الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

في ألمانيا... القضاء يوقف «إصلاح» نظام الرعاية!

24 مارس 2010 21:34
إيزابيل دو بوميرو فرانكفورت صدر حكم قضائي الشهر الماضي في ألمانيا، نص على منع خفض مستحقات المواطنين من الرعاية الصحية، على أساس أنه يحق لجميع المواطنين المشاركة في الحياة الاجتماعية والثقافية. فقد أعلنت المحكمة الفيدرالية الدستورية الألمانية، في قرارها الصادر الشهر الماضي، عدم دستورية إصلاحات نظام الرعاية الاجتماعية لعام 2005. وبصدور ذلك القرار، احتدم الجدل حول ما يمكن أن يقدمه للمواطنين الألمان نموذج الرعاية الاجتماعية التقليدي الذي تتبناه بلادهم، كما أثيرت أسئلة بشأن ضرورة حفظ التوازن بين الكرامة الإنسانية وحاجة المجتمع للثقافة والمعرفة. وفي التفاصيل أن المحكمة الدستورية أصدرت حكماً قضائياً وضع حداً لإجراءات خفض مستحقات المواطنين من الرعاية الصحية، وفقاً للإصلاحات التي أدخلت على النظام في عام 2005، بهدف تخفيف العبء عليه. وجاء الحكم بعدم دستورية الإصلاحات المذكورة، استناداً إلى "فشلها في تأكيد حق المواطنين المستفيدين من نظام الرعاية الاجتماعية، البالغ عددهم 6.7 مليون مواطن، وخاصة الأطفال، في الحصول على الحد الأدنى من الدخل الذي يليق بكرامتهم، وتمكين المواطنين الأقل حظّاً من المشاركة بالحد الأدنى في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية". وعلى حد تعليق كريستوفر بترويج -خبير مكافحة الفقر بجامعة كولونيا- فإنه "ليس كافياً أن يتوفر الغذاء والملابس والمأوى للمواطنين، إذ لابد من تمكينهم من المشاركة في الحياة الاجتماعية بأوجهها المختلفة. فبدون هذه المشاركة يتحول المواطنون إلى غرباء". واستطرد الخبير قائلا: "إن القرار الذي أصدرته المحكمة الدستورية، بتعريفها للمشاركة في الحياة الاجتماعية والثقافية باعتبارها حقاً للمواطنين، يمثل أمراً غير مسبوق". يذكر أن الإصلاحات المذكورة المسماة اختصاراً Hartz-1v أثارت الكثير من الجدل، وقد نظر إليها كثيرون على أنها إصلاحات الرعاية الاجتماعية الأكثر جرأة التي تبنتها ألمانيا منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية. فقد تركزت تلك الإصلاحات على حث العاطلين عن العمل على سرعة الحصول على فرصة للتوظيف، لتقلل بذلك الفترة التي يحق فيها للعاطلين التمتع بفوائد البطالة. وقد تم تبني تلك الإصلاحات في وقت ارتفعت فيه معدلات البطالة، بينما ازدادت الضغوط المالية على ألمانيا، وخاصة أن خزانتها الفيدرالية كانت منهكة بسبب الأعباء الإضافية ذات الصلة باستيعاب شقها الشيوعي السابق، أي ألمانيا الشرقية. وفوق ذلك كله، كان الاتحاد الأوروبي، بدوره، لا يكف عن الإصرار على وجوب أن يصبح الاقتصاد الألماني أكثر قدرة تنافسية. وبينما وصف البعض تلك الإصلاحات بأنها كانت خطوة جريئة، هاجمها كثيرون آخرون متهمينها بأنها تهدد مبادئ التكافل الاجتماعي والانسجام التي يقوم عليها مجتمعهم. كما اشتد الهجوم عليها أيضاً لما سببته من ارتفاع سريع للوظائف غير المستقرة وضعيفة الدخل. وقد تعدى الأمر مجرد الانتقاد، حين رفعت عائلتان دعوى قضائية ضد الحكومة بحجة انخفاض فوائد أطفالهما من نظام الرعاية الاجتماعية إلى درجة تستحيل معها إعالتهم مالياً. يذكر أن إصلاحات Hartz-1v كانت قد دمجت بين مخصصات البطالة والرعاية الصحية معاً، بحيث يصل نصيب المواطن البالغ منها إلى ما يعادل 490 دولاراً في الشهر، في حين يبلغ نصيب الأطفال ما يتراوح بين نسبة 80-60 في المئة من ذلك المبلغ. وقد صدر الحكم القضائي في النهاية لصالح العائلتين اللتين رفعتا الدعوى القضائية. ومن جانبه قال هانز يورجن -رئيس المحكمة الدستورية التي أصدرت الحكم- إن حساب احتياجات الأطفال باعتبارها نسبة من احتياجات الكبار، أمر اعتباطي ولا يتسم بالشفافية. وطالب رئيس المحكمة الحكومة بأن تعيد حسابات الرعاية الصحية على نحو يمكن الأسر من توفير الحد الأدنى من معايير الحياة الإنسانية الكريمة اللائقة. ومن جانب آخر، وصف أولريخ شنايدر -رئيس اتحاد Paritatische الذي يضم حوالي 10 آلاف منظمة وجمعية خيرية طوعية في برلين- قرار المحكمة الدستورية بأنه يمثل انتصاراً تاريخياً لنحو 2.2 مليون طفل مسجل في قوائم الرعاية الاجتماعية. فقد أعطت المحكمة التي أصدرت القرار الأولوية لكرامة الأطفال وحياتهم اللائقة على إجراءات حساب فوائدهم من النظام، بغية تخفيض التكلفة المالية على الخزانة العامة. وعلى رغم أن قرار المحكمة لم ينص مطلقاً على زيادة فوائد الأطفال من الرعاية الصحية، فإن الخبراء يرون أن القرار سيؤدي حتماً إلى ارتفاع الإنفاق الاجتماعي، ما يعني زيادة التوتر مع تحالف يمين الوسط الذي تقوده المستشارة أنجيلا ميركل، بشأن الكيفية التي يفي من خلالها بتعهده بخفض الضرائب، في وقت تصارع فيه حكومته من أجل خفض الإنفاق الحكومي. هذا ويرى هلموت راينر -من معهد البحوث الاقتصادية في ميونيخ- أن "قرار المحكمة لا يفهم على أساس أنه ينص على زيادة فوائد المواطنين -وخاصة الأطفال- من نظام الرعاية الاجتماعية، بل يجب أن يفسر على أنه يتعلق بضرورة إعادة التفكير في النظام الحالي، وبالكيفية التي يمكن أن يصمم بها نظام جديد للرعاية الاجتماعية يحفز المواطنين على العمل ومكافحة البطالة". وبالطبع فإن هناك من انتقد قرار المحكمة بشدة. ومن هؤلاء "جيدو فسترفيل" وزير الخارجية الحالي وزعيم حزب "الديمقراطيين الأحرار"، الموالي للاستثمارات. فقد صدرت عنه تصريحات عقب الإعلان عن قرار المحكمة أثارت غضب الكثير من مؤيديه، بسبب تحذيره مما وصفه بـ"الاتجاهات الاشتراكية". ويعتقد "جيرد هيلد"، أستاذ علم الاجتماع بجامعة برلين التقنية، أن المحكمة الدستورية تجاوزت حدودها بعض الشيء، لأن من واجبها حماية الكرامة الإنسانية، وليس توفيرها للمواطنين. ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©