الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كينيا··· محاربة الفقر بسلاح المجتمع المدني

كينيا··· محاربة الفقر بسلاح المجتمع المدني
26 ديسمبر 2007 23:43
لوهلة اعتقد والداه أنه فقد عقله، فبتعليمه الثانوي الجيد كان ''كيفا نجيتو'' قادراً على تأمين وظائف صغيرة تنقذه من حالة العوز والحرمان التي يعيشها في ''كيبيرا''، أحد أكبر الأحياء الفقيرة في العاصمة الكينية نيروبي والأكبر على مستوى أفريقيا جنوب الصحراء· لكن بدلاً من ذلك قرر ''نجيتو'' المكوث في الحي وإطلاق جمعية خيرية لمساعدة الأشخاص الآخرين الذين يبحثون عن عمل داخل حيه الفقير الذي يحتشد فيه مليون نسمة ضمن بقعة لا تتجاوز مساحتها حديقة ''سنترال بارك'' في مدينة نيويورك· ويعبر ''نجيتو'' عن مدى ارتباطه بالمكان الذي ولد وترعرع فيه قائلاً ''لقد أتى والدي إلى نيروبي بحثاً عن العمل، وبالنسبة لهما كان حي ''كيبيرا'' منطلقهما للحصول على الحياة الأفضل التي كانا ينشدانها''· ويضيف ''نجيتو'' قائلاً ''لقد تحول الحي إلى مكاننا الخاص لذا نعمل على تغييره نحو الأفضل''· واليوم وفيما تتقدم كينيا نحو الانتخابات الرئاسية التي ستجرى خلال الأسبوع المقبل تضطلع جمعية ''نجيتو''، عبر برنامجها الموجه إلى الشباب، بدور مهم تركز من خلاله على تجاوز الخلافات العرقية والدينية بين سكان الحي· وهي الخلافات التي كثيراً ما استغلها السياسيون في الانتخابات السابقة لدعم أجنداتهم الخاصة والدفع بتطلعاتهم إلى السلطة· والمؤسف أن الجرائد المحلية بدأت تورد بالفعل تقارير يومية من مختلف مناطق البلاد عن عمليات نهب المنازل وإحراق السيارات، ومهاجمة المرشحين· ولتهدئة الأجواء شرع ''نجيتو'' منذ شهر أبريل الماضي في مد الجسور بين أكثر من مائة شاب ينحدرون من أصول مختلفة من خلال برنامجه الموجه للشباب· وفي هذا الإطار يقوم بتنظيم عروض مسرحية ونشر الوعي حول مرض الإيدز، فضلاً عن تسجيل أشرطة موسيقية بمضامين اجتماعية، أو أحياناً تنظيم مباريات في كرة القدم· والأكثر من ذلك توفر جمعيته للشباب فرصاً للتدريب ومساعدتهم على إطلاق أعمالهم الخاصــة في محاولــة للتغلـــب على ضغوط الحياة اليومية في الحي الفقير ودفع الشباب إلى تجاوز شروطهم الموضوعية بإبعادهم عن الأمراض والمخدرات· والواقع أن حي ''كيبيرا'' الفقير هو بمثابة نموذج مصغر للمجتمع الكيني، حيث يضم مجموعة كبيرة من السكان تنحدر من قبيلة ''لويو'' الذي يعتبر ممثلهم ''رايلا أودينجا'' أكبر خصم للرئيس الحالي ''مواي كيباكي''· هذا الأخير ينتمي بدوره إلى القبيلة الكبرى ''كيكويو''، ما يجعل حي ''كيبيرا'' بؤرة محتملة للاحتكاك بين الطرفين واندلاع أعمال العنف· ويعترف ''فيليك أوتينو''، أحد زملاء ''نجيتو'' في الجمعية أنه كان في السابق أحد القادة الشعبويين الذين يوظفون أطفال الحي لقذف الخصوم السياسيين بالحجارة بطلب من المنافسين السياسيين· ويوضح ذلك بقوله ''إنهم كانوا يعرضون عليّ المال من أجل تعبئة الأطفال في حملاتهم الانتخابية، ورغم أني لم أكن أقذف الحجارة بنفسي، فإن هناك أطفالا أجمعهم خصيصاً لهذا الغرض''· إن مجرد انتقال ''أوتينو'' للعمل في الجمعية أمر مهم لتغيير مواقف سكان الحي الفقير ودفعهــم إلى تجــاوز واقعهم والانخراط في أنشطة ينتفعون منها· ويستهدف البرنامج الذي يشرف عليه ''نيجتو'' قادة العصابات المتمركزين في الحي الذين ينتمون إلى إثنيات مختلفة وإشراكهم في النقاش حول مستقبل الحي ودوره في السياسة العامة للبلد، وهو النقاش الذي غالباً ما يقصون عنه لصالح الشرائح الأخرى المحظوظة من المجتمع· ويقول ''نجيتو'' في هذا الإطار ''تكون المشاكل أحياناً صغيرة لكنها تتفاقم وتتحول إلى صراعات مميتة بسبب غياب الحوار بين الأطراف المختلفة وعدم إشراك الناس في حل مشاكلهم بأنفسهم''· وقد بدأت الجمعية عملها قبل خمس سنوات بتضافر جهود كل من ''نجيتو'' واثنين من زملائه· ويشير الفاعلون في الجمعية أن البداية كانت صعبة، حيث اعتبرهم سكان الحي الأكبر سناً مجرد متمردين على سلطة الآباء والواقع، أنهم أضاعوا وقتاً طويلاً في المدرسة دون أن يتمكنوا من الاستفادة منه والحصول على عمل· وعلى غرار سكان حي ''كيبيرا'' الذين هاجروا إليه من الأرياف بحثاً عن فرص للعمل استقر والد ''نجيتو'' في الحي وأصبح عاملاً في أحد المصانع بمدينة نيروبي· وقد أبدا ''نجيتو''، من بين ستة إخوة آخرين، نبوغاً لافتاً في دراسته منذ سن مبكرة، ما دفع أفراد العائلة إلى الالتفاف حوله ومساعدته بالمال لاستكمال دراسته· لكنه ما أن أنهى دراسته الثانوية حتى صعب عليه دخول الجامعة بسبب الأعباء المالية وحاجة الأسرة إلى احتياجات أخرى· ويقول ''نجيتو'' في هذا السياق ''لقد كان هناك من هم أقل مني في مستواهم الدراسي ومع ذلك تمكنوا من دخول الجامعة لتوفرهم على المال، وقد شعرت حينها بالظلم''· وبالنسبة لوالدي ''نجيتو'' فإنهما كانا يريدان لابنهما أن يحصل على عمل ويغادر حيهم الفقير، غير أن المسار الذي اختاره ''نجيتو'' دفعه إلى الاستقرار في حي ''كيبيرا''· وقد تمكنت جمعية الحي التي أسسها من استقطاب انتباه الجمعيات الخيرية العالمية مثل ''الوكالة الكاثوليكية للتنمية في ما وراء البحار'' التي قدمت منحة نظير الجهود التي تقوم بها جمعية ''نجيتو'' الخيرية وصلت إلى 30 ألف دولار· وبخصوص المنحة التي حصلت عليها الجمعية يقول ''توم أونيانجو''، مسؤول برنامج السلام في الوكالة المذكورة ''إن منحة مالية صغيرة قادرة على تغيير الكثير من الأشياء، لأن عمل الجمعية ينطوي على الكثير من الابتكار ويستطيع الوصول إلى فئات واسعة من الناس التي تعاني من العنف في أحياء نيروبي الفقيرة''· روب كريلي - كينيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©