الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

كليزار أنور تبحر في الحياة والكتابة والمرأة

كليزار أنور تبحر في الحياة والكتابة والمرأة
17 فبراير 2011 20:34
تبدو رواية الكاتبة العراقية كليزار أنور “الصندوق الأسود” للقارئ عملا مركبا من اكثر من قصة واحدة أريد لها أن تؤلف قصة كبرى. وتعد هذه الرواية الكتاب الرابع لكليزار أنور بعد ثلاثة كتب هي مجموعتان قصصيتان ورواية، وصدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر وجاءت في 159 صفحة من القطع المتوسطة، وتهديها كما كتبت “إلى ابني الذي لم يأت”. وتشكل رواية “الصندوق الاسود” في كثير من المجالات غورا في امور الحياة والكتابة وفي الشخصية الروائية والشخص الانساني وتصل الى حد ربما وجد فيه القارئ حياة اخرى خارج الحياة الفعلية او فلنقل حياة بديلة. وتطل علينا تلك الحياة الاخرى وكأنها هي الأصل اي هي ما يجب ان يكون او ما نحب ان يكون فتتحول الى نوع من التعويض. تبدأ الرواية بداية تتسم بدقة الملاحظة والتعبير والتقاط الحالات الانسانية لا من خلال “نظريات” عنها بل من خلال الغوص في الوضع البشري كما تمثله مجموعة من البشر في قاعة معينة هدفهم واحد وأملهم واحد لكن بتفاصيل مختلفة. في الامور الانسانية الاساسية يتساوى الناس اجمعون.. المثقف والفلاح والموظف والعامل والعراقي والسوري والجميع. العصر الحالي يطل علينا لا من خلال عنوان الرواية فحسب اي “الصندوق الاسود” -وهو الذي يسجل الاحداث والاقوال في الطائرة- ولا من خلال الانترنت والتليفون الخليوي او الموبايل فحسب بل من خلال الغاية التي جمعت تلك النسوة وأزواجهن في تلك القاعة: عملية التخصيب الاصطناعي في المختبر من اجل مطلب واحد هو: حياة جديدة اي امل.. اي طفل. نقرأ البداية: “ست عشرة امرأة متفاوتات الاعمار.. سوريات وعراقيات.. مخطوفات النظرة والخوف من ان تفشل العملية.. جاؤوا بقلوب ملؤها الرجاء في ان تكون بطونهن حالمات بشيء يكبر في احشائهن. ويبقى الامل.. قارة نتمنى ان تطأها اقدامنا”. “ست عشرة امرأة توزعن بين غرف المشفى الانيق، في صالتنا 8 أسرة، على كل سرير تقطن حكاية امرأة كل حلمها ان تكون أما ذات يوم. فيهن من تزوجن قبل خمسة عشر عاما او اكثر او اقل وما لجأن لاخر مرحلة الا بعد ان نفدت كل سبل العلاج الطبيعي”. وبحس مرهف ترسم الكاتبة الاجواء الطبيعية والنفسية فتقول “صباحا امطرت، بدأ رذاذا متقطعا ثم انهمر وابلا وبوشوشة ملأت زوايا المكان والقلوب. استبشرن خيرا فالمطر خير. نقر قطرات المطر وقع نغما جميلا على زجاج النوافذ. بين برهة وأخرى تفتح احداهن الحاجز الزجاجي وتتنفس بعمق ملء نفسها الهواء العذب وكأنهن يملأن صدرهن به فللأرض عطر خاص ينبثق لحظة استحمامها بالمطر”. تروي كل منهن قصة حياتها. انهن الان في دمشق والبطلة وزوجها قدما من العراق الى العاصمة السورية حيث يتوفر اطباء ممن يختصون في هذه المجالات. وصف لدمشق وبعض المدن السورية التي كانا قد زاراها في اجازة قبل ذلك. وصف سهل ومعلومات تصلح لان تكون مواد في دليل سياحي الا انها مرسومة بشعور انساني ومن خلال عين ادبية. في النهاية وبعد وصف انواع الألم الذي تتحمله المرأة في سبيل الامومة نصل الى ختام نفهم منه ان التجربة لم تنجح. تصف الكاتبة برهافة كل الاحلام والآلام التي ترافق فكرة تصور البطلة نفسها أما. عاطفة رائعة ترافق املا يخشى الا يتحقق.. ما لنا اذن الا ان نأمل ونصلي. الحداثة او فلنقل العصرنة ترافق قصة زواج هذه المرأة من البداية. تقول بطلة كليزار انور انها لم تتزوج كما يتزوج اغلب الناس عن طريق “الخاطبة او عن طريق قصة حب”. كأنها تقول ان ما يغلب على هذا العصر الان هو تجاوز التقليدي والعاطفي المغرق في العاطفة الى نمط مختلف. قالت “تزوجت بشكل عقلاني جدا وبطريقة راقية ومتطورة بآخر ما توصل اليه العلم... مسألتنا عادية فنحن في زمن العولمة. والعالم تحول الى قرية صغيرة كما يقولون. كان ارتباطي عن طريق الانترنت رغم عدم ايماني به كقاعدة تؤسس منها اسرة ناجحة، كنت اعرفه ويعرفني ولكننا لم نلتق سوى على صفحات الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية... معرفتي به لا تتعدى حدود اسمه ككاتب. تفاجأت ذات يوم برسالة تصل لإيميلي عنوانها “زواج”. خلال السفر الى دمشق وإثر عدم الانجاب بالطريقة الطبيعية نقرأ البطلة تقول “طوال الطريق يراودني هاجس غريب.. لقد تزوجت بطريقة متطورة... آخر ما توصل اليه العلم... وأريد ان انجب بطريقة متطورة ايضا وبآخر ما توصل اليه العلم. سألت نفسي بابتسامة: ترى كيف سأموت؟ اكيد في مركبة فضائية او على سطح كوكب لم يصل اليه بشر” في هذه الاثناء -وخلال توقع نتيجة العملية التي لم تنجح- يبدو ان مبدأ “التعويض” الذي يتحدث عنه علم النفس قد فعل فعله من ناحية اخرى. كانت الكاتبة تحدثنا من خلال قصة وصلت اليها عبر الانترنت بعنوان “الصندوق الاسود” عن تجربة فيها قصة حب منيت بطلتها بخديعة جارحة. تصل الينا القصة او فلنقل الرواية على دفعات. عند قراءة ما كانت ترسله كاتبة رواية الانترنت تلك قد يتشكل لدى القارئ شعور بأن كليزار انور لم توفق في جعلنا نعتقد ان بطلة الصندوق الاسود هي شخصية مستقلة عن بطلة القصة الاساسية ولا تشبهها. الاسلوب نفسه والمشاعر متشابهة فكأننا امام حديث ومشاعر مستأنفة. نصل الى النهاية لنجد ان الاحداث تقول لنا “نعم هذا صحيح” وهو مقصود تماما اذ ان تلك الشخصية هي انعكاس للشخصية الاولى. لم تنجح في انجاب طفل او طفلة... فعوضت عن ذلك بخلق شخصية تشبهها بل هي جزء منها خلقتها من “ضلع من ضلوعها النفسية والفكرية” كما خلق الله حواء من آدم. انها التعويض. الفن يكمل الحياة او يخلق بديلا عن مفقود او عما لم يتحقق. ترى هل باستطاعته ان يقدم بديلا حقيقيا؟
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©