الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«زفة أيام زمان» عرس شعبي يستمر لأسابيع

«زفة أيام زمان» عرس شعبي يستمر لأسابيع
18 فبراير 2011 21:30
(بيروت)- تظل حفلات الأعراس “والزفة” حكاية جميلة يرددها الناس، لاسيما إذا كان الزفاف ارستقراطياً وفخماً، أعدت تفاصيل برامجه بعناية ودقة متناهيتين. ومنذ سنوات باتت “الزفة” في لبنان “صناعة” منظمة لها تقاليدها وناسها. فتأسست شركات تتعهد بليلة العمر من الألف إلى الياء، لئلا تتعب الأهل والعروسين، اللهم سوى انتظار الموعد الميمون لإعطاء الرأي بنجاح السهرة. زفات عديدة من المهم أن يكون حديث الفرح على ألسنة المجتمع بكل أطيافه وفئاته الاجتماعية، خصوصاً متى ما علمنا أن هناك أكثر من خمسين نوعاً من حفلات الزفاف كدخول (المكسيكي والماليزي) على أجواء “الزفة” في تابلوهات و”سيناريوهات” متعددة. وهناك حجوزات تتم قبل سنة من موعد الزواج، وتبدأ الأسعار حسب القدرة المادية للأهل. (تبدأ من ألفي دولار أميركي) بحسب مستلزمات الزفة وأعداد المشاركين فيها. فيما نجد أن معظم “العرسان” في لبنان يختارون يوماً محدداً لـ”الزفة” يتحضرون لها ببرنامج خاص -حسب القدرة المالية- فإما أن يكون في فندق نجومه كثيرة، مع استقدام فنانين مشهورين، إلى جانب “بوفيه” يجمع ثمار البحر وأشهى أطايب الطعام. أو الاكتفاء بحفل بسيط في باحة المنزل أو صالة أفراح عادية، تقتصر فيها ليلة السعادة على صحن بذورات وكوب عصير وقطعة كاتوه. باب الحارة الشامية على الرغم من كل التطورات الحضارية والتبدلات التكنولوجية الحاصلة في العالم، لا يزال الإنسان يحن إلى كل قديم و”عتيق” الى العادات والتقاليد التي ورثها عن أجداده وعايشها عن كثب وشعر بعفويتها وطبيعتها غير المستهلكة، إلى الحنين الذي يذكره بالماضي الجميل ونراه في بعض الأرياف، والقرى النائية عن المدن والعواصم، إلى “موروثات” عن تفاصيل الأعراس ومتطلباتها، وحاجاتها الدقيقة ومستلزمات سهرة تراثية كما -مثلاً- في مسلسل “باب الحارة” حيث نرى في بعض المشاهد عفوية أيام زمان، بساطة حياة تسرد واقعها بنفسها، في قالب مشوّق، فالعروس لا يراها عريسها إلاّ يوم “الزفة”، واقترانه بها يكون نتيجة لاختيار الأهل وتحديداً الام التي تستعرض “بنات” الحارة وتنتقي ما يناسبها هي وابنها. أما الأعراس القروية فتتخللها أهازيج الحناء والفرح، ومفردات جميلة لعصر ولىّ وغاب عن، إنما بقيت تقاليده راسخة وثابتة لدى شريحة اجتماعية لم تتكيف مع تبدلات العصر، فبقي العرس الشعبي الذي يدوم عدة أيام، مثالاً راسخاً لعادات قديمة تتجدد وفق طقوس تختلف بين بلد وآخر في الشكل، لكن الجوهر يبقى كما هو، سواء كانت “الزفة” في فلسطين أو سورية أو لبنان. سهرات “التعليلة” حول “زفة” وأفراح أيام زمان وعاداته وتقاليده، يقول عادل الأشوح- متخصص في إحياء الأفراح: “كان اختيار العروس يتم وفق حسب ونسب الأب والأم. بغض النظر عن مالها وجمالها، وعملية الاختيار من مهام الأم التي تبحث عن زوجة مناسبة تسعد ابنها، تريدها ضمن مواصفات هي تحددها. وعند اختيار الفتاة تذهب الأم ترافقها مجموعة من النساء إلى منزل أهل العروس للتأكد من مواصفاتها، ولا يسمح للعريس برؤية عروسه قبل الزواج بل يذهب والد العريس ووجهاء البلدة، ليطلبوا يد العروس من أهلها، ويشربوا القهوة ويتم تحديد المهر. بعد هذا تبدأ سهرات “التعليلة” التي تستمر لأسبوعين قبل الزفاف، حيث يجلس وجهاء المحلة في مقدمة الحضور، ليبدأ الشباب بالدبكة، وكانت آلة “البرغول” الموسيقية التي تصنع من القصب وشمع النحل هي المميزة في إحياء الأفراح، أما سهرة “الحناء” فقد كانت النساء يجهزن كميات كبيرة من الحطب لاستمرار السهرة حتى الصباح، وفي الحناء كانت أفواج الدبكة من شباب القرية يلوحون بمناديلهم وبعض العصي على أنغام العزف”. ليلة “الحنة” يسترسل الأشوح موضحاً برنامج ليلة الحنة، يقول: “كان العريس يجلس في آخر سهرة “الحنة” وسط الساحة، ليسلم يده أو أصبع منها لأحد الأشخاص المختصين بالتحنية وسط الأهزوجة “مدّ ايدك يا عريس”. أما سهرة الحناء الخاصة بالعروس فتتم في منزل أهلها. والمناسبة تدل على قرب موعد الزفاف والوداع، ففي يوم العرس يتم إعداد الطعام للضيوف وأهل القرية و”المعازيم”، حيث تذبح الذبائح وتطبخ وتقدم في السهرة، أما العريس فيسلم رأسه وذقنه لحلاق القرية، وبعدها يتجه إلى بيت أحد الأقارب أو الأصدقاء الذين يستضيفونه تكريماً ليستحم، ومن ثم ينطلق الموكب إلى منزل أهل العريس في “زفة” أخرى، حيث تعلو الزغاريد ويرش الرز وتنثر الزهور، ويتوجه أهل العريس والوجهاء والمعازيم إلى بيت العروس، ليأخذوها على الفرس وتكون مزدانة بالحلى، وعند الوصول إلى منزل زوجها الذي ينتظرها حسب العادة تحت شجرة تفرد تحتها قطعة من القماش من أجل الهدايا المادية “النقوط” التي تساعد في تغطية نفقات الفرح وتجهيز بيت الزوجية. تستمر حكاية الأجداد في أفراحهم وأعراسهم سواء في لبنان أو بلاد الشام عموماً، ولعل أجمل ما ينطلق في العرس أيام “التعليلة” و”الحنة” و”الزفة” تلك الأغاني الشعبية والأهازيج التراثية وزغاريد النسوة. حيث تصدح أغان (الدلعونا والميجانا والهوارة وأبو الزلف ويا مال الشام) ورقصات الدبكة، مكرسة لعادات الضيعة وتقاليد القرية بكل عفويتها في الأعراس. اليوم، تحاول الزفات استحضار الماضي بتفاصيل اللباس والسيف والترس والطبل والزمر، وما إلى ذلك تيمناً وإحياءً لتراث الأجداد الذين كانوا يتحلقون حول مواقد الحطب لإيقاد النار والسهر حولها إيذاناً باقتراب موعد العرس، حيث يجتمع العروسان أمام بيت الزوجية، لتلصق العروس ورقتي غار على الباب، خوفاً من الحسد والغيرة، ومن أجل عدّ “النقوط” التي أغدقت عليهما، والتي تسد رمق ما أنفقه العريس وصولاً لـ”ليلة الدخلة”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©