السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأمية الثقافية تهدد بموت الشعر والرواية

الأمية الثقافية تهدد بموت الشعر والرواية
24 مارس 2010 21:16
استهدفت ندوة “الرواية والشعر” في القاهرة، كما قال مديرها الدكتور حسين حمودة، التقريب بين الرواية والشعر مستشهداً بالقول الشهير للأديب الراحل نجيب محفوظ الذي وصف الرواية بشعر الدنيا الحديث، ثم قدم ضيوف الندوة الروائي بهاء طاهر واصفاً إياه بأحد فرسان الأدب الذين نقلوا الرواية العربية من العصور القديمة الى العصر الحديث، والشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي الذي جاوز بشعره الصور والمشاهد الى حدود الصوت والتقنية. وقال أحمد عبدالمعطي حجازي إن ندوات سابقة طرحت تلك الاشكالية في العلاقة بين الرواية والشعر وانتهت بأن هذا الزمان هو “عصر الرواية” ولكن حديثهم أعطى معنى آخر وهو أن الشعر لم يعد ديوان العرب كما كان في الماضي وحلت محله الرواية. وأرد على تلك الاشكالية بالرجوع الى البديهيات التي نعرفها فنحن نعرف أن الشعر ليس أصل الأدب فحسب ولكنه أصل اللغة لأن اللغة لم تكن قبل الشعر حيث إن الإنسان بدأ بالصورة والشعر ثم الكتابة التي تطورت الى صور كما نشاهدها في الكتابة الهيروغليفية ثم ظلت تتطور حتى تحولت الى رموز بالصور والأصوات كما في الكتابة اليونانية، وهذا يعني أن الإنسان فكر بالصورة والصوت قبل أن يفكر في المعنى المجرد، والإنسان بدأ يفكر بالصورة لأنه يلمس ثم يتخيل وهو لا يملك الا صوتا لأنه لم يكن يكتب ولكنه كان يحول صوره الى أصوات ترمز الى ما يفكر به وهو ما يؤكد أن اللغة بدأت بالشعر وأن الأدب بدأ بالشعر. وأضاف حجازي أن الشعر في حد ذاته يعد “ملحمة” للإنسان وكل شيء بدأ بالشعر بما في ذلك الرواية التي كانت بداياتها عبارة عن ملحمة مسرحية تتحدث عن المجتمعات من حياة القبيلة الى المجتمعات المدنية، موضحاً أن هذا لا يعني أن الرواية فرع ولكنها تتطور والشعر ازدهر في الغرب خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وكان عدد من كبار الروائيين في العالم شعراء في البداية مثل الألماني “جوتا” الذي كان روائيا وشاعر فرنسا “فيكتور بو” الذي اشتهر برواياته الشعرية ونفس الشيء ينطبق على الأدباء الروس مثل بوشكا الذي كان شاعراص عظيماً. وفي وطننا العربي نجد أبو العلاء المعري في رسالة الغفران الشهيرة التي تعتبر نثراً عظيماً وفي العصر الحديث نجد أمير الشعراء أحمد شوقي ود. طه حسين الذي بدأ شاعراً والعقاد والمازني والشرقاوي الذين كانوا شعراء عظاماً في الأصل حتى توفيق الحكيم بدأ شاعراً حيث قدم ارهاصات في شعر النثر، وهو ما يعني أن الرواية والشعر نوعان مختلفان ولكنهما شقيقان لكن الشعر هو الأخ الأكبر أو “البكري” للرواية وهي ميزة يتمتع بها الشعر وتجعله يتكامل مع الرواية حيث إن الشعر هو اللغة القادرة على الامساك بما هو محسوس من ناحية وماهو غير محسوس وهو قادر على أن يصف فيجعلنا نرى ونتأمل ونفكر فنغني ونطرب ونرقص فهو يبدأ بما هو محسوس وينتهي بما هو مطلق، وهو ما جعل بعض المفكرين يعتقدون انه طالما أن الشعر هو البداية وأن العصر القديم هو عصر برهان واقناع وليس خيالا فإن الشعر مات، وهو ما عبر عنه المفكر الفرنسي بولازار في كتابه “الضمير الأوروبي” حيث خصص في القسم الأخير فصلا تحت عنوان “زمن بلا شعر” لأنه يتحدث فيه عن موت الشعر الحديث وكيف تطور الفكر الأوروبي من عصر النهضة الى ما وصل اليه. وأضاف حجازي بأن بعض المفكرين الأوروبيين من أمثال فولتير أكدوا أن هذا زمن بلا شعر، وهذا كلام نرد عليه بمثال بسيط وهو أن الشعر الفرنسي لم يكن موجودا إلا في الوقت الحالي كما أن هذا الكلام تكرر على لسان مؤلف إنجليزي هو توماس لاف بيكوك الذي قدم بحثا عن أصول الشعر أشار فيه الى أن الشعر لابد له أن يضمحل مع تطور الحضارة حتى انه أكد أن تقدم الحضارة مشروط بموت الشعر. وقال إن هذا الرأي رد عليه الكاتب الإنجليزي ارنولد شيلي بأن الشعر سوف يبقى دائما لأنه يلبي حاجة الإنسان، واوضح أن هناك أشياء تتغير لكن الشعر سوف يظل باقياً، حتى تراثنا من الشعر العربي الحديث من يقارنه ويزنه بالشعر القديم فسوف يرى أن الكفة تميل بشدة الى الشعر الحديث لأن الشعر القديم بدأ في الجزيرة العربية وانتهى مع الإسلام بينما الحديث انتقل الى الشام وبغداد وكل البلاد العربية حتى انتزع احمد شوقي لقب أمير الشعراء ونفس المسألة تنطبق على اللبنانيين والتونسيين والعراقيين وغيرهم وهذا الازدهار يدل على كذب المزاعم التي تتردد حول موت الشعر في العصر الحديث. وقال حجازي: بالنسبة للكلام الذي يردده بعض النقاد عن تقدم الرواية على الشعر في الوقت الحالي مستشهدين بانتزاعنا أكبر جائزة عالمية في الرواية لنجيب محفوظ فالرد عليه أن هذا سببه تراجع اللغة والاحتياج الأكبر في هذه المرحلة للرواية تماما كما حدث للفلسفة التي كانت تضم داخلها في الماضي الطب والموسيقى والمنطق قبل أن تستقل هذه العلوم بسبب الحاجة لها، والأمر ذاته ينطبق على الرواية التي كانت في قلب الشعر ثم انفصلت عنه وهذا لا يعني موت الشعر وما حدث بالتحديد هو إن بعض النقاد الذين لا يتمكنون من قراءة القصيدة يحولونها الى نثر كي يفهموها لكن القصيدة الرائعة لا يمكن فهمها الا كما هي وهم بذلك يسيؤون للرواية وأعرف أن هناك بعض الروائيين الذين يكتبون في الصحف ولا يعرفون قواعد اللغة جيداً ويتركون للمصححين مسألة التصحيح وتجويد كتاباتهم لكي يعرضوا أفكارهم في شكل حكاية. وقال الروائي بهاء طاهر إنه يؤمن بأنه لا يمكن ازالة فن لمصلحة فن آخر لأن الفنون تزدهر معاً وتنحدر معا مستشهدا بكتاب الدكتور جابر عصفور “الرواية” الذي اكد فيه نفس المعنى موضحا انه اذا كان هذا الزمان هو زمان الرواية فإن هذا لا يعني ان يتم محو الشعر، لأنه ابو الفنون وإن كان لي حق الاختيار فإنني سوف انحاز الى الشعر لأن من يحب اللغة يبدأ من الشعر وينتهي به، وإن كنت لا استبعد فكرة السجال بين الشعر والرواية فإنني استبعد في نفس الوقت أن تفني الرواية الشعر. واضاف أن الرواية ليست حكمة يوجزها الإنسان لكنها عبارة عن تفاصيل الأشياء والحكايات لأنه بدون التفاصيل لا تكون هناك رواية من الأساس. وقال بهاء طاهر إن عرض احمد عبدالمعطي حجازي للعلاقة بين الشعر والرواية كان رائعاً وهو يتفق معه في أغلب نقاطه مشيراً الى أن الشعر يلبي حاجة وجدانية إنسانية فمن منا لا يتغنى بالشعر والطرب والغناء؟ بينما الرواية تقدم رؤية اشمل من الناحية الفلسفية والتاريخية لأنها تقدم تفاصيل الحياة الواقعية وهي بهذا تعد فنا شاملا يتناول الصراع بين الإنسان وظروفه بمعنى آخر أن الرواية تنطوي في الأساس على ما يسمى الشمول بعكس الفنون الأخرى، مضيفاً أن الشعر يمكن أن يتناول كل القضايا ولكن هل يكون مناسباً أن يتناول القضايا الاجتماعية ويخوض في تفاصيلها؟ وهي مسألة تصلح أكثر للرواية وهذا ما دفع المفكر جان بول سارتر الذي كان يدافع عن الالتزام في الأدب أن يستبعد الشعر لأن الشاعر لا يمكن أن يكون ملتزماً التزاماً حرفياً بما تقدمه الرواية حيث إن الرواية الواقعية تفتح مجالات للتفكير وتلبي حاجات الإنسان في الفكر الشمولي. وأوضح أن فكرة الصراع بين الشعر والرواية تعود الى الروائي والشاعر فكثير من الشعراء كنزار قباني وشكسبير استطاعوا أن يفرضوا أشعارهم على الساحات الأدبية والجماهير، وكذلك الروائي اذا كانت لديه المقدرة والقوة يستطيع أن يفرض روايته والرواية الجيدة بصفة عامة تأخذ من الشعر وكذلك الشعر الجيد يأخذ من الرواية وتلك العلاقة قديمة وليست وليدة اليوم، بمعنى انه اذا كان الشعر يتحدث عن الحرية المطلقة فإن الرواية تبحث الوقوف على الأرض. وقال بهاء طاهر إن من يتحدث عن زوال الشعر يتكلم عن مصيبة كبرى لاننا بذلك ننزع الروح من الجسد، وعموما فإن العدو المشترك للرواية والشعر هي الأمية الثقافية التي بإمكانها أن تقضي على الشعر والرواية معاً لأن الأمية معناها أنه لا مكان للشعر والرواية معا. وهذا ما استشعره بينما أشاهده في اللغة الرديئة التي يتكلم بها المسؤولون الكبار في الدول العربية علما بأن هبوط مستوى اللغة يعني هبوط مستوى الفكر، والعلاقة بين الرواية والشعر علاقة تكامل وليست صراعاً وان عدوهما المشترك القادر على القضاء عليهما معا وعلى العقل والحرية هي الأمية الثقافية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©