الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لكل نبي آية وبرهان يؤكدان صدقه وتخضع لهما رقاب المعاندين

لكل نبي آية وبرهان يؤكدان صدقه وتخضع لهما رقاب المعاندين
17 فبراير 2012
أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنياناً فأحسنه وأكمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين». إن التأمل في مجريات الأحداث، وتعاقب الليل والنهار ينفث يقيناً فطرياً بحاجة الإنسان إلى هداية الله، تلكم الهداية الربانية التي دائماً ما تأتي الإنسان عن طريق أنبياء الله ورسله فيدعون الناس إلى الخير، ويأخذون بنواصيهم إلى البر، ويهدونهم إلى سبيل الرشاد. والمتأمل في سير الأنبياء والمرسلين يجد أن لكل نبي منهم آية وبرهانا تؤكد على صدقه وتخضع لها رقاب الجاحدين والمعاندين، فكانت العصا لموسى عليه السلام آية ظاهرة على فرعون وجنوده، وكان إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى بإذن الله بينة ظاهرة لعيسى على قومه، وبالجملة كانت آيات الأنبياء والمرسلين موصولة بالمجال الحسي المنظور أو المسموع. فلما بلغت الإنسانية رشدها، وخرجت من أطوار طفولتها إلى طور تحكيم العقل والخضوع لإرادته وسلطانه، جاءت المنحة الإلهية، والهداية الربانية المتمثلة في رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، فجمع لهم بين المعجزات الحسية التي تأخذ بالأنظار والأسماع، والمعجزة القرآنية التي لها سحرها في المجال المعنوي، التي تدعوا الناس إلى تحكيم العقول، وطلب البرهان والمنطق والدليل، وفى هذا المجال اتفقت كلمة جميع الأنبياء وسائر المرسلين، ومن ثم كان النبي صلى الله عليه وسلم يعبر بكلمة الأخوة عن الصلة والعلاقة الجامعة التي تربطه بسائر أنبياء الله جميعاً، وهذا ما عناه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال «أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة ليس بيني وبينه نبي، والأنبياء أخوة أمهاتهم شتى ودينهم واحد». وحدة الدين وبهذا ندرك أن أنبياء الله ورسله عليهم السلام في اختلاف شرائعهم ووحدة دينهم أخوة أبوهم واحد وهو الدين، وأمهاتهم مختلفات وهن الشرائع، أما وحدة الدين فلقيامه عند كافة الأنبياء والمرسلين على إخلاص العبودية لله في الطاعة، والإيمان بكتب الله تعالى ورسله وملائكته والبعث والجزاء«لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ»، الآية الأخيرة من سورة البقرة. ومعنى هذا أن الدين في وحدته لدى سائر الأنبياء والمرسلين لا أثر فيه بزمان أو مكان أو بيئات ذلك أنه في جوهره وحقيقته يقوم على أصول ثلاثة لا بد للمجتمع أي مجتمع من رعايتها حق رعايتها لأنها سبيل المجتمعات إلى الطمأنينة، ووسيلة الناس إلى السلام والسكينة، هذه الأصول الثلاثة هي: إيمان بالغيب يخشاه الإنسان ولا يعذب عن خاطره في كل حال. عمل صالح به يترجم عن قوة إيمانه وفي الوقت ذاته تنتظم به شؤون الناس في المعاش، ومن ثم فلا ظلم ولا بغى ولا عدوان. جزاء به تستقيم أمور الناس في الدنيا، ومن خلاله يبلغون الفلاح والنجاح في الآخرة. هذه الخصائص الثلاثة لدين الله دعائم كل رسالة، وأساس كل نبوة في كل بيئة أو زمان أو مكان، وأما اختلاف الشرائع باختلاف المرسلين، فذلك لقيامها على مصالح الأمم على حسب الأحوال والبيئات، ومن ثم كانت مختلفة متفاوتة في فروعها، وصدق الله تعالى إذ يقول (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)، «سورة المائدة، الآية 48»، وبهذا فاختلاف الشرائع في الفروع مرجعه إلى اختلاف المصالح بين الناس، أما الدين فوحدته مرجعها إلى ضمانة التحقيق لكل المصالح الاجتماعية العادلة، ودين الله تعالى واحد منذ الأزل، فأساس التدين الفطرة، وأساس الفطرة التوحيد، ودين الأنبياء جميعاً هو الإسلام، يقول سبحانه (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ...)، «سورة آل عمران، الآية 19». دعوة محمد ويقول سبحانه (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ)، «سورة الحج، الآية 78». أي من قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم، ومن قبل مبعث إبراهيم، الإسلام هو دين الجميع فكل من اعتنق دين الله وتمسك بجوهره ومضمونه من إسلام الوجه لله، والخضوع المطلق لجلاله، والتوكل عليه، والانقياد والاستسلام لتدبيره وأمره سماه الله منذ الأزل مسلماً، وبهذا يتضح أن وصف الإسلام لا ينصب على من آمن بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم أو من بعده فحسب، بل هو وصف ولقب أطلقه الله منذ الأزل على كل إنسان آمن برسوله الذي بعث إليه في زمنه، وعلى كل من وحد ربه، وأسلم وجهه وقلبه وأمره كله لرب العالمين، والمتتبع لآيات القرآن الكريم يجد أن كل شريعة ما قامت في جوهرها وكينونتها إلا على التوحيد. يقول سبحانه (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ)، «سورة الأنبياء، آية 25». وما من رسول قبل سيد البشر وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم إلا كان مسلماً، كما أخبر الله تعالى بذلك، إذ قال في حق نوح (فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) «سورة يونس، آية 72». وقال في حق إبراهيم (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، «سورة البقرة، آية 132». وقال في حق يوسف عليه السلام (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)، «سورة يوسف، آية 101». وقال عن موسى (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ)، «سورة يونس، آية 84». ويقول في حق عيسى والحواريين من قومه (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)، «سورة آل عمران، آية 52». مبدأ إسلامي أما محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، فقد روى الحق سبحانه وتعالى عنه قوله (وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ)، «سورة الزمر، آية 12». ثم تسوق سورة فصلت هذا المبدأ الإسلامي للمسلمين جميعاً، فتقول (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، «سورة فصلت، آية 33». وبهذا يتضح أن الإسلام قد أنزله الله سبحانه مجزأً على الأنبياء والمرسلين ثم كاملاً على خاتمه محمد صلى الله عليه وسلم. ويتضح كذلك أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يأت بدين مستقل جديد، وإنما جاء ليصلح دين الله مما طرأ عليه من غلو وجهالة وضلال، وليهدى الأمم في مستقبلها إلى طريق الله تعالى المستقيم الذي أرسل الله به سائر الرسل والأنبياء والذي أكمله وأتمه سبحانه على يد محمد صلى الله عليه وسلم بما جعله ديناً أزلياً للناس كافة إلى يوم الدين (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا)، «سورة المائدة، آية 3». د. محمد عبد الرحيم البيومي كلية الشريعة والقانون - جامعة الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©