الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

موجة الإصلاح الثالثة

18 فبراير 2012
نما في النصف الأول من القرن التاسع عشر وعيٌ لدى بعض المثقفين في البلاد العربية بالأفكار الأوروبية الحديثة ونظمها، وحينما شعروا بقوة نفوذها في النصف الثاني من ذلك القرن، تساءلوا عما ينبغي أخذه منها، وإذا أخذوه كيف يحتفظون بعروبتهم وإسلامهم؟ وانقسم الفكر العربي المستيقظ إزاء ذلك في اتجاهين: اتجاه مرتبط بجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا، وكان يهدف إلى تقديم تعريف جديد لمبادئ الإسلام الاجتماعية. واتجاه كان يرمي إلى فصل الدين عن السياسة وخلق مجتمع مدني مماثل للمجتمعات الأوروبية ولا أثر للإسلام فيه إلا كعقيدة دينية. واتفق الاتجاهان على أن هناك تدهوراً في المجتمعات الإسلامية، وعليه فلابد من التغيير. ويعتبر الأفغاني وعبده ورضا من رواد مدرسة "المنار"، وهي مدرسة إصلاحية اسمها مقتبس من جريدة "المنار"، وقد مثلت الجذر الذي نشأت منه الصحوة الإسلامية المعاصرة. ويضيف البعض إلى هؤلاء الرواد حسن البنا مؤسس جماعة "الإخوان المسلمين"، مستندين إلى قوله بأن حركته امتداد طبيعي لجمعية الدعوة والإرشاد التي أسسها رضا ولإحيائية "المنار". ويقول بعض الباحثين، مثل المستشار طارق البشري، في تحديده للوعاء الزمني للحركة الإسلامية المعاصرة بالقرون الثلاثة المنصرمة، إن مدرسة "المنار" تمثل الحلقة الثالثة الفاعلة، فقد سبقتها حركتا إصلاح: اهتمت أولاهما بالدعوة إلى التجديد الفقهي، والثانية بالإصلاح المؤسسي الذي بدأ باقتباس أساليب التنظيم العسكري الغربية وانتهى باقتباس الآداب والنظم القانونية الغربية. أما موجة الإصلاح الثالثة فجاءت على أيدي رواد "المنار"، حيث وضع الأفغاني حجر الأساس للفكر الإسلامي الحديث المقاوم للاستعمار، ووضع عبده حجر الأساس للفكر الإسلامي المقاوم للقابلية للاستعمار، واهتم رضا بالوصل بين التوجه السلفي وحركة التجديد، وركز البنّا على الحركة السياسية وربطها بالفكر، وركزوا جميعاً على العودة إلى الإسلام للخروج من الجمود والاستبداد والتبعية. وتبقى أهمية الإشارة إلى تلك المدرسة هو رؤيتها لموضوع التغيير، حيث أرست تقليداً يحبذ التدرج في الإصلاح ولا يحبذ الثورة. ولم تتخذ تلك المدرسة بكل اتجاهاتها موقفاً رافضاً للسلطة، فغايتها كانت إصلاح السلطة لا نبذها. ولما كان الأفغاني قد بدأ حركته قبل أن تترسخ أقدام الاستعمار الغربي في العالم الإسلامي، فقد رأى أن دروسه الرامية إلى التحرر الوطني، والمقرونة بالتنظيم السياسي السري الثوري، هي الحل. أما عبده الذي عاد إلى مصر وقد ترسخت فيها أقدام الاحتلال الإنجليزي، فرأى في الإصلاح التدريجي وسيلة للوصول إلى تلك الغاية بثورة سلمية لا تُروى بالدماء بل بماء النيل، ولا يخلطها شيء من دمع العيون، ولا يتكدر صفوها بماء النفوس... فحكم على أسرة محمد علي بميزان الحرية التوحيدية، أي الحرية المؤسسة على مبدأ التوحيد كناظم لها، وهي القيمة التي تتأسس على مبدأ لا إكراه في الدين. ومن المفيد العودة إلى المنابع الفكرية للتيار الإسلامي في مصر، للإجابة على التساؤلات الحائرة حول هذا التيار، مثل: لماذا تلكأ في الالتحاق بالثورة؟ ولماذا دخل بقوة بعد تيقنه من نجاحها؟ ولماذا كان يعقد الصفقات والمساومات مع النظام السابق ومع القيادة الحالية؟ وما سر تحركه في الأحياء الفقيرة والمهمشة وإنشاء جمعيات خيرية باتفاق ضمني مع السلطة السابقة؟ وماذا عن علاقته بالتيار السلفي؟ في هذا الإطار يمكن فهم مغزى وأبعاد رسالة مرشد "الإخوان" التي ضمنها قوله "إن تكوين الخلافة الراشدة من الأهداف المرحلية التي حددها الإمام حسن البنا لتحقيق الغاية العظمى للجماعة، وهي أن تحيا من جديد الدولة المسلمة وشريعة القرآن". والإشكالية هنا تتمثل في أن ذلك التيار يفتقد القيادة الملهمة التي بدأت مع رواد مدرسة "المنار"، لذلك تجد بعض المواقف مشوشة ومرتبكة وعاجزة عن اتخاذ القرار السليم في الوقت الصحيح، مما يثير التساؤل حول ما إذا كانت أقوال "الإخوان" ستكون مطابقة لوعودهم؟ وحول ما إذا كانت تجربة الحكم ستضع نهاية للهالة البراقة التي يحاولون أن يحيطوا بها أنفسهم؟ عبد العظيم محمود حنفي - كاتب مصري ينشر بترتيب مع مشروع "منبر الحرية"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©