الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دروس أميركية من المشروع الصحي

24 مارس 2010 21:34
ويليام دي. إيجرز مدير الأبحاث في مؤسسة "ديلويت" الاستشارية جون أوليري زميل الأبحاث في مركز "آش" التابع لكلية جون كنيدي للدراسات الحكومية في ذروة السجال الذي احتدم حول الرعاية الصحية الشهر الماضي في الولايات المتحدة، عبر نائب الرئيس، بايدن، عن شعور أصبح متغلغلا عبر أميركا، وهو أن "واشنطن قد غدت مكسورة في الوقت الراهن". والذي يدعو للأسى أن هذا الشعور يسود أمة انتصرت في الحرب العالمية الثانية، وشطرت الذرة، ووصلت إلى سطح القمر. ومشروع الإصلاح الصحي الشاق، والسجال العنيف الذي دار حوله على مدى عام، يظهر مدى الصعوبات والتوترات التي يمكن لأميركا مواجهتها عند تعاملها مع المهام الطموحة. البعض يلوم الجمهوريين، والبعض الآخر يلوم الديمقراطيين، لكن معظم الناس يلومون "النظام" كما لو أن التجارب التي خضناها خلال 234 عاما في مجال الديمقراطية التمثيلية، قد أخفقت فجأة بسبب موجة من الحزبية والتوقعات المحطمة. ورغم أنه حتى المشروعات حسنة النية قد تضل طريقها، فقد اكتشفنا أن المبادرات الناجحة عادة ما تتوافر لها عناصر تضمن لها ذلك النجاح. وفيما يلي نطرح مبادئ بسيطة يمكن أن تجدد قدرة أميركا على تحقيق إنجازات كبرى. المبدأ الأول: القدرة على الاستفادة من الخلافات: فالأفكار الرديئة تتحول إلى واقع رديء، عندما لا يتم تعريضها للنقد الخارجي بعد خروجها من قاعات الحوار التي تضم مفكرين من مشارب متماثلة. وبالمقابل؛ يتحقق النجاح عندما ينجح القادة في عبور حدود الأيديولوجيا، والخبرة العملية، ويتبادلون أفكارهم مع هؤلاء الذين يرون العالم بشكل مختلف. المبدأ الثاني: يجب أن تكون التصميمات مخصصة للعالم الحقيقي وليس للكونجرس فحسب: فكما تبين من معركة الرعاية الصحية، فإن حتميات العملية التشريعية، عادة ما تكون لها الأولوية على كل شيء آخر، ما يؤدي إلى تمرير مشروع قرار في الكونجرس قد لايكون قادراً على النجاح عملياً. فمشروعات مثل "عدم ترك أي طفل دون تعليم" عام 2001، وقانون "إصلاح نظام الهجرة" عام 1986، وقانون "الحرية للمزارع" عام 1996... عانت جميعاً من ذلك الفخ الذي نطلق عليه "التصميم الخالي من التصميم". المبدأ الثالث: تبني السجال العام: يعتبر مشروع مارشال واحدا من أكبر الإنجازات الأميركية في مجال السياسة الخارجية. ومع ذلك، فعند اقتراحه للمرة الأولى لم يقابل بحماس، سواء من جانب الأميركيين العاديين أو من جانب أعضاء الكونجرس، حيث ارتأى الجميع أنه سيشكل عبئا إضافياً كبيراً على الاقتصاد الأميركي. ورغم تلك المعارضة، فقد مر المشروع من الكونجرس في نهاية المطاف وحظي بدعم شعبي كبير. والسؤال هنا كيف تمكن الرئيس ترومان والجنرال مارشال من إنجاح ذلك المشروع؟ لقد أنجحاه عبر عدة خطوات. فقد قاما بتوعية الشعب الأميركي بشأن المنافع التي ستعود على بلاده في مجال السياسة الخارجية جراء تطبيق ذلك المشروع، عبر أكبر حملة علاقات عامة في التاريخ الأميركي. وكانا من الذكاء بحيث لم يعمدا إلى تمرير الخطة في الكونجرس من خلال الضغط على أعضائه، وإنما شجعا على عقد جلسات استماع مطولة لمناقشة المشروع، كما عملا على تنظيم رحلات لأعضاء الكونجرس لزيارة أوروبا المدمَّرة. المبدأ الرابع: أخذ احتمالات الفشل بشكل جدي. فحرب العراق تقدم مثالا نموذجيا على ذلك. فبعد النجاح الذي حققته قوات الغزو في البداية، كان المتوقع أن تكون عملية إعادة الإعمار سهلة، وكنتيجة لذلك التوقع غير السليم لم تعط إدارة بوش سوى اهتمام ضئيل بما قد يحدث بعد انتهاء مفعول" الصدمة والرعب"، حيث جعل التفاؤل معظم المخططين يعتقدون أن احتمال الفشل غير وارد وبالتالي لم يأخذوا الأمر بشكل جدي. المبدأ الخامس: يجب على السياسيين والبيروقراطيين أن يتعلموا كيف يتحدثون لبعضهم بعضا. فالشيء المشترك بين رحلة أبولو عام 1964، وخطة إنقاذ الاسكا بعد الزلزال الذي ضربها، وسياسة ضخ المزيد من القوات في العراق... هو أنه في تلك المهام جميعاً كان هناك رجل يمكننا تسميته "مُجَسّر الفجوة"، وهو عادة ما يكون شخصية قيادية قادرة على التحرك بين السياسيين والبيروقراطيين ويتمتع بميزة نادرة هي تفسير لغة السياسيين للبيروقراطيين وتفسير لغة البيروقراطيين للسياسيين عندما يحتدم بينهم الخلاف، وتلوح احتمالات الانقسام. منذ خمسين عاما وضع الرئيس كنيدي أمتنا أمام تحدي وضع رجل على القمر خلال عقد من الزمان، وهو ما نجحنا فيه بالفعل، وبشكل باهر، لأننا كنا واثقين من النجاح من جهة، ولأننا كنا نؤمن أن لدينا القدرة على إنجاز المهام العظيمة. وعلى النقيض من ذلك، عندما أعلن بوش أننا سنعود للقمر مرة أخرى في عام 2020، فإن الكثيرين تشككوا، ثم حين أعلنت وكالة "ناسا" مؤخراً تخليها عن مشروع رحلات القمر، لم يندهش أحد لأننا أصبحنا معتادين على الإخفاق في تحقيق أهدافنا. إن إبداء التشاؤم شيء سهل، وحل المشكلات شيء صعب، ومع ذلك ينبغي علينا القول إننا لم نتأخر كثيرا في التعرف على حقيقة أن أسلوبنا القاصر والمختل وظيفيا في ممارسة الحكم، يمثل تهديداً لا يقل بحال من الأحوال عن التهديد الخارجي الذي يشكله أعداؤنا. ليس هناك شك في أن الرهانات عالية، والتحديات كبيرة، وإنه إذا ما أخفقنا في إصلاح العملية التي من شأنها أن تقود إلى تحقيق أعظم طموحاتنا، فلن تكون أمامنا فرصة لمواجهة تحديات اليوم والغد. ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©