الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«الطفل المفقود».. الجزء الرابع من ملحمة الغامضـة «فيرانتي»

«الطفل المفقود».. الجزء الرابع من ملحمة الغامضـة «فيرانتي»
5 مارس 2018 01:22
مدني قصري (باريس) الروائية الإيطالية الغامضة، إيلينا فيرانتي، تختتم رباعيتها بأكثر من 2000 صفحة، والتي بيعت بعشرة ملايين نسخة في جميع أنحاء العالم. قصة صديقتَي طفولة، تغطي ستّين عاماً من تاريخ إيطاليا. حَياتانِ متشابهتان جداً، ومختلفتان جداً. صداقةٌ معذبّة لصديقتَي طفولة، وُلدتا في حيّ فقير في نابولي في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين. قصّةٌ تمتدّ من الشباب إلى الشيخوخة. فالصديقتان مزدوجتان، متناظرتان، مِرآتان معكوستان، ضدان. الواحدة، الموهوبة ليلى سيرولو، غارقةٌ في الاندفاع والدمار. والثانية، الموهوبة لينا غريكو، تائهةٌ في التفكير والبناء. ليلى لا تترك حيّها في نابولي، لأنّ عالمها الداخلي محتدِمٌ دائماً. فهي لا تحتاج إلى الذهاب إلى الحياة، لأنّ الحياة تفيض من كيانها الجواني. عالمُها ضيّق وكثيف. أمّا لينا فهي تسافر في جميع أنحاء العالم، لتعزّز بنجاح كتبَها. فهي تبحث دائماً عن تجارب جديدة تغذي بها عملها الإبداعي. لقد أضحى عالمُها واسعاً وراسخاً. ليلى سيرولو، التي تمكث في حيّها، تعيش في الحركة الدائمة. ولينا غريكو، التي تغادر حيّها، تعيش حالة استقرار شبه دائمة. علاقتهما قلْبُ جداريةٍ عميقة، غيابُ المشاعر فيها يضرب القلب. الروائية الإيطالية ايلينا فيرانتي تُعامل الصداقة كما نُعامل نحن الحب. إنها تجعل منها شغفاً ممتداً وعشقاً حقيقياً. تروي لنا مؤلفة الرباعية، التنافسَ، والغموضَ، والولاءَ، والفرحَ، والدموعَ، والثقةَ، والخيانة. لينا وصلت إلى حدّ تمنّي الموت لصديقتها ليلى. صديقتان متشابهتان جداً، ومختلفتان جداً. إنه السعيُ لأن تكون كل منهما شخصًا آخر، وأن تكون في مكانٍ آخر. الصديقتان تكافحان من أجل عدم العودة إلى بؤس الحي، حتى لا تظلا سجينَتين في دور الأم. ولكن، هل يمكن الهروب من الماضي دون إنكار الأسرة؟ تتخلى ليلى عن دراستِها لتنطلق في العمل النشط. وتواصل لينا دراستَها وتصبح كاتبةً يُحتفَى بها. نجدُهما هنا في أواخر السبعينيات، وعمرُ كل منهما في الثلاثينات. ليلى تعمل مع إنزو في مكتب كمبيوتر صغير في نابولي، ولينا تعيش علاقة حبّها مع نينو، وتسافر إلى مختلف البلدان. ويستمر تنافُسهما من خلال أطفالهما. عالمُ الروائية إيلينا فيرانتي نمطٌ دائري، وهواجس ذهنية، وحيوات في حلقات. تروي الروائية سِحر وتنافر الأصول. الصديقتان تنجذبان وتنفُران من حيّ نابولي الشعبي. تنفصلان وتلتقيان بلا انقطاع. العاطفة الجياشة انفعالٌ يستمر بين الصديقتين، خارج المنطق، وتظل علاقتهما علاقة شغف مستمر. تظل لينا متيقّظة حول تفوَق ليلى الأخلاقي والذهني بين مجموعة الأصدقاء: «كلنا انحنينا، بعضنا للبعض الآخر، وهو ما جعلنا في النهاية، عبر التجارب والإخفاقات والنجاحات -نصغُر ونتقلص» إلا «ليلى» فهي لا تصغر ولا تتقلص. قوة اللوحة الأدبية، وهي أكثر من 2000 صفحة، تكمن في مستوياتها المختلفة من القراءة. إيلينا فيرانتي تربط الحميمية والحياة الاجتماعية بالحياة الشمولية والخاصة، وبالخيال والتفكير والتأمل، وبالبرود العاطفي والشغف. كل شيء قريب، كل شيء بعيد، عند إيلينا فيرانتي. الصديقة المذهلة هي أيضاً تاريخ إيطاليا السياسي والاجتماعي المُقَطّع. مواضيعُها الرئيسية هي العنف والأمومة والصراع الطبقي والفساد والبطريركية. وصفٌ طويل وبارع وقاسٍ لملامح الغاوي الفاتن نينو ساراتور عبر علاقته مع لينا غريكو. إيلينا فيرانتي لا تُبسّط أي شيء. فهي روائية نسوية لا يقبل طبعُها النسوي أيّ تناولات. تفاصيل سوارٍ لامعٍ في محفظةٍ حمراء تكشف عن تعقّد الكائنات. «خلافاً للقصص، الحياة الحقيقية، بعد أن تمر، تميل ليس نحو الوضوح ولكن نحو العتمة». اختارت الروائية إيلينا فيرانتي أن تبقى مجهولة. وُلدت في نابولي، في عام 1943. لا نملك سوى أن نخمّن، ونحقّق، ونطارد، ونشك ونؤكد، ولكننا في النهاية لا نعرف هُويتها على وجه اليقين. فهي لم تؤكد لنا يوماً أيّ شيء. جسدُ الكاتبة قرّر أن يتلاشى خلف مدوّنة الكاتبة. اختيارها عدم الكشف عن هُويتها هو في حد ذاته نداءٌ للأدب. إنّ السرّ والصمت أمران أساسيان في أيّ عملٍ إبداعي. مهما حاولنا أن نوضّح فإنّ هناك شيئاً سيظل يقاوم. النصُّ العظيم فتحٌ وليس غزواً. ليس هناك أدبٌ حقيقي دون شكلٍ منجَزٍ من الغموض. كل شيءٍ مسألةُ رغبة وتوتّر. إذا كنا نرى كلّ شيء، وإذا كنا نعرف كل شيء، فلن يبقى لنا شيٌ نقرؤه، وقد نجرؤ على القول أيضاً أنْ ليس هناك شيء نعيشه. بعد أن احتضنت ستّين عاماً من قصّة البطلتين، وقصّة نابولي وإيطاليا معاً، تنتهي الملحمة في خاتمة عظيمة. أكثرُ من أيّ وقت مضى، في روايتها «الطفل المفقود»، تعطينا إيلينا فيرانتي عالَماً كاملاً، غنيّاً ومُربِكاً، على شاكلة الروائيين العظماء في القرن التاسع عشر... إنه عالَمٌ لا يُنسَى.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©