الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الاقتصاد المصري يدخل «نفق» التدهور والعجز «المظلم»

الاقتصاد المصري يدخل «نفق» التدهور والعجز «المظلم»
18 فبراير 2012
محمود عبدالعظيم (القاهرة) - تزايدت حدة الضغوط الدولية والمحلية على الاقتصاد المصري خلال الأسابيع القليلة الماضية، الأمر الذي انعكس سلباً على الأداء العام للاقتصاد، حيث تراجع النمو الاقتصادي من 1,8%خلال الربع الأول من العام المالي الجاري 2011 ـ 2012 إلى أقل من 1% خلال الربع الثاني المنتهي في 31 ديسمبر الماضي. وزاد من حدة تأثير هذه الضغوط تزامنها مع بعضها خلال مدى قصير، الأمر الذي أدى إلى ارتباك الخطط الحكومية الرامية إلى تنشيط الاقتصاد وابتلاع الوفرات المالية التي نجحت حكومة الجنزوري في إنجازها سواء عبر ضغط الإنفاق العام أو إلغاء جزء كبير من مخصصات المكافآت والحوافز المالية لكبار موظفي الدولة في بند الأجور بالموازنة العامة. ولعبت عمليات تسرب الدعم وارتفاع كلفته خاصة دعم المواد البترولية إلى الفئات غير المستحقة دوراً محورياً في امتصاص هذه الوفرات المالية، في الوقت الذي سجلت فيه شركات قطاع الأعمال العام خسائر كبيرة بلغت 1,7 مليار جنيه خلال العام الماضي، مما أدى إلى تراجع حصة وزارة المالية في صافي نتائج أعمال بقية الشركات الرابحة، وبالتالي انخفضت موارد الخزانة العامة من هذا البند. ورغم أن مشروع الموازنة العامة كان يتضمن حصول مصر على عشرة مليارات جنيه في صورة منح لا ترد من المساعدات الخارجية، فإنها لم تحصل سوى على ستة مليارات جنيه حتى الآن مما شكل عجزاً إضافياً في حدود 4 مليارات جنيه في بند الموارد العامة. ورغم تنوع الضغوط التي تعرض لها الاقتصاد المصري خلال الأسابيع الأخيرة بين دولية ومحلية، فإن الضغوط الدولية شكلت المصدر الأكبر للخطر، نظراً لارتباط هذه الضغوط بإمكانية فشل المفاوضات الجارية حالياً بين مصر وصندوق النقد والبنك الدوليين للحصول على أكثر من أربعة مليارات دولار كقروض عاجلة لإنقاذ الوضع الاقتصادي المتدهور لا سيما بعد صدور تصريحات من كبار مسؤولي المؤسستين الدوليتين في الأيام الماضية تشير إلى إمكانية تعذر حصول مصر على القروض التي تريدها سواء بسبب عدم قدرة الحكومة على إنجاز الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة كشرط أساسي للحصول على القروض أو بسبب استمرار الإضرابات والاحتجاجات وقطع الطرق وخطف السائحين وتعثر العملية السياسية. وجاء في مقدمة هذه الضغوط الدولية ذلك الخفض الأخير الذي أجرته مؤسسة “ستاندرآند بورز” العالمية للاقتصاد المصري والذي يعد الرابع ليصل مستوى التصنيف عند (-B)، الأمر الذي شكل ضربة جديدة لجهود جذب الاستثمارات الأجنبية وأدى إلى مزيد من هروب بعض الاستثمارات القائمة بالبلاد واضعف من الموقف التفاوضي للحكومة مع الجهات المانحة سواء كانت إقليمية أو دولية. وتمثل المحور الثاني من هذه الضغوط في استمرار خروج المستثمرين الأجانب سواء من البورصة المصرية أو تصفية محافظهم من أذون وسندات الخزانة مما يشكل عبئاً على موارد النقد الأجنبي بالبلاد، حيث بلغ إجمالي الأموال التي خرجت حسب تصريحات رسمية من البنك المركزي 9 مليارات دولار خلال الأشهر الخمسة الأخيرة. وعلى صعيد الضغوط الداخلية، جاءت عمليات تراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي في مقدمة هذه الضغوط بعد أن سجل صافي الاحتياطي 16,3 مليار دولار في نهاية يناير الماضي مقابل 18,1 مليار في نهاية ديسمبر الأمر الذي يرشح هذا الاحتياطي إلى التآكل خلال فترة قصيرة قادمة لا تزيد على منتصف العام الجاري ويهدد قدرة البلاد على سداد التزاماتها الخارجية أو استيراد السلع الرئيسية وهو ما ظهرت آثاره سريعاً في ارتفاع كافة أسعار صرف العملات الأجنبية المتداولة في السوق المصرية خلال الأسبوع الجاري. أما الضغط الثاني المرتبط بالظروف المحلية فقد تمثل في عجز البنك المركزي عن الوفاء بتمويل كامل معدل عجز الموازنة العامة والمقدر بنحو 146 مليار جنيه، حيث أكد البنك المركزي للحكومة عدم قدرة الجهاز المصرفي على الوفاء بكامل قيمة العجز وأن هذه القدرة لا تزيد على 80 مليار جنيه في حدها الأقصى يمكن جمعها عبر عمليات طرح لأذون وسندات خزانة بأسعار فائدة مرتفعة لتشجيع البنوك للاكتتاب فيها، الأمر الذي سوف ينعكس بالضرورة في شكل أعباء مالية إضافية سواء على البنوك تجاه المودعين أو على وزارة المالية تجاه البنوك. وبرر البنك المركزي موقفه بمخاوف من إمكانية حدوث تراجع حاد في مستوى السيولة المالية لدى الجهاز المصرفي، مما يؤثر سلباً على قدرة البنوك على تمويل المشروعات الاستثمارية، وبالتالي يؤثر سلباً على معدل النمو الاقتصادي بالبلاد. وعلى المدى الطويل، جاء إعلان إسرائيل اعتزامها إنشاء خط سكك حديدية يربط بين البحرين الأحمر والمتوسط كخط مواز لقناة السويس بهدف نقل فائض البضائع العابرة للقناة بريا عبر خط السكك الحديدية المقترح ليشكل تهديداً مباشراً لموارد مصر من رسوم المرور في قناة السويس مستقبلاً، الأمر الذي وضعته في اعتبارها مؤسسة “ستاندر آند بورز” عند إجرائها الخفض الجديد لمستوى التصنيف الائتماني لمصر. ورغم تشابك الضغوط المحلية والدولية التي تحاصر الاقتصاد المصري في هذه المرحلة تحاول الحكومة بذل مزيد من الجهود واتخاذ إجراءات غير تقليدية للتخفيف من حدة هذه الضغوط حيث قامت بالعديد من الإجراءات الاستباقية تمثلت في طرح أراض للإسكان على المصريين العاملين بالخارج بسعر يدور حول 600 دولار للمتر في إطار خطة هادفة لجمع 5 مليارات دولار من الجاليات المصرية المقيمة بالخارج مقابل تخصيص أراضي إسكان عائلي في عدد من المناطق المتميزة بالقاهرة الجديدة ومدن أخرى. وتمارس الحكومة مزيدا من الضغوط القانونية والدبلوماسية بهدف التوصل السريع لإعادة تسعير الغاز المصري المصدر إلى إسبانيا وفرنسا وإسرائيل والأردن ودخول اتفاقيات التسعير الجديدة حيز التنفيذ خلال الأشهر القادمة، بما يوفر مزيدا من الموارد السيادية للخزانة العامة. أما الإجراء الثالث فقد تمثل في منح مناطق امتياز جديدة لعدد من شركات البترول العالمية للتنقيب في المياه الإقليمية المصرية مقابل جدولة سداد مستحقات هذه الشركات على هيئة البترول المصرية بهدف التخفيف من الضغوط التمويلية التي تواجهها الهيئة بعد تجاوز إجمالي مديونياتها للبنوك والشركاء الأجانب ـ مقابل شراء حصص هؤلاء الشركاء من الغاز والمنتجات البترولية لسد احتياجات السوق المحلية ـ نحو 60 مليار جنيه. ورغم هذه الجهود فإن خبراء ماليين يحذرون من الآثار الخطيرة التي يمكن أن تترتب مستقبلا على الاقتصاد المصري جراء تزايد حدة الضغوط الدولية عليه حيث يشير هؤلاء الخبراء إلى أن في مقدمة هذه الآثار حدوث موجه تضخم جديدة في أسعار السلع الرئيسية وإمكانية حدوث نقص في المواد الأساسية وكذلك المواد الخام والسلع الوسيطة المستوردة من الخارج نتيجة نقص الموارد الدولارية. ويؤكد الخبراء ضرورة اتخاذ إجراءات حكومية أكثر حسما في مواجهة هذه الضغوط حتى لا يسقط الاقتصاد رهينة حالة من التدهور الحاد التي تؤدي بمرور الوقت إلى عجز الحكومة عن تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين. في مقدمة هؤلاء الخبراء الدكتور مصطفى إبراهيم، رئيس مجلس الأعمال المصري الأسترالي، الذي يشير إلى أن تعثر العملية السياسية وزيادة ضغوط الشارع على المجلس العسكري خلقت حالة من المخاوف الاقتصادية وارتباك حركة السوق بصفة عامة مما نتج عنه مزيد من الضغوط الداخلية على الاقتصاد. وقال إن الحكومة كانت قد نجحت في الفترة الأخيرة في تحريك عجلة الاقتصاد عبر بعض الإجراءات الجادة مما أدى إلى نوع من التفاؤل، إلا أن دخول العملية السياسية في اختبارات صعبة خلال الأيام الأخيرة سرعان ما أنهى حالة التفاؤل لتحل محلها حالة غموض زاد من سوئها صدور تقرير التصنيف الدولي الذي اتسم بالسلبية. وقال إنه لابد من إعادة النظر في بنود الموازنة العامة وطرح هذه الموازنة المعدلة على البرلمان للحصول على تأييد سياسي لها لأن استمرار عمليات تمويل العجز عبر الاقتراض الداخلي والخارجي من شأنه أن يفاقم من المشكلة مستقبلاً ويشكل مزيداً من الأعباء المستقبلية على موارد البلاد. أما الدكتور مصطفى أحمد، الخبير في معهد التخطيط القومي، فيؤكد ضرورة تصحيح مسار الاقتصاد وحسم العديد من القضايا المعلقة بنوع من الشجاعة وفي مقدمة هذه القضايا قضية الدعم الذي أصبح وسيلة إثراء غير مشروع لبعض الفئات المتعاملة فيه سواء دعم الخبز أو دعم المواد البترولية. وأضاف أن الإجراءات الهادفة لجمع حصيلة دولارية جديدة تعوض نقص الاحتياطي النقدي سواء كانت هذه الإجراءات في قطاع السياحة أو طرح أراض للمصريين في الخارج من شأنها أن تدفع المؤسسات الدولية وفي مقدمتها “ستاندر آند بورز” لإعادة النظر في هذا التصنيف السلبي الذي أدى صدوره قبل يومين إلى مزيد من تعقيد الموقف الاقتصادي بالبلاد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©