الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

صيف الأجداد.. ترحال وذكريات

صيف الأجداد.. ترحال وذكريات
24 ابريل 2016 00:26
أبوظبي (وام) يعيش جيل اليوم من الشباب والشابات بدولة الإمارات العربية المتحدة عيشة رغدة هنية وذلك لحرص قيادة الدولة الرشيدة على توفير كل سبل الحياة السعيدة لهم والانفتاح على الآخر وتبنيها الأدوات الحديثة التي سهلت الأمور اليومية للمواطنين والمقيمين في آن ما جعل حياتهم أيسر حالاً مقارنة بحياة الأجداد والآباء التي كانت تتسم بشظف العيش والكد والكدح سعياً من أجل الرزق. ويعتبر «جيل الشباب» اليوم أكثر حظاً من جيل الماضي الذي عاش أسير شروط المكان من تضاريس وعرة لا ترحم وطقس قاس ومناخ لا يقهر وعوامل طبيعية طاردة متحملًا تقلبات الطقس في بيئته ومقراً وخاضعاً لشروط ذلك كله..ومهما بلغت درجة ذكائه المستمدة من روح وبيئة المكان إلا أنها لم تتح له إلا نطاقاً معيشياً ضيقاً مقارنة بجيل اليوم الذي مكنت له قيادته، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» وأخوه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله» وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة تبني المخترعات والمكتشفات العلمية ما ساعد هذا الجيل على التقليل من تأثيرات الطبيعة وعواملها إلى درجة كبيرة، والاستغناء بهذه المخترعات والمكتشفات عن مواجهة الطبيعة ومعايشتها رغم حضورها القاسي. غير أن الرعيل الأول من أبناء الإمارات يجمع على أن هذا الأمر يبدو من الوهلة الأولى ارتهاناً حقيقياً لجيل الشباب يجعل ارتباطه في سد حاجياته والوفاء بالتزاماته بهذه المخترعات والمكتشفات أو نتائجها ارتباطاً رتيباً وعقيماً فلا مقدرة له بدونها ولا يستطيع تصريف أمور حياته بعيداً عنها. ويؤكد كبار السن في مجالسهم أن جيل اليوم لم يعد يعتمد كثيراً على عبقريته الذاتية التي يستمدها بعفوية من معايشته لأمور الحياة الروتينية وما تطرحه الطبيعة من تحديات فقد أصبح يؤمن إزاء هذه التحديات والصعوبات البيئية والمناخية التي تفيض بها الطبيعة من حوله بعبقرية وذكاء المكتشفات والمبتكرات العلمية الحديثة. ترحال لسد حاجة ملحة المواطن عبدالله أحمد المزروعي من المنطقة الشرقية (72 عاماً) من جيل الماضي.. يقول: «ينظر جيل اليوم للصيف على أنه وقت صعب وعسير يحتاج إلى ترتيب ومشورة ووضع مسارات واعتماد خطط وتحديد الوجهات المفضلة قبل الطيران نحو أماكن متعددة في بقاع العالم لم تسنح الفرصة لجيل الآباء والأجداد أن يعرفوا أسماءها قبل أماكنها». ويضيف: «في الماضي لم يعتد الأهالي على السفر في الصيف بل إن سفر الصيف في الماضي هو ترحال ضروري لسد حاجة ملحة حيث يرتحل الناس من المدن على الساحل إلى الأرياف والمصايف والواحات ويفرون بهذا السفر من المناطق الحارة إلى الباردة يتفيأون ظلالها ويجولون بأبصارهم في جناتها وأشجارها ويتنسمون طيب هوائها فتسر بها قلوبهم وتنتعش نفوسهم ويتجدد نشاطهم في وقت تعيق الشمس والحرارة حركة الناس وتطيب لهم الثمار والظلال فيميلون إليها. رحلات المقيظ ويقول المزروعي:« جيل اليوم في الإمارات يعيش حياة سعيدة بفضل المخترعات والمكتشفات العلمية لعصرنا الحديث والتي وفرت له صالات التزلج على الثلج وسط الرمال الحارقة، والملاذات المكيفة بالهواء البارد المنعش في الصيف الحار ومع ذلك لا يرضى بديلا عن السفر لوجهات بعيدة، فيحدد أماكن المنتجعات والفنادق الفخمة التي يود زيارتها عبر الأقمار الصناعية وقبل موعد الرحلة بساعات يحجز من خلال الإنترنت غرفته في المكان الذي يستهويه ليصلها بعد ساعات ويجد مفتاح الحجرة عبارة عن بطاقة ممغنطة تنتظره عند موظف الاستقبال في المكان المحدد بينما نحن في الماضي سفرنا لا يزيد على رحلات المقيظ أو الحضارة وهي عبارة عن قوافل منظمة على ظهور الإبل إلى الواحات في مناطق معروفة في المنطقة الشرقية مثل مسافي وكلبا ودبا وفي الشمال شعم والرمس ونواح من ساحل الباطنة في سلطنة عمان الشقيقة بينما أهالي أبوظبي يجدون متعة المقيظ في مدينة العين أو واحات ليوا في المنطقة الغربية. ويصف المزروعي موسم الصيف في الماضي وكأنه عكس صيف اليوم تماماً ويقول: «ينظر جيل اليوم للصيف على أنه موسم للسفر والارتحال بعيداً والتواجد في مكان بعيد طلباً للهدوء والراحة..إلا أن موسم المقيظ كان عكس اليوم تماماً فهو موسم تجمع والتفاف حول بعضنا والانتقال والسفر ناحية المقايظ والواحات والحيور(المناطق الجبلية) كل إلى حيث ينتمي كما أن الأسر وكل المجتمع لا يرى في المقيظ سوى أنسب الأوقات وأحلاها ولا ينتقل أهل الإمارات لقضاء الصيف أو القيظ في بلد آخر بل في بعض المناطق ذات الطبيعة الجبلية التي تجمع بين المرتفعات العالية(المصايف) والسهول المنخفضة(المشاتي) في مكان واحد متصل يكتفون بالانتقال في نفس المكان بين المرتفعات كمصايف والسهول كمشاتي لهم. صيفنا في بلدنا أحلى وحول ما إذا كان يقتصر تبدل عادات الصيف على الإمارات فقط، يقول: الآن نسمع ونقرأ اليوم مع إطلالة أيام الصيف دعوات من كل مكان في المنطقة لحضور ومشاركة المهرجانات السياحية التي تقام في كل بلد كل يسابق وينافس ويريد استقطاب الوفود السياحية والزوار والمصطافين يرددون الشعارات الموسمية والتي في مضمونها دعوة لطيفة للضيافة والاستمتاع بالمكان مثل:(45 يوماً من مرح الصيف) أو(أهلا بالضيف والصيف) أو(صيفنا في بلدنا أحلى).. ويعنون بلا شك أن الصيف أهنأ وأكثر جمالا في مكان المهرجان المقصود وتزين المدن بالأنوار وتضاء لياليها وينشط أصحاب التجارة والخدمات من أجل الاستفادة من الفرصة تجارياً ويعتبر موسماً لهم يبيعون ما اعتاد السائحون البحث عنه وتزف المدن في حلل حتى أنه يطلق على بعضها عروسا. ويؤكد أنه ظهرت في المنطقة وليس في الإمارات فقط مسميات عديدة مثل عروس البحر وعروس الخليج وعروس الشمال وعروس الصحراء وعروس الجبل وعروس المصايف.. بينما في الماضي أرى أن كل قرانا وواحاتنا أحلى لأن وقت الصيف يصادف ما نسميه(المقيظ) أو نضج التمور والفواكه وهذا هو الأحلى بالطبع ولا يحتاج إلى ترويج ودعاية عنه فالكل يعرفه ويشهد به. ويقول المزروعي:« لقد كان صيفنا فيما مضى أحلى بالفعل فالطعم الحلو هو ما يرافق كل صيف وتعطينا إياه تمور النخيل وثمار الفاكهة ذلك لأنه وقت يبشر فيه النخيل ويكثر التمر وتنضج الفاكهة ويشبع أهل الواحات والمزارعون ويفرحون باستضافة أقاربهم وتوافد أولادهم من كل مكان كانوا يعملون فيه ليقضوا وقت الصيف أو القيظ في تجمع مؤقت ينتهي بانتهاء فترة المقيظ لهذا كان بالفعل صيفا أحلى». ويوضح أن أيام الصيف أو القيظ كانت تعد أطيب أيام السنة لما فيها من خيرات وما تجود به من ثمار يانعة يحين وقت قطفها. موارد الماء ويشدد المواطن عبدالله سهيل المزروعي من أهالي محاضر ليوا(77 عاما) على أن التجمع في الصيف لا يقتصر على أهل الحضر في الإمارات بل إن للبادية أيضاً تجمعهم ومجالسهم العامرة بعد تفرق وشتات حول المراعي ومناطق الصيد. ويشير إلى أن صحراء وبادية الإمارات معروفة بنهارها الجاف الحار وليلها المعتدل نسبيا وجمال صباحها ومسائها وأنس سكناها لولا الفقر وقلة الموارد حينها وفي الوقت نفسه قلة الماء بل ندرته وانعدام ماء المطر صيفاً في معظمها.. لهذا صار للبادية كما للحاضرة برنامجها وأسلوب حياتها السنوي من حيث التنقل والارتحال ومن حيث التجمع والتفرق فموسم الخير والربيع يفرق البادية في كل مكان طلباً للعشب وتتبع الكلأ ومساقط المطر وحياة مواشيهم فلا يحدهم حد ولا يلتقي لهم جمع.. والمساحة التي تحتضنهم مفتوحة كالسراب وتكون أكبر من تلاقيهم أو تجمعهم لكن الصيف عكس الربيع يفرض عليهم السفر إلى موارد الماء والبقاء حولها هو خيارهم الوحيد. ويوضح المزروعي أن تجمع أهل البادية على الموارد بعد التفرق الحاصل في الربيع يدل على أن لكل من أهل البادية وأهل الحضر تجمعاً فتجمع البادية يكون في الصيف حول موارد الماء القليلة وحول الواحات حيث الزراعة والتزود بالتمور وما يلزم وهذا لا يعني أن الشتاء فيه تفرق شامل بل فيه تجمع محدود أيضاً حول أماكن الدفء النسبي قريبا من الكثبان الرملية ومهابط الأرض وقرب العروق. ويؤكد أن التجمع الكبير للحضر وكذلك التجمع للبدو يكون في فترة القيظ حيث المقيظ الذي يتكرر كل عام ولعل الحضر وسكان البادية والواحات ينتظرونه ويجعلون منه موعدا وموسم لقاء اجتماعيا فيه مظهر الرضا والغنى والكرم وإمكانية الضيافة في كل وقت والتفرغ لقطف الثمار والفرح بالعطاء حيث يتوفر الخير الكثير لديهم بصفتهم مزارعين فإما أن يكون موسم حصاد الزرع أو خراف النخيل لكن عند البادية يكون موسم التجمع والغنى وتوفر الخيرات في الربيع حيث توفر الماء والمراعي والزرع وبالتالي زيادة غذاء المواشي، انتعاش قوام اقتصادهم. ليالي القيظ الصحراوية ويضيف المزروعي:« تعتبر ليالي القيظ في المناطق الصحراوية المفتوحة وفي أجواء القرى وبين المزارع من أجمل ما يقضى الناس أوقاتهم متمتعين بها ولهذا يعوض أهالي الإمارات حر النهار اللافح بوقت ممتع هو ليالي المقيظ مستمتعين بنسيم بارد ورؤية سماء صافية وهدوء يعشقه الجميع وكذلك في الصباح الباكر حيث نسيم الصباح والصبا. أما وسط النهار ولفح السموم فهو عائق عن الأسفار وعن كثير من الأنشطة ولا يعملون وقت الظهيرة لأنه مخصص للراحة وتؤجل كل أو جل ساعات العمل إلى المساء ولهذا ليس من المستغرب أن تسقى الزروع وتعمل الأفلاج من وقت منتصف الليل حتى شروق الشمس وارتفاعها في صباح اليوم التالي. وتمضي الأيام وتتغير الأحوال ولكن يبقى من صيف الماضي ذكريات ضاربة في روح المكان وقلب الإنسان رغم اختفاء الكثير منها اليوم. السفر العكسي يعود المواطن عبدالله سهيل المزروعي من أهالي محاضر ليوا (77 عاماً)، بنا إلى النصف الأول من القرن الماضي، حيث عانى سكان الإمارات من شظف العيش إثر تراجع تجارة اللؤلؤ وتلاشي مهنة الغوص وما تلاها من أحداث الحرب العالمية الثانية التي لم تضع أوزارها إلا بعد أن أتت على الأخضر واليابس، فعانى أهل الإمارات كثيراً، واتجه ذلك الجيل للسفر والهجرة لدول الجوار من أجل تأمين لقمة العيش لهم ولأسرهم. ويقول: «في موسم القيظ الآن تقل الأعمال، لأن الجميع يستعد للهروب نحو وجهات بعيدة، ومن لا يخطط للسفر خارج الدولة يلجأ للراحة في المنازل الوثيرة المكيفة، إلا أن الرعيل الأول الذي تغرب كان ينتظر موسم الصيف بصبر، لأنه يعني لهم الشوق والتوق إلى إرواء دوافع الحنين، وهذا ما يطلق عليه اليوم وقت عودة الطيور المهاجرة، وأعني المسافرين من أجل العمل، واجتماع شمل العائلة بعد تفرق في البلدان وانتفاء الغربة، والحل بعد الترحال، والتلاقي بعد الغياب، والأنس بعد الوحشة، والهدوء بعد القلق وانتهاء فترة الفراق».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©