الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأزهر.. بين تاريخ حافل ودور مأمول

الأزهر.. بين تاريخ حافل ودور مأمول
25 مارس 2010 21:17
قديماً أنشد أمير الشعراء أحمد شوقي قائلاً: قم في فم الدنيـا وحي الأزهــرا وانثر على سمع الزمان الجوهرا إن هذا البيت من قصيدة طويلة ألقاها أمير الشعراء تقديراً لمكانة الأزهر، وعرفاناً بفضله جامعاً وجامعة، ولا غرابة في ذلك، فالأزهر هو قلعة الإسلام الحصينة، بل لا نكون مبالغين إن قلنا إنه خط الدفاع الأول عن الإسلام ضد الغزو االفكري والتعصب المذهبي، بل إن تاريخه يشهد أن علماءه كانوا من القادة الذين يبعثون اليقظة الوطنية، والروح الوثابة في نفوس المسلمين. والأزهر كجامع يعود إلى العهد الفاطمي، حيث وضع أساسه جوهر الصقلي بأمر من الخليفة الفاطمي المعز لدين الله في عام 971 ميلاديا. وبعد هذا التاريخ بعامين افتتح الجامع الأزهر للصلاة فيه، وقد سمي الجامع الأزهر بهذا الاسم نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، ومنذ نشأة الجامع الأزهر لم يقتصر دوره على الصلاة والعبادة، بل إنه بعد إنشائه بفترة قصيرة لم يلبث أن أصبح جامعة يلتقي في رحابها طلاب العلم لمناقشة مختلف العلوم الدينية والعقلية، ولعل الفضل في ذلك يرجع إلى الوزير يعقوب بن كلس الذي أشار على الخليفة آنذاك بتحويله إلى معهد للدراسة، ومن ثم بدأت الدراسة فيه بصورة فعلية عندما جلس قاضى القضاة أبو الحسن بن النعمان المغربى عام 365 في أول حلقة علمية تعليمية فيه، وذلك في أواخر عهد الخليفة المعز لدين الله الفاطمي. جامعة إسلامية كبرى ثم توالت بعد ذلك حلقات العلم والتدريس بين ربوعه في مختلف عصور الدولة الإسلامية، ثم شهد الأزهر على يد الظاهر بيبرس في العهد المملوكي حركة من التجديد والإعمار حتى ذاع صيته، وأخذ مكانته كمركز تعليمي، وزود بالمكتبات والكتب النفيسة حتى أصبحت مكتبته من أكبر وأعظم مكتبات العالم نظراً لما تحويه من كنوز ونفائس العلم والمعرفة، بل إن الأزهر في عهد الدولة المملوكية أصبح هو الجامعة الإسلامية الكبرى التي لا ينافسها أي معهد آخر في العالم الإسلامي أجمع. ولم يقتصر التدريس فيه على العلوم الشرعية، بل اشتملت الدراسة فيه على عديد من العلوم الأخرى مثل الهندسة والفلك والحساب والطب والتاريخ والجيولوجيا وبعض العلوم الاجتماعية. وفي عهد الدولة العثمانية، كان الأزهر هو الملاذ الشامخ للعلم والمعرفة، وفوق ذلك هو الملجأ الذي يأوي إليه الناس من ظلم الولاة والطغاة، ثم كانت الحملة الفرنسية على مصر فكانت الثورة على هذه الحملة من الأزهر، حيث وقف مع الشعب في اختيار محمد علي والياً على مصر، وفى هذه الحقبة التاريخية كان الجامع الأزهر هو المصدر الوحيد لتحصيل العلوم، وتخريج موظفي ومعلمي الدولة في العالم الإسلامي. وفى العصر الحديث، ومع هذه النهضة التي بدأها محمد علي لم يكن هناك إلا طلاب وخريجو الأزهر ليكونوا نواة للمعاهد التعليمية المختلفة، كما كانوا نواة للبعثات التعليمية لأوروبا، والتي عهد إليها نقل المعارف الحديثة. إصلاح الأزهر وفى عام 1312 شُكل أول مجلس إدارة للأزهر، ثم توالت القوانين التي تعمل على إصلاح الأزهر، وتنظيم الدراسة فيه، والتوسع في كلياته حتى شملت الدراسة العلوم الشرعية وغير الشرعية، وأصبح الأزهر في يضم في ربوعه التعليم قبل الجامعي، والتعليم الجامعي، والدراسات العليا، والمجلس الأعلى للأزهر، وهو المسؤول عن التخطيط ورسم السياسة العامة والتعليمية، ومجمع البحوث الإسلامية، والذي يعمل في ضوء تعدد التخصصات عند علمائه على إيجاد بحوث عميقة تتلاءم مع فقه الواقع في مختلف الفروع وجامعة الأزهر، وتختص بالتعليم العالي في الأزهر، والبحوث المتصلة به. وسار ركب التطوير بالأزهر حتى وصلنا إلى القرن الحادي والعشرين، فأنشأت وحدة نظم المعلومات والشبكات والتي تقوم بدور مميز في تحديث الجامعة، وأنشأت كذلك الرابطة العالمية لخريجي الأزهر، وتهدف إلى إيجاد كيان يعمل على تعضيد التواصل بين الأزهر وأبنائه في كل ربوع العالم، وإحياء الدور العالمي للأزهر، ومنهجيته الوسطية والحفاظ على هوية الأمة وتراثها، والدفاع عن القيم الإسلامية، والوقوف في وجه حملات التشكيك التي يتعرض لها الإسلام، وقد تأسست الرابطة كمنظمة غير حكومية مشهرة بجمهورية مصر العربية وفقاً للقانون المصري تحت رقم 7145 لسنة 2007 على يد مجموعة من كبار العلماء. وحدة الأمة وقد عرف عن الدكتور أحمد الطيب أنه قاد فكرة التطوير في جامعة الأزهر منذ توليه رئاستها في مطلع هذا القرن، وبعد انتقاله إلى مشيخة الأزهر نراه في مستهل لقاءاته مع وسائل الإعلام يوضح ملامح فكره ونهجه، الذي سيعمل على ترسيخه في قيادته لهذا الصرح الشامخ، حيث أوضح فضيلته هذا النهج في عدد من النقاط منها: الحفاظ قدر الإمكان على ما أضافه أسلافه من شيوخ الأزهر من خلال البحث عنها وتحديدها والبناء عليها، كذلك العمل على أن يكون الأزهر المرجعية العليا للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، كذلك الحفاظ على وحدة الأمة.. إذ إن هذا المطلب من أبرز التحديات التي تواجه الأزهر. فالأزهر كان وما زال له تاريخ في لم الشمل والحفاظ على وحدة المسلمين، كذلك ضرورة الانفتاح على الآخر وعلمه، وتعلم لغته إذ إن هذا له أكبر فائدة في تجديد الخطاب الديني الذي يحتاج إلى مراجعة، كذلك السعي لاستكمال مسيرة التطوير التي بدأت في جامعة الأزهر بالتعاون مع الرئيس الجديد للجامعة، إضافة إلى ذلك ينتظر من الأزهر مد جسور التعاون مع الأقليات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم، وإرسال البعثات المستنيرة التي تلبى مطالبها، واستقدام أبنائها في منح للدراسة بالأزهر. يضاف إلى ذلك، الارتقاء بدور مجمع البحوث ليكون وجهة نظرية وسطية تعبر عن الأزهر حيال مستجدات العصر والقضايا العالمية في ضوء فقه الزمان والمكان ومقتضيات الحال والواقع. في ظل هذه التوجهات وغيرها من أطر الفكر المستنير، يتأكد للأزهر دوره، وتبرز جهوده الفاعلة في إصلاح أحوال العالم الإسلامي. د. محمد عبدالرحيم البيومي أستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©