الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«مجرد دمى» و «عائلة خمسة نجوم» تعرضان مرثية للواقع العربي ونقداً لظواهر اجتماعية سلبية

«مجرد دمى» و «عائلة خمسة نجوم» تعرضان مرثية للواقع العربي ونقداً لظواهر اجتماعية سلبية
23 مارس 2010 21:25
شهدت فعاليات اليوم السادس من مهرجان ايام الشارقة المسرحية، مساء امس تقديم عرضين هما: «مجرد دمى» لمسرح الشارقة الوطني و«عائلة خمسة نجوم» لمسرح الفجيرة القومي. مسرحية «مجرد دمى» عرضت على خشبة مسرح المناعي بمنطقة الشارقة القديمة، وذلك في سادس أيام مهرجان الشارقة المسرحي، وكان العرض خارج المسابقة وخارج سياق ومسار كل العروض التي شاهدناها والتي سوف نشاهدها في المهرجان، لأنه عرض خاص، لشخصية خاصة، وقامة مسرحية عالية، تملك عُدتها الكافية من الجرأة والاحتجاج والهذيان الأنيق. احتضن مسرح المناعي الصغير في مساحته، والكبير في قيمته، كل الصراخ المدوي في دهاليز الذات، وفي متاهة الخارج، والذي رسم خطوطها وتعرجاتها الشاعر والمؤلف الإماراتي أحمد بوخشيم، ودفع بالمناعي إلى ترجمتها وتحويلها إلى زخّات من الملح فوق شروخنا وجروحنا العصية على الشفاء والاندمال، فمنذ دخول المتفرج إلى ساحة المسرح الخارجية تصادفه الرموز الغامضة والمخيمات البيضاء والأسلاك الشائكة التي سورت المكان، وكأنها المسامير والسكاكين التي انغرست في ذاكرتنا الجمعية والمغيبة في آن، ذاكرة الوجع والفجيعة، وذاكرة الأرض السليبة والمصلوبة على عمود التاريخ وأفق الجغرافيا. ندخل إلى الممر المفضي إلى الخشبة، ونستمع لتلاوات مضللة، ونشاهد حائط المبكى ورؤوسا تتمايل بقربه وكأنها جذوع نخل خاوية، وفي الصالة نرى ثلاث شخصيات تخترق الممرات الضيقة والكراسي المزدحمة، كي تقتحم الخشبة وتعبّر عن انكساراتها وضيقها وتمردها على الأدوار التمثيلية التي نمّطت وأطّرت هذه الشخصيات وحولتها إلى مجرد دمى وإلى حالات تعبيرية مجردة يتحكم بها المخرج الأشبه بالطاغية متى وأينما شاء، قدم الشخصيات الثلاث كل من الممثلين أحمد يوسف وذيب داوود، والممثلة عهد، وبدت كل شخصية وكأنها تعيش حالة خاصة من البوح والاستدعاء والحكي الحرّ والمسترسل والمتناوب بين شعرية الفصحى وسردية العامية المحلية، تتقاطع هذه السرديات وتنفصل مع الدخول والخروج المكرر لشخصية «المجنون» التي أداها الممثل رامي مجدي، والتي تبدو أكثر حكمة وحرية من الأجساد البشرية المعطلة والمدانة على خشبة المسرح وفوق كراسي الجمهور أيضا، يدين المجنون عقلاء الزمان لأنهم بلا إرادة ويكسوهم الذل والخنوع والحياد المطلق. وقبل ان ينتهي العرض يخرج الممثلون إلى الباحة الخارجية للمسرح ويتبعهم الجمهور ليتواصل العرض ولكن بكثافة واقتصاد هذه المرة، لأن ديكورات وسينوغرافيا الباحة كانت تقول وتلخّص وتستوحي كل الملامح الدامية للقضية الفلسطينية، كما أنها عبّرت عن الشتات والخراب وعن وطأة الهم العربي المؤلم والغائر في فكر وضمير المخرج عبدالله المناعي. تقول الحكمة القديمة «إذا صادقت الوحوش فاحذر أن تكون مثلهم، وإذا نظرت طويلا إلى الهوة فاحذر أن تقع فيها، لأن الهوة تنظر إليك أيضا» !! مقولة وحكمة نسجت خيوطها في تفاصيل وفضاءات عرض «مجرد دمى» لتقدم مرثية خاصة للواقع العربي ولتعرض بكائية مسرحية تفيض بالإدانة والمرارة معا. فرغم إعاقته الجسدية ومرضه الطويل أثبت المناعي من خلال هذا العرض أنه مازال يملك هذا الوعي المتعافي وهذه الروح المتدفقة مثل شلالات من البريق والوهج والنقاء الذي لا يصدأ. وفي العرض الثاني الذي بدا في الجهة النقيضة والمعاكسة تماما لعرض المناعي قدمت فرقة مسرح الفجيرة القومي المسرحية الاجتماعية الكوميدية «عائلة خمس نجوم» والمسرحية التي احتضنها قصر الثقافة بالشارقة وعرضت خارج مسابقة المهرجان من تأليف حميد فارس وإخراج مبارك ماشي وشارك بها مجموعة كبيرة من نجوم الكوميديا والدراما في الساحة المسرحية المحلية وهم: سعيد بتيجا، وجمعة علي وحميد فارس وعبيد الهرش وفاطمة جاسم وإلهام محمد وزينب المعمري وغيرهم. قدمت المسرحية نقدا للظواهر الاجتماعية السائدة والسلبية ولكن في قالب ينتمي للمسرح الجماهيري ويحقق مواصفاته التجارية الصرفة والمليئة بالقفشات وبكوميديا الموقف. حاول الممثلون أن يبرزوا مواهبهم الأدائية خلال العرض بقدرات متفاوتة واقتراحات ذاتية اعتمدت على عنصر الارتجال وخلق المفارقات في إطار المشهد الواحد، واستطاع الممثل جمعة علي بقدراته الأدائية الخاصة، وحضوره الطاغي أن يملأ فراغات العرض، وأن يقلل من رتابة بعض المشاهد رغم الطول المفرط في زمن الحكاية ودخولها في تفاصيل ثانوية ومتشعبة وزائدة عن الحاجة. استطاع العمل بفضاءاته الشعبية ونكهته المحلية أن يجتذب جمهوره الخاص به، ولكنه كان بحاجة لنوع من التشذيب الزمني والتقليل من الفواصل الغنائية والاستعراضية الطويلة، كما احتاج العرض لنوع من التحكم والترويض في رؤيته الإخراجية والسردية المفرطة، خصوصا وأن الخط العام للقصة كاد أن يفلت من قبضة المخرج في أكثر من مشهد وفي أكثر من نقلة، ما أدى إلى إقحام الممثلين في متاهات مشهدية لم يستطيعوا في أوقات كثيرة الخروج منها بحلول أو نهايات مقنعة وموفقة. بكاء المناعي بكى عبدالله المناعي فور انتهاء عرضه المسرحي «مجرد دمى»، وهذا البكاء الطاهر والصادق الذي حاكته تعابير المناعي بدا وكأنه قصيدة منكسرة ولكنها تفجّر شظاياها نحونا في كل وقت. بكى المناعي قهرا، وأهدانا بلاغته التي لا تحتاج إلى ترجمان، رغم تدفقها من ينابيع الصمت والأسى والغصة العميقة في دواخله، ذرف المناعي دموعه الحارّة والعزيزة كي يغسل قلبه وقلوبنا ويجلوها من الغبار الكثيف والهواء الفاسد للواقع العربي المشبع بالانهزام والتخلي والخسارات المتجذرة فينا.
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©