الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القرميد الأحمر تراث معماري يوحي بالجمال والفخامة

القرميد الأحمر تراث معماري يوحي بالجمال والفخامة
17 فبراير 2011 20:24
تزين البيوت القديمة والمنازل التراثية أسطحتها بالأجّر “القرميد” وتتوزع داخلها الأعمدة الحجرية والرخامية والغرف الواسعة والممرات الطويلة، فضلاً عن الحدائق الخضراء المفعمة بالذكريات. بحيث بات سكان اليوم يتمنون أن يزين القرميد بنقوشه الجميلة بيوتهم الجديدة أو بيوت عامرة متوجة بالقرميد يتمنون امتلاكها لأنها رمز للرفعة وسط الأحياء أو الجبال على حد سواء. بات الأجّر “القرميد” سمة المدينة الكبيرة، وأصبح ملمحاً عمرانياً جميلاً خلال السنوات الماضية والحاضرة، فظل يدافع عن تراثه، يحاول الحفاظ على إرث في زمن الإرث الضائع. تراث عمراني تحمل الكثير من المباني والبيوت في العاصمة بيروت وبقية المناطق، تراثاً عمرانياً يظهر التصاميم القديمة المبنية بالحجر، والمسقوفة بالقرميد الأحمر، الذي لا يزال يحافظ على شكله الجميل، من حيث هندسة السطوح التي يزيد بعضها عن بضع مئات، مع بناء “علية” إضافية تدعى “طيارة”، لواجهتها الرئيسية أشكال مميزة بالقناطر الحجرية. أما لجهة الشكل الخارجي للمنازل القرميدية فهي مربعة بصورة عامة، حيث يعلو مدخل المنزل عند بابه عتبة كبيرة فوقها قنطرة نصف دائرية، محاطة بدائرتين على اليمين والشمال من الباب الرئيسي، المحاط بنافذتين عن يمينه وشماله ايضاً، ويطل من المنازل شرفات معلقة على نوعين، الأولى على طريقة “المندليون”، اي ان ركيزة الشرفة من الحجر، والثانية معلقة على جسر حديدي، سماكته (20- 30 سم)، وهذه الشرفات مزينة بدرابزين حديدية واقية على شكل نبال، تنتهي كل نبلة بزهرة “اللوتس”، او بقنطرة على شكل كوفي. تجارة واستثمار أصبح بيت القرميد في بيروت نادر الوجود، حتى أنه استعيض عن البيت الواحد ببناية كاملة، وكأن من يملك منزلاً عتيقاً يثير إعجاب الآخرين وليس فقط لامتلاكه البيت، بل لأنه مالك محتمل لبناية كاملة تقوم مكانه، بعد بيعه أو هدمه، لبناء شققاً سكنية، فمنطق الجمال وحجة التاريخ وتعابير أخرى لم تعد تطبق اليوم! بعدما طغت التجارة والأسعار وكواليس الاستثمار على أهمية البيوت العريقة وسقوف القرميد، وسط معالم الحداثة والأبنية الشاهقة. كيفما اتجهت في العاصمة والجنوب والشمال، تجد في كل قرية ومدينة حكاية مع القرميد المترسخ والمتجذر في ذاكرة أصحاب الأبنية، الذين يعددون مزايا هذه الصناعة وضرورتها في عملية العمران، وما تتطلبه من دقة وذوق وعمل دؤوب، يظهر في البيوت القديمة المبنية بالحجر، والمسقوفة بالقرميد، لتشكل نموذجاً تاريخياً للتراث الشرقي، فاكتسب بعضها شهرة واسعة، جعلته محط أنظار البعثات الأجنبية، ومرجعاً مهماً لتواريخ القرميد على أنواعه، بالرغم من أن هذا الفن انقرض في بعض الأماكن، أمام موجة البناء الحديث، البعيدة كل البعد عن الأصالة الشرقية، وروح التراث التي كانت تعطي بيوت القرميد رونقاً فريداً من نوعه، وكل ما يحمل من بصمات عربية. جماليات لا تضاهى يُلاحظ المتابع أن بيوت القرميد في مدينة بنت جبيل كمثال على هذه الصناعة، بعدما كانت مدينة جافة بعمرانها، تحولت الى أبنية تراثية حجرية، قلّلت من نسبة “الاسمنت” فيها، لصالح أبنية وبيوت مزجت بها بعض الأشياء القديمة مع جماليات لا تضاهى، مثل القرميد الأحمر الذي يضفي رونقاً جميلاً وفاخراً معاً. وبدأ القرميد الأحمر يزحف إلى المنازل خصوصاً في البلدات والقرى ليجمّل الصورة النادرة عن حركة العمران، حيث أصبح من النادر رؤية منزل كبيراً كان أو صغيراً إلاّ ويزدان سطحه بالقرميد الذي يمتزج مع اللون المحيط به ليرسم لوحة زاهية ومشرقة (فيما مضى كان القرميد شأناً تراثياً يلازم أي منزل في مناطق الجبال والريف، وبعض أحياء بيروت القديمة) وهذا ما رأيناه ولمسناه منذ ايام الحكم العثماني للبنان والمنطقة. أما اليوم فتحول المشهد العمراني إلى هواية بعيداً عن ما يسمى الضرورة والواجب، إذ يبادر أصحاب المنازل الجديدة إلى اعتماده مباشرة على السطوح وفوق النوافذ على أساس أن القرميد يضفي صوراً ومشاهد رائعة تتماشى مع الطراز السائد في عملية البناء. مميزات عديدة حول آلية هندسة البناء المتعلقة بالقرميد وتوابعه يقول المهندس عفيف الزيات: إن أنواع وأشكال القرميد تختلف بالنسبة للسطوح والسقوف وفقاً لكل جديد، وعملية الاختيار تتم وتخضع للظروف المناخية ومساحة المكان، وهيكلية “تسقيف” المنازل يدخلها مواد عدة، نستخدمها في الألواح الخشبية والمتداخلة، والقبب الزجاجية وصولاً إلى القرميد”. عن تعريف القرميد ومميزاته، يقول المهندس الزيات: “إنه عبارة عن قطع من الطين المحروق الأسقف، يثبّت على جسور من خشب، تحيطه من الأسفل ألوان مختلفة، وهو يستخدم في تغطية “الفايبر” أو قطع الألمنيوم أو ألواح من الخشب، إضافة إلى ذلك من الممكن إقامة سقف صناعي من البلاستيك أو آخر على شكل الهرم. أما مميزات القرميد فتبدأ في أنه يحمي المنزل من الأمطار، وخزانات المياه من حرارة الجو، ويبقي البيت والغرف فيه باردة في فصل الصيف مع إضفاء المظاهر والمشاهد الجميلة لشكل القرميد الذي يجذب الأنظار بفخامته وبساطته معاً”. وحول الأحجار المصنّعة من الطين أو المعدن المعالج، يقول: “من فوائده انه يمنع تسرّب المياه والأمطار، وألوانه لا تتغير مهما طالت السنين، عدا أن وزنه خفيف جداً فلا يحمل أية اثقال على البناء بشكل يرهق الأساسات، ويقاوم الرياح العاتية والرطوبة. لذا يبرز الآن إلى جانب القرميد المعروف، نوع آخر يعرف بالقرميد الزجاجي، وهو عبارة عن ستار يستقبل الضوء الطبيعي، ويشكل بمظهره العصري نموذجاً للبناء الحديث الذي يحمل أيضاً بصمات تراث الماضي”. الماضي والحاضر يشير مدير محترف الفن التشكيلي شوقي دلال، إلى رسم القرميد في عدة لوحات فنية، لميزته وتراثه، منوهاً بهذا النموذج العمراني العابق بأمجاد الماضي والحاضر، يقول: “وصلت فكرة القرميد إلى لبنان عبر الإرساليات الأجنبية منذ عام 1850. وأول مبنى قرميد ارتفعت سقوفه كان في “راشيا الوادي” وتابع لكنيسة السريان، وتاريخه في النصف الثاني من القرن 19، حيث شهدت المنطقة بعدها رواجاً في هذا الاختصاص، لاسيما القرميد الأحمر الفرنسي المعروف باسم “النحلة”. واستمرت عملية البناء للمنازل المزدانة بالقرميد فترة المئة عام، فأصبح الأمر تقليداً وحاجة إلزامية للعمران”. يضيف الدلال: “تأتي بعد ذلك “موضة” البناء العمراني الحديث والمتطور والبعيد عن التراث، فحلّ الإهمال في راشيا وقرى المنطقة عامة، وزوال القرميد حوّل البناء إلى كتل “اسمنت” وباطون، فغاب مشهد الجمال والأناقة والإبداع، في ظل غياب تام للمسؤولين والمعنيين الذين سمحوا بهدم هذا التراث عبر إعطاء رخص تخولهم طمس هذا المعلم الحيوي والتاريخي بكل فصوله ومتمماته، حتى رأينا القرميد يلفظ أنفاسه في كثير من القرى والبلدات التي كانت تتميز عن غيرها، لناحية جمال العمران والمصنّفة سياحياً ضمن لوائح التراث والتاريخ والثقافة السياحية”. ويبقى القرميد الأحمر حكاية نرويها لأولادنا حول زمن لا يزال يعيش معنا، بكثير من الحنين والدفء إلى ماضي الابنية التراثية، التي شكلت في محطات من تاريخ لبنان، ثورة في البناء والعمران. خطة إنقاذية تحتاج السطوح القرميدية الشامخة منذ عقود عدة في لبنان والتي تشكل أهم مظاهر الفن العمراني والتراثي؛ إلى خطط إنقاذ عاجلة، للحفاظ عليها من غدر الزمان ويد الإنسان! فبالرغم من بساطة هذا التراث وعظمته وقيمته التاريخية، حيث تنتشر أبنية القرميد الأحمر بحجارتها الهرمية الصلبة، يبقى “سوس” العمران الحديث ينخر في البيوت القديمة، تحت ذريعة “الموضة” والتطور ومواكبة العصر، إضافة الى ضيق ذات اليد من أجل الترميم والصيانة، فيتهاوى القرميد إلى غير رجعة، ويطمس التراث أمام استثمارات تجارية، وأبراج سكنية وحركة عمران عشوائية، رائدها الاسمنت والباطون.
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©