السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قاصد جداكم حافي.. يا حلوين المِشَمْ!

قاصد جداكم حافي.. يا حلوين المِشَمْ!
15 فبراير 2015 00:55
نوف الموسى (أبوظبي) من روح قصيدة (قاصد جداكم حافي) العريقة للقائد الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ارتحلنا نحو تلك الوجوه، التي عاهدتنا على سرد حكايا التراث، متوسدين فضاء مهرجان قصر الحصن، كملتقى إنساني، ومعرفة تاريخية، تضمن استمرارنا في إعادة اكتشاف طبيعتنا البدوية، وتعويذة البحر فينا، وما للجبال من دبيب يهز إحساسنا بالمكان، كتلك الشاعرية التي أبداها الشاعر الإماراتي الراحل أحمد مدني في إحدى قصائده معبراً فيها: «أنا ها هنا وأنا هنا، من كل صوب أقدم، عند البيوت.. يلفها الضوء الحنون، مفتوحة الأبواب.. نشوى في السكون، حيث العجائز.. في الضحى يتشمسون، من حولهم مرح الصغار بلهوهم يتضاحكون، أو يقفزون على الطريق ويمرحون ويلعبون، كشعاع شمس الظهر حين يداعب الموج الحنون». كثيرة هي تلك الملامح، ذات البشرة القريبة من لون الصحراء، المتأثرة بصخر الأعالي في غمقتها، وشمس الجزيرة العربية، تدعو الزائر للمهرجان، فرصةَ التأمل فيها، خلال غرقها في إيضاح أشكال التراث بأنواعه. «الاتحاد» اختارت منها أربعة وجوه، بين (صانع المحاميل) و(راعي القهوة الأصيلة) و(صوت الحداد) و(بائع المالح)، وظل الضوء السارد في الصورة، انعكاساً نوعياً لما يود أُناسنا قوله، إلا أننا هنا من التقطنا حس الفوتوغرافيا، ولم نعمد إلى فعل «البورتريه الذاتي»، ذلك الذي اشتهر به الرسام الهولندي ?ان غوخ، بل التقريب إلى قراءة الصورة. سفن عبيد عند الوصول إلى عبيد الزعابي، ضمن قسم صنع (المحاميل) أو السفن التي تم استخدامها قديماً للرحلات صيد اللؤلؤ والتجارة، ومشاهدته يبتسم وهو يصنع نماذج مصغرة للسفن، يؤمن الزائر أن هناك قصة قديمة جداً، ابتلعتها تلك الابتسامة، في أوج سنوات الصبر والتعب، سمعته يخبر صديقه شيئاً عن فن صناعة السفينة، كان يمسك تلك القطعة الخشبية، والمتوقع أن تكون من خشب «الساج» أو خشب «ساج البرما» أو خشب «الساج الأفريقي ساكفان» أو خشب «القرط»، وهي جميعها من أفضل الأنواع المستخدمة لذلك، ويعمد عليها (الدقل)، وفجأة.. اختفت تلك الابتسامة، وساد شيءٌ من صمت الملامح السمراء الداكنة، وانخفض مستوى وجه عبيد بميلان يصف فعل الحاضر الغائب، يا ترى أين ذهب عبيد، لماذا تركنا هنا، مشغولين بكيفية صناعة السفن، وجمالياتها، هل يزرو شيئاً ما عبر ذاكرته، عيناه توقفت عن الحركة وقتها، وتركزت في اتجاه واحد، هل عاد ليتذكر بعضاً من تلك الآلات التي استخدمها لصناعة السفينة، هل يحتفظ بها في بيته، في صندوق خاص، أم داهمه صوت «المجدح» وهي الآلة اليدوية التي تستخدم لإحداث ثقب في اللوح لإدخال المسمار فيه، أم دقة (المنقر) المستخدمة لقطع الأخشاب، أم صدى (الجلاب) وهو ينزع عبره المسامير، للأسف لم نرقب حركة أذنيه، إلا أنها في الصورة الفوتوغرافية، توحي بأنها متيقضة، وكأنها تسمع شيئاً ما! قهوة راشد الرائحة أخذتنا إلى هناك، حيث يستقبل راشد القايدي، الزوار، ويشاركهم بحكم الضيافة الإماراتية القهوة المحلية، نقرأ عادةً فعل القهوة، في صياغة البيئة المكانية أو الروحية، إلا أن تراسيم تجاعيد وجه راشد القايدي، الذي أمضى أغلب حياته، في صناعة وتناول القهوة، يجعلنا نبحر مع تجاعيده إلى تلك العروق، في جذوع شجرة القهوة، لم نسأل راشد إذا كان قد ورث عيناه القريبتان من اللون البني، من علاقته السرمدية مع القهوة، ولكن يلحظ الزائر مدى العلاقة بين ألوان النار والرمل وآلة المنحاس الحديدية، في تكوين وجهه، وتحديداً أسفل عينيه مباشرة، والذي يتوازى معها عمق التجاعيد، وهي إشارة إلى الأقدمية الزمنية من جهة، وإلى الديمومة والاستمراراً، حيث يتراءى لقارئ الحالة، معنى (الخلود) في وصف القهوة المحلية، في الإرث الانساني للمنطقة، ورصد الباحث عبدالله عبدالرحمن، ضمن كتابه التوثيقي «فنجان قهوة»، أجمل ما قاله الشعراء في صناعة القهوة، مقدماً بعضاً من ما سعى وجه القايدي إيصاله لنا، ومن بين ما قاله الشعراء، بحسب الباحث عبدالله: «إحمس ثلاثٍ يا نديمي على ساق.. ريحه على جمر الغضا يفضح السوق، وإياك والنيه وبالك والاحراق.. واصحى تصير بحمسة البن مطفوق، لي صفر لونه ثم يشتت بالأعراق..وغدت كما الياقوت يطرب له الموق». «بيب» عبدالله ليس غريباً علينا ذلك الهواء الظاهر من حالة الضغط المبعوثة من (بيب المالح) عند فتح غطائه، خلال عرضه للبيع، المتضمن سمكاً من نوع (القباب) عادةً، والمتشرب بالملح، قال عبدالله سبيعان، خلال شرحه لكيفية عمل ذلك لزوار أجانب: you should cut from up، بالانجليزية البسيطة جداً أفهمه عبدالله (بائع المالح)، كيف أن رأس السمكة لا يكون حاضراً في تلك الوجبة البحرية، ويتم إخراج تفاصيل العظم بأكمله، والذي يُحضر بعده طرق من بينها تحضير السمك المملح بغليه في الماء، أو عبر عمليه (تحميره) وتحضيره مع الأرز والبهارات. وظل وجه عبدالله، حكاية آخرى لخيرات البحر، ولم تؤثر على صحته تلك الكميات المهولة من الملح، بل ترى وجهه، بدا أكثر نضارة وحيوية، ورغم تعابير الحاجب الكاشفة عن كثير من التعب وشقاء المرحلة السابقة، إلا أن أهل الإمارات ظلوا يبحثون عن عناصر مختلفة للعيش. لوهلة تبرز اللحية البيضاء الممزوجة بالسواد، كعنصر رئيسي في الفوتوغرافيا اللحظية، لتفاعلات عبدالله مع زوار المهرجان، كمشهد الملح بلونه الأبيض، وحالات التبخر اللامرئية من مياه البحر، أو تلك التجمعات الصخرية الغنية بمعدن كلوريد الصوديوم، ما يجعلنا نتساؤل هل (المالح) من الأكلات الوطنية، كسمك (القد) المملح، المشهور في أوروبا ويعتبر من الأطعمه الوطنية في البرتغال؟ الحداد سالم وأخيراً.. الحداد سالم صالح، يراه الواقف أمام نموذج محله القديم، الواقع في الأسواق المحلية الشعبية، وهو ينفخ في النار، ويبث فيها من روح الاحتراق، وصنع شيء من انصهار اللحظة، يا ترى كم مرة احترقت يا سالم بنفس تلك النار، التي تجني عبرها رزقك وعيشك؟ في الصورة الفوتوغرافية نشاهده يرى المارين بعين تشبه العلاقة بين الحديد والنار، شكلت مع الوقت ذات سالم وانسانيته، تتوقع عند سماع صوت سالم أنه حاد أو قوي، إنما يدهشك سكونه وشفافيته، وقمة حضوره للاستماع إلى ما تقوله، إنها بانوراما الطبيعة، والرجوع إليها، تجدها في الجهة الجانبية من وجه سالم، كل شيء فيه ينصت إليك بصمت!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©