعديهم والخبراء النفسيين والاجتماعيين والاعلاميين وتكشف المعلومات التي وردت في إجابات هؤلاء عن عمق الازمة الاجتماعية التي تقف بقوة وراء ظاهرة تفشي الطلاق وارتفاع نسبه في السنوات الاخيرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©