عن منشورات ''كلمة'' و''دار العين للنشر'' في الإمارات والقاهرة، صدر كتاب المفكر الألماني دييتر سنغاس، أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة بريمين، (الصِدام داخل الحضارات/ التفاهم بشأن الصراعات الثقافية) بترجمة شوقي جلال·
جوهر ما يفعله المؤلف في هذا الكتاب هو مناقشة نظرية صدام الحضارات أو الثقافات التي صدح بها منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي صاموئيل هنتنغتون في كتابه (صدام الحضارات)· لذلك بقي المؤلف في حدود الامتدادات التي ركَّز عليها هنتنغتون من قبل في كتابه آنف الذكر، ولكن مع اختلاف الرؤية؛ فسنغاس يقدم تفسيراً واضحاً ومثيراً للجدل حول تعددية الثقافات، وردود فعلها تجاه موجة الحداثة، وصدام الحضارات، وإمكانية الحوار والتسامح بين الثقافات· ضمَّ الكتاب ثلاثة أبواب هي على التوالي: التعددية والتسييس بوصفهما تحديات الثقافات، وهل هو صِدام ثقافات؟، والاتصال بشأن الثقافات·
يبدو أن هذا الكتاب بأبوابه الثلاثة اسهام معرفي مهم، بل ومثير للجدل في الحوارات المعاصرة المهمة التي أثارتها نظريات مؤثرة عديدة قدمها فرانسيس فوكوياما فيما كتبه عن نهاية التاريخ، وصموئيل هنتنغتون فيما كتبه عن صِدام الحضارات· يبحث سينغاس بعض أهم القضايا السياسية التي تواجهها مجتمعاتنا الراهنة، مثل: كيف تتأقلم المجتمعات مع التعددية، وهل يمكن أن يكون التسامح حلاً ناجحاً؟، وما هو دور الثقافة في الصراعات الراهنة التي توصف بأنها وليدة الثقافات؟، وهل ستغرق السياسات العلمية في القرن الحادي والعشرين في الصراعات الثقافية على مستوى كبير؟·
يستكشف مؤلف الكتاب هذه الأسئلة وغيرها في سياق المناطق الثقافية الرئيسة خارج منطقة الغرب (في الفلسفة السياسية الصينية، والإسلام، والبوذية والهندوسية)، ويمضي في تأمُّل إمكانية ظهور شكل بناء من أشكال الحوار بين الثقافات· إن النهج الجذري المميز الذي ينتهجه سينغاس مواكب للأحداث وذو أهمية شديدة لكلا العاملين بالسياسة، والعلاقات الدولية، والعلوم الاجتماعية، والدراسات الثقافية، ودراسات التنمية والديانات، والاقتصاد السياسي الدولي·
يدعو سينغاس إلى ما يسميه (فلسفة الحوار التفاعلي بين الثقافات)، وتعتمد هذه الفلسفة من منظوره على مراجعة تاريخ الغرب المثقل بالنزاعات، وأثرها الراهن على الاقتصاد السياسي الكوكبي أو المتعولم·
معنى هذا، أن المحتمات المختلفة مطالبة اليوم بـ (الحوار) مع ذاتها بل والمراجعة النقدية لذاتها في الماضي والحاضر، والكشف عن العوائق التي تختفي وراء مزاعم أيديولوجية تحول دون الحركة والتقدم، وتقتضي هذه الفلسفة المواجهة عبر الحوار الضريح لحقيقة أزمة الغرب في داخله بدلاً من اختلاق خصوم من خارجه، خصوم ليس سوى أعداء وهميين·
عدد اليوم
