الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التلاعب الخطر

التلاعب الخطر
13 ابريل 2008 01:58
أنظر إلى وجهي في المرآة، فاستغرب من شكلي، لقد أصبحت متعبة مع هذه المشاعر المتناقضة التي أعيشها، كل شيء أصبح باهتاً في حياتي، ملامحي تغيرت بعد أن رحل الإشراق عن وجهي، ماذا فعل بي هذا الإنسان؟ جعلني أعيش الحيرة والقلق بعد أن كنت صافية البال مرتاحة النفس، لا أدري هل أعيش حلماً كاذباً؟ أم إن خوفي وقلقي لا مبرر لهما! والله لا أدري· ترددت كثيراً قبل أن أسطر هذه الكلمات، ولكني حائرة وبحاجة لمن يأخذ بيدي إلى بر الأمان، أريد من يساعدني على إتخاذ الموقف المناسب في مشكلتي، ولطالما قرأت في ''البيوت أسرار'' عن مشاكل الناس وأوجاعهم النفسية، وقد قررت أن أفتح صدري وأسطر حكايتي لقناعتي بأن صاحب المشكلة لا يستطيع أن يحلها إن كان غارقاً فيها وأن الآخرين أكثر قدرة على مساعدته، لكل ذلك أرجو أن يتقبل القارئ العزيز هذه المشكلة وأن لا يعتبرها تافهة أو بسيطة، لأنها تتعلق بمشاعر إنسانة صادقة تبحث عن السعادة· بداية قوية أنا موظفة، مجال عملي يحتم علي التعامل مع أنواع متعددة من الناس، أعمار مختلفة، كباراً وصغاراً، نساءً ورجالاً، وقد استلمت مهام عملي قبل سنتين ونصف قريباً، وعلى فكرة أبلغ السابعة والعشرين من عمري ولم يسبق لي الزواج· قبل سنتين شاهدته، شاب وسيم جاء ليتابع معاملته، نظر إلي نظرات طويلة أحرجتني، عيناه كانت تتحدث بلغة الإعجاب الشديد، ولكني ''طنشت'' كعادتي، فماذا يعني ذلك؟ لاشيء بالنسبة لي، فقد تعودت على ملاحقة العيون ومراقبتها لي حتى تنتهي المعاملات وينتهي الأمر، هكذا تعودت، أنهي عملي دون ابتسامة أو تركيز على صاحب المعاملة، ولكن بالنسبة لهذا الشاب فأنني وجدت الوضع مختلفاً، عيناه عبرتا عن إعجاب وانبهار حتى عندما انتقل بأوراقه إلى المكتب الآخر، بقيت عيناه تلاحقني بتلك النظرات، شعرت بالإحراج وبصعوبة كنت أتهرب منهما· بعد يوم واحد من مجيئه اتصل بي بحجة إنه يطلب خدمة معينة، فما كان مني إلا أن أديت له ما أراد دون أي تردد كعادتي دائماً· لا أنكر أبداً بأن تلك النظرات وذلك الصوت قد تركا في نفسي أثراً، تمنيت بداخلي أن يكون هذا الإنسان جاداً وأن لا يكون من العابثين، ما يضر لو أعطيته الفرصة؟ تكررت اتصالاته، حاول أن يتحدث معي عن العمل، ثم بدأ بالتطرق إلى أمور تتعلق بحياتي الخاصة، عمري ومكان سكني، وعائلتي وهكذا، حتى وضعت حداً لكل تساؤلاته وقلت له بصراحة: أسمع يا ابن الحلال قل ما تريد وخلصني، فقال لي: أنا معجب بك وبشخصيتك وجمالك واحترامك لنفسك·· وعيونك·· أول مرة أرى مثل هذه العيون·· بصراحة·· أريد أن أتعرف عليك· قبل أن يتمادى كثيراً قلت له: أسمع·· إذا كنت جاداً فأسأل عني وعن أهلي وتقدم لي، فأعتذر بأنه مضطر للسفر خارج البلد لسنة كاملة لإكمال دراسته، وقد طلب أن نتعارف أولاً ثم بعدها يصير خير إذا كان بيننا نصيب، فإن الله سيجمعنا في المستقبل· صار يتحجج بإنهاء معاملة أحد من أصدقائه فيتصل ويتابع معي موضوعه، ولا أستطيع أن أكذب لأنني صرت أفكر فيه، مع أني لم أفكر بأن أقيم علاقة مع أي شاب طوال عمري، فهذا أول شخص يتجرأ بهذا الشكل ويقتحم حياتي بقوة· عندما فتح معي الموضوع مرة أخرى قلت له: لست من النوع الذي يقيم العلاقات، فإذا كنت جاداً معي فسأنتظرك حتى تنهي دراستك ولنترك الموضوع للمستقبل كما تقول، ولكنه أصر على أن نتعرف أكثر وأكثر، فلماذا الخوف وهو خارج البلد ولا شيء يربطنا سوى البريد الإلكتروني!! فاقتنعت بالفكرة· الطريق الآخر بدأت الإيميلات ومحادثات الماسنجر تربط بيننا وتطورت الأمور لدرجة إنه كان يتحدث معي طوال الليل وحتى الفجر، مع فرق التوقيت بيننا وبينهم، وقد كان يحاول أحياناً الاتصال بي عن طريق الهاتف ولكني لم أعطه الفرصة، وقد حاول أن يحول مجرى الحديث بيننا إلى أسلوب الغزل ولكني لم أعطه الفرصة أيضاً، حيث كنت أحاول سحب الحديث للأمور الحياتية العامة، وعندما بدأ بالإلحاح علي ليحدثني بالهاتف لأنه يريد أن يقول لي أشياء لا تعبر عنها الكلمات في الماسنجر، شعرت بأنه يتمادى معي فقاطعته، وكان هذا هو رأي إحدى صديقاتي، حيث قالت لي بأنه ربما يلعب ويعبث معك· بعد أن قاطعته لفترة أخذ يتصل بي على هاتف العمل ويحاول إقناعي بالعودة للتحدث معه، فقلت له: أنت غير جاد، واعتقد بأنك ستعثر بسهولة على واحدة تضيع معها الوقت في اللهو والعبث، أما أنا فلست من ذلك النوع كما أخبرتك سابقاً· أنقطع عن الاتصال لمدة أسبوع ثم اتصل بي في عملي مرة أخرى، وقال بأنه يريد أن يسلم علي لأنه سيسافر إلى بلد آخر في رحلة علاج مع والده، فتعاطفت معه وعدت للتحدث معه على الماسنجر· كانت صدمتي كبيرة عندما أخبرته يوماً بأن هناك شاب قد تقدم لخطبتي، فماذا تتصورون ردة فعله؟ لقد قال لي وبكل بساطة: إذا كان شاباً جيداً ويستاهلك، فتوكلي على الله وأقبليه! صدمت·· أصابني إحباط لا حدود له، أنا متعلقة به بهذا الشكل، أفكر فيه طوال الوقت، وهو يتلاعب بي وبمشاعري! يا له من إنسان غريب· قاطعته ولم أعد أتواصل معه بأي شكل من الأشكال والحسرة تمزقني، فما كان منه إلا أن أرسل لي ''إيميلاً'' يسأل فيه عن أحوالي، وهل تمت خطبتي أم لا، وأيضاً يسأل بعض الأسئلة الغريبة، لماذا ترفضين من يتقدم لك؟ ما هي مواصفات فارس أحلامك؟ وهل تقبلين بشخص مثلي إذا تقدم لك؟ استطاع بتلك الكلمات التلاعب بمشاعري من جديد بعد أن أعاد إلي الأمل في جديته، وبصراحة فإن مقاطعتي له كانت كنوع من الحرب النفسية ضد شيء كنت قد أدمنت عليه، وهو الحديث معه، ووجود إنسان على هذه الأرض يفكر بي ويحبني، وينتظر تواصلي معه· حيرة وألم عدت للتحدث معه، أجبته عن تساؤلاته، قلت له: لم استطع أن أعرفك جيداً، لم أتمكن من فهمك حقيقة، فكيف أقبل الارتباط بشخص لا أفهمه؟ فقال لي: أنت تتهربين مني دائماً، فكيف تتعرفين علي وأنت تتجاهليني دائماً! بعد ذلك وضمن أسئلته قال لي: لماذا لا تفكرين بالدراسة العليا خارج البلد؟ قلت له: أهلي لا يسمحون لي بالسفر ولو فكرت بالدراسة فسأدرس في بلدي وبين أهلي، فلا سفر بلا محرم، فقال لي بأنه سيكون هو المحرم! استغربت من جوابه، لماذا يفعل بي ذلك؟ لماذا يلف ويدور؟ لماذا لا يكون واضحاً وصريحاً؟ هل يتوقع مني أن أقول له: نعم أريدك أن تتزوجني·· أريد أن أكون معك في الحلال، لا أريد أن تفصل بيننا الأميال والمسافات، أريدك في حياتي زوجاً وحبيباً، لا مجرد وهم وخيال· عندما وجدني ساكتة صار يلح علي ليعرف الجواب، فقلت له: أغلق هذا الموضوع· والله أنا مستغربة لهذا الإنسان، فكما يبدو لي إنه يحب أن يستمع لي دائماً، وهو معجب بطريقة تفكيري وأسلوبي في الحياة، وهو معجب بشكلي، وهذا كله واضح من خلال كلامه، فلماذا لا يكون جاداً في عزمه على الارتباط بي، لماذا يعيش هذا التناقض، هو مثل معظم الشباب في بلادنا، يحبون فتاة معينة ويتعلقون بها تعلقاً صادقاً، ثم عندما يعزمون على الزواج فإنهم لا يتزوجونها على الرغم من قناعتهم التامة بحسن أخلاقها، ويفضلون أن تكون زوجتهم من اختيار الأم أو الأخت، فلماذا هذا التناقض الغريب؟ ولماذا يقيمون العلاقات إذا لم يكونوا جادين؟ ألا يخافون غضب الله عليهم؟ إنه تلاعب خطير بمشاعر الفتيات، هل سيسامحهم الله على مثل هذا الجرم؟ أقول الصراحة بأنني صرت أميل إلى هذا الشاب ميلاً شديداً، وأنني أدمنت التواصل معه، ولا أدري ماذا أفعل أن لم يكن جاداً معي، بالتأكيد سيقتلني إن فعل ذلك، أخاف أن أصارحه بذلك فأسمع منه ما يجرحني، أحاول جاهدة أن أقطع علاقتي به ولكني لا استطيع، مع إنه بدأ بالتغير وأصبح يتقطع في تواصله معي ويتحدث مع بجفاء· وجهة نظر عجيبة يا الهي·· كم هو متناقض هذا الإنسان، أتذكر كلماته، كم كنت أطرب لها، كان يقول لي: أنت لست ككل البنات، أنت مختلفة عنهن، أنت قلعة محصنة وغالية، لا أحد يستطيع أن يعبر أسوارك، أخلاقك عالية أجبرتني على التفكير والتوقف عندها· جميع الفتيات متلهفات لأي نوع من العلاقة، لا تتطلب الواحدة منهن جهداً في الوقوع بحبائل الشباب، خصوصاً الشباب الأذكياء، خطة بسيطة لا تحتاج لجهد كبير، سيارة كشخة برقم مميز، ساعة ونظارة ماركة، وانتهى الأمر، الصيد يقع بمنتهى السهولة، تلميح كاذب بالزواج، ثم صورة للقصر الفخم ولغرفة النوم الفارهة تزين بها صفحة العنوان البريدي، فينتهي الأمر علاقة تبدأ بالهاتف ثم تتطور إلى لقاءات وهدايا ثم تنتهي التمثيلية عندما يتسرب الملل إلى النفوس، عندها توجد ألف طريقة للهرب· صدقيني كنت متصوراً بأن جميع البنات على هذه الشاكلة إلا عندما شاهدتك، عرفت بأنك مختلفة عن كل البنات، لم تمنحيني أي اهتمام على الرغم من كل محاولاتي للوصول إليك، وبعد أن يئست تماماً من ايقاعك في تمثيلية الحب الزائف، عندها فكرت بأن السبيل الوحيد هو التواصل معك عبر الماسنجر خصوصاً وأن الأميال تفصل بيني وبينك، أعرف بأنني أول رجل في حياتك، ولكنك تعلمين بأن الزواج ليس لعبة، إنه حياة ومسؤولية، كيف أثق بفتاة ترضى أن تقيم علاقة مع شاب قبل الزواج بحجة الحب؟ من يضمن لي إنها تفكر بغيري بعد الزواج؟ فلربما كانت لها تجارب مع آخرين، فهي عندما تسمح لنفسها بالتمادي مع شاب واحد، فلا مانع عندها من التمادي مع غيره، هذا هو المنطق وهذه هي طريقة تفكيرنا نحن الشباب· يا الهي·· ما هذا التناقض في التفكير؟ هل يتصورون بأننا مجرد دمى يلعبون بها ويرمونها عند شعورهم بالملل؟ لقد فعل المستحيل من أجل أن يصل إلي، وعندما تحقق له ما أراد، وعندما استطاع أن يجعلني أتعلق به، هل يفكر بالتخلي عني؟ أكاد أجن، ولا أعرف كيف أتصرف· سعاد جواد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©