الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا ورهان الأقليات الفرنسية!

18 فبراير 2011 22:42
أنيتا إيلاش باريس بعد سنتين من المحاولات المتكررة تمكن الناشط الفرنسي في مجال حقوق الإنسان من أصول مهاجرة، عبدالعزيز الدحاسي، من تحقيق حلمه في تأسيس مركز للأبحاث يروم إيجاد طرق لمحاربة التمييز الإثني والديني في فرنسا، ولكن بدلاً من أن تكون الحكومة الفرنسية هي التي ساعدت على تحقيق حلم "عبدالعزيز" كانت وزارة الخارجية الأميركية هي من وقف وراء جمعية "ائتلاف الاحترام والتعددية" ومن ساهم في إخراجه إلى النور. وعن هذا الموضوع يتحدث صاحب المركز: "لا أقول إنه ما كان لنا أن نتواجد لولا المساعدة الأميركية، ولكن بالتأكيد كان دعمهم ضروريّاً لنا، فالأميركيون لديهم رؤية جيدة بشأن قضايا الهجرة والاندماج وقد تكون ملهمة بالنسبة لفرنسا". وهذه الرؤية يعتبرها "الدحاسي" براجماتية وناجحة في تعزيز حقوق الأقليات وإزالة الحواجز بين المجموعات الإثنية المختلفة، ولذا يضيف أنه من المعجبين بسياسة التمييز الإيجابي المتبعة في الولايات المتحدة، ويريد دراسة ما إذا كان ممكناً تطبيقها في فرنسا. ولكن المشروع الذي رأى النور بمساعدة أميركية أثار بعض الجدل على صفحات الجرائد الفرنسية وفي المواقع السياسية، حيث يعتقد منتقدوه أن الدبلوماسيين الأميركيين يتدخلون في الحياة السياسية الداخلية الفرنسية، ويحاولون فرض آراء بعينها بشأن الأقليات والاندماج مع أنها تتعارض مع الدستور الفرنسي، وهذا ما يعبر عنه "كريستين تاسين"، أحد المدونين الفرنسيين بقوله: "إنهم ينتقدوننا لأننا لسنا الولايات المتحدة، أو بمعنى أصح لأننا لا نشبههم"، مستطرداً أن "الاستراتيجية الأميركية هي دفع فرنسا للقيام بكل ما تريده الولايات المتحدة بحذافيره". وتأتي المبادرات الأميركية لمساعدة مشاريع مثل تلك التي أطلقها بها "الدحاسي" في إطار برنامج شامل من الدبلوماسية الشعبية الموجهة لأوروبا بعد هجمات 11 سبتمبر بهدف تحييد الخطر الإرهابي من منابعه، وحسب مسؤول أميركي في السفارة بباريس فإن البرنامج يرمي إلى "خلق تفاهم مشترك، وإقناع الناس بأنه لا جدوى من اختطاف الطائرات والارتطام بناطحات السحاب". وتسعى الولايات المتحدة إلى تطبيق برنامجها القائم على تشجيع الدبلوماسية الشعبية من خلال بناء علاقات مع قادة محتملين في الجاليات المسلمة وباقي الأقليات. ومن بين تلك المبادرات الأميركية أيضاً برنامج للزيارة يستفيد منه بعض وجوه النخبة الفرنسية حيث يقومون بجولة حول أميركا للاطلاع على تجربتها في شتى المجالات، ولاسيما في مسألة التعامل مع الأقليات وسياسة الاندماج. وفيما كان البرنامج يقتصر قبل 11 سبتمبر 2001 على الفرنسيين البيض احتلت الأقليات الفرنسية في العام الماضي ثلث الأشخاص المستفيدين، وكانت غالبيتهم من المسلمين. وضمن هذا البرنامج أمضت "وفاء دحمان" الصحفية الفرنسية من أصول تونسية في إحدى الإذاعات المحلية التي تبث بالفرنسية والعربية ثلاثة أسابيع في الولايات المتحدة، وعن تجربتها تقول: "لقد رأيت أميركا كما هي بكل ما لها وما عليها، واطلعت على معدلات الوفيات المرتفعة بين الأطفال في بعض الأحياء الفقيرة، فضلاً عن برنامج التمييز الإيجابي الذي تستفيد منه الأقليات في أميركا". وكانت مجموعة من البرقيات الدبلوماسية التي كشفها موقع "ويكيليكس" قد أشارت إلى أن السفير الأميركي الحالي في فرنسا، تشارلز ريفكين، تبنى أجندة أكثر طموحاً بهدف "تعزيز جهود فرنسا للالتزام بمثلها حول المساواة التي من شأنها دعم المصالح الأميركية". ويضيف ريفكين: "في الوقت الذي تفتخر فيه فرنسا بدورها الرائد في ترسيخ القيم الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان وسيادة القانون لم تُظهر المؤسسات الفرنسية ما يكفي من المرونة في التعامل مع وضعها الديموغرافي المتعدد، ونحن نعتقد أن فرنسا على المدى البعيد إذا لم توفر فرصاً وتمثيلا سياسيّاً حقيقيّاً للأقليات فإنها قد تصبح أضعف وأكثر انقساماً، وبالتالي قد تنكفئ على نفسها ولن نتمكن من الاعتماد عليها كحليف أساسي للولايات المتحدة". وفي البرقية المسربة يقول ريفكين إن "استراتيجية الانخراط مع الأقليات" التي تنتهجها السفارة الأميركية في فرنسا يتعين توسيع رقعة تواصلها مع الشباب وتشجيع "الأصوات المعتدلة" من خلال التدريب ومساندة النشطاء السياسيين والإعلاميين الذين يشاطرون أميركا قيمها، بالإضافة إلى إصلاح منهج التاريخ المعتمد في المدارس الفرنسية ليضم وجهات نظر الأقليات حول التاريخ الفرنسي. وتحت إشراف "ريفكين" قام الدبلوماسيون الأميركيون بزيارات لافتة إلى ضواحي المهاجرين ووجهوا دعوات لبعض رموزهم لحضور مناسبات تنظمها السفارة الأميركية. وعن التحركات الأميركية للتواصل مع الأقليات في فرنسا يقول عالم الاجتماع "فينسو جيسر"، المتابع لحركات الإسلام السياسي وأحد المشاركين في برنامج الزيارة الأميركي إن الولايات المتحدة تراهن على تغير بنية السلطة في فرنسا خلال العشرين عاماً المقبلة، وأن عدداً متزايداً من قادتها سيأتون من الأقليات، موضحاً ذلك بقوله "بالطبع لن تتحول الأقليات إلى جيش أميركي في فرنسا، ولكن ما تستطيع الولايات المتحدة القيام به هو منح الثقة لبعض النخب، ثم نسج علاقات جيدة معهم كجزء من سياستها بعيدة المدى، فهم يقولون إذا كانت ستصبح لدينا، بعد عشرين سنة، نخبة جديدة في القيادة فلنعمل من الآن على ضمان أنها ستكون متعاونة معنا". ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©