الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بدوُُ بدأنا.. وبدواً نعود

14 فبراير 2015 23:13
ساسي جبيل (أبوظبي) للبداوة سحرها وعراقتها، وامتدادها في أوصال كل منا، إنها البساطة والتلقائية والضوح، ومن خلالها تتجلّى الكثير والمفاهيم والقيم مثل الكرم العربي في الضيافة وإغاثة الملهوف والمستجير، وخلف خيامها نتعرف على قصص ذلك الزمان الغابر وشخوصه كما نستمتع بالشعر والغناء والعزف على آلات مختلفة. فحياة أهل البادية كتاب مفتوح يزخر بكل ما هو أصيل ويعطي صورة واضحة المعالم لطريقة وأسلوب عيشهم، في حلّهم وترحالهم بكلّ التفاصيل التي تقيم الدليل على أن حضارتنا بنيت على أنقاض بادية، فهي على بساطتها عميقة عمق أهلها وصفاء سريرتهم ونقاء أرواحهم. فهذا بيت الشّعر، خيمة للسكن والاستراحة والاجتماع، تحميهم من الحرّ والقيظ من لفح الرّياح وغبارها وهي أيضاً ملتقى للحوار والسّهر على أنغام تشنف الأسماع ومجلس للضيوف والأهل، هناك حيث تقدم التمور والحليب وتوقد عند مدخل الخيمة المترامية نار تستوي عليها القهوة العربية اللذيذة، تلك النار التي كانت تهدي الضيوف بعد الغروب ليهتدوا إلى المجلس حيث يترشّفون قهوة قدّت من بن غالباً ما يدق ويسحق ويقلى أمام الضيوف ثم يقدم ترحيباً بالزائر، كما يقدم القرص الذي يصنع من طحين القمح ويصب عليه الماء ويعجن ثم يوضع على الجمر ويغطّي وهو الوجبة الرئيسية لأهل البادية، كما يعجن أحياناً مع التمر ويقدّم للضيوف أو يخزن ليحمله البدو في أسفارهم. ويحرص أهل البادية دائماً على توفير آلة الربابة الوترية التي تشدّ على قطعة خشبية من شعرات ذيل الحصان أو خيوط شديدة الصّلابة لتتحمل العزف عليها، وكلّما شدّت الخيوط كان صوتها أعلى، وشاعر الرّبابة الذي يقدّم الأهازيج والمواويل البدوية يبدأ السّمر والسّالفة كما يتبادل الشعراء قصائدهم، فبيوت الشعر متنفّس كل أهل البادية ومجلسهم الأوحد الذي لا غنى عنه. وفي البيئة البدوية بمهرجان قصر الحصن، إبل وخيل وغنم وماعز وصقور وكلاب وسلوقي وكلاب حراسة وأغلب هذه الحيوانات يستخدمها البدو في أغلب الجوانب الحياتية، فالإبل للسفر وحلب اللّبن الغذاء الأوّل لأهل البادية، والخيل للسفر والزينة وهي مرتبطة بنمط حياة العربي قديماً وحديثاً، كما يحظى الصقر بعناية خاصّة من لدن البدو كما هو الحال في عموم المجتمع الإماراتي. وتعتبر البيئة البدوية تصوّر تصويراً خاصاً صفاء وبساطة المجتمع البدوي الذي يبقى عالقاً في الذاكرة رغم هذا العصر المسرف في سرعته. مثّلت البيئة البدوية دائماً نموذجاً حياً ينبض بقيم عربية أصيلة وعادات لم يأت عليها الزّمن تثير الناظرين لجمالها وبهائها وتقول لأجيال الحاضر: هكذا كان الآباء والأجداد من خلال عاداتهم وتقاليدهم المميّزة، فهؤلاء المعروفون بأشعارهم وجلساتهم وموسيقاهم الخاصة ولباسهم الأصيل المتكوّن عادة من جلباب بدويّ وسروال ومحزّم وخنجر، وهذا الأخير لا غنى للبدوي عنه فهو بالنسبة له وسيلة ذبح الذبيحة وقطع الحبال من أجل ربط الخيمة وما إلى ذلك. كما يستعمل البدو في سهراتهم الربابة التي لا تكاد تفارقهم في الحل والترحال وهي ذات لحنين مميّزين: (الونّة) و(التغرودة) الأولى للبدو عامة والثانية للسير بالإبل التي تعتبر مورد رزق وخير وغذاء بالنسبة لهم فيخضّ حليبها في (الشبيب) المكوّن من ثلاث عصي بشكل مثلث كي تخض الحليب وحلب النوق بجمع عادة في (السقا) وتربط الغوصة وتقع عملية الخض فتخرج الزبدة التي تصبح سمناً فيما بعد وأما البن المتبقّي من الزبدة فيوضع على النار ليخرج منه ما يسمّى بـ(الكامي) الذي يصبح جبناً بعد أن يجف. ويستعمل أهل البادية في الإمارات (خوص النخل) لتصنع منه (الكبة) وهي غطاء للرأس وللسروج ويقع صبغها أحياناً لتصبح ذات ألوان مختلفة. ويستعمل البدو صوف الأغنام بعد قصّه وغسله وتحفيفه وغزله على المغزل الذي هو عبارة عن آلة خشبية صغيرة تلف حولها الخيوط. كما يوجد (السدو) وهو عبارة عن آلة خشبية مربعة وعليه تصنع الخيام والتلي والمفارش وتصبح بألوان مختلفة. وتلبس المرأة البدوية (الكندورة) وهي عبارة عن جلباب وتضع فوقه عند المعصم (مخورة) أو (زري) مطرّز عادة وترتدي السروال و(الأوشياة) و(الوقاية) البرقع... تلك مشاهد مختلفة تختزل باديتنا الغنية بألوان مختلفة ومتشابكة ترتسم لوحة ناصعة على جبين الأرض التي طالما كانت منطلقا وملجأ، الأرض التي وهبت الإنسان كل هذا التنوع، وكل هذا الجمال الذي علق بالذاكرة ولا زال.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©