الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علم التأويل

علم التأويل
10 ابريل 2008 01:57
التّأويل علم إسلاميّ جليل لم يأخذْه العرب عن قدماء الإغريق، ولا استعاروه من أيّ أمّة من الأمم الكبيرة كالهند والفرس، بل هو إجراء يمكن أن يقع لأيّ أمّة متحضّرة حين تقرأ النصوص، وتسعى إلى تعمّق فهْمها، ولذلك استفاض استعمال هذا الإجراء في الثقافة الإسلاميّة منذ نزول القرآن العظيم· وإذا كان الغربيّون، وخصوصاً الفلاسفة الألمان، في الأزمنة الحديثة، سَعَوْا إلى تعميق مفهوم التأويل، وتفريع إجراءاته لتطويعها في قراءة النصوص الفلسفيّة، وعلى رأسهم المفكّر الألمانيّ هانس جورج ادامير، فإنّ الإسلام انطلاقاً من القرآن الكريم نفسِه، تعامَل مع هذا المفهوم تعامُلاً فكريّاً وجماليّاً ومعرفيّاً تعامُلاً واعياً، فكان في القرآن العظيم من الآيات مُحْكُمُها ومُتشابِهُها، وما كان مِن مُتشابَهِها يحتاج إلى تأويل، وكان في الحديث النبويّ النّص الذي يمكن أن يُفهم على عدّة معانٍ فكان الفَزَعُ إلى التّأويل أمراً لا مناص منه لدى علماء الحديث لتفسير المعنى· ولَمّا دعا النبيّ لعبد اللّه بن عباس، وهو حبْرُ الأمة، قال: ''اللّهم فقِّهه في الدين، وعلِّمْه التّأويل''· ثمّ جاء المعتزلة فوسّعوا من دلالات هذا المفهوم بحكم أنّهم يعوّلون، في معرفة الأشياء والخوض فيها، على العقل، لا على النقل؛ فحالوا أن يؤوّلوا بعض الآيات القرآنيّة تأويلاً يتواكب مع مبادئ مذهبهم، وردّ عليهم أهل السنّة باستعمال التّأويل نفسه، فكانت حركة فكريّة إسلاميّة خصيبة رائعة··· ولَمّا جاءت الحضارة الغربيّة منحتْ هذا المفهوم الذي هو ليس منهجاً، ولكنّه إجراء يقَعُ التظاهُرُ به على فهْم النّصّ، كلّ عنايتها· ولعلّ أكبر كتاب يتناول هذا المفهوم من كلّ مناحيه كتابُ أمبرتو إيكو الذي ظهر بعنوان: ''حدود التأويل''· والحقّ أنّه ليس للتأويل حدود، وإلاّ تقلّص إجراء التّأويل فغدا مجرّد أداةٍ قاصرة لحصْر النص المقروءِ في معنىً معيّنٍ لا يعدوه؛ وكان الأَولى أن يكون عنوانُ هذا الكتاب الكبير ''هل للتأويل من حدود''؟ أو ''لا محدوديّة التّأويل''· وقد نشأ عن هذا النشاط الفكريّ الذي كان ابتدأه الفلاسفة الإغريق ياء المذهبيّة فقيل: ''التّأويليّة''، فاستُعمِل ذلك في اللّغة النقديّة والسيمَائيّة المعاصرة ليقابل قولهم: ''الهِرْمينوطيقا''· ومن عجبٍ أنّ هذا الإجراء تنازعتْه جملة من العلوم فاتّخذتْه أداة من أدواتها، في خوض المعرفة وتقنين منهجها، فعزتْه الفلسفة، بشرعيّة، إلى نفسها؛ كما تبنّتْه السِّيمَائيّة فأضافتْه إلى لغتها، ولم يكن النّقد بِدعاً من ذلك، فتسلّح بهذا الإجراء في فهم النّصّ وتحليله· وأيّاً ما يكنِ الشأْنُ، فإنّنا محتاجون، نحن العربَ، إلى كتاب جليلٍ يكون بمثابة ''نحو السيمَائيّة''، نعود إليه لدى الاقتضاء مثل كتاب ''حدود التّأويل'' لأمبرتو إيكو، ولذلك نُهيب بالذين يهوَون الترجمة أن يسهَروا على ترجمته، مع صعوبة نقْل المصطلحات المعقّدة الكثيرة التي وردتْ فيه إلى اللّغة العربيّة، نقْلاً واضحاً: استعماليّاً، ودقيقاً: معرِفيّاً·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©