الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صراع القوى في العراق·· وحلم الهدوء المؤجل

صراع القوى في العراق·· وحلم الهدوء المؤجل
24 ديسمبر 2007 22:48
اندفع الصبي النحيف نحو دورية الجنود الأميركيين التي كانت تعبر شوارع ضاحية ''الدورة'' -تحمل جدران مبانيها آثار شظايا القنابل والمتفجرات- رافعا قميصه كاشفا عن علامات الضرب المبرح على ظهره الدامي، ثم قال إنه عضو في جماعة من جماعــات ''الصحـوة السنية'' المحليـــة -تتقاضى راتبها من الأميركيين للقيام بأعمال الدورية في الضاحية- وأن أعضاء جماعة أخرى منافسة هم الذين قبضوا عليه، ونزعوا الشارة عضويته من ذراعه، واتهموه بأنه عضو في تنظيم القاعدة، ثم انهالوا عليه بالضرب المبرح· لم يدر الجنود الأميركيون ماذا يتعين عليهم عمله، خصوصا بعد إدراكهم أن الجماعات العاملة في هذه الضاحية غير قادرة على العمل معا بانسجام، وأنها تخوض صراعات داخلية فيما بينها أو مع الجماعات الأخرى؛ فمن المعروف أن جماعات حركة الصحوة التي تتكون في معظمها من أعضاء من العرب السنة، تم تجنيدها من أجل محاربة التنظيمات الإسلامية المتطرفة، وأنها قد تحولت إلى قصة نجاح كبيرة، بعد أن امتد عملها من مناطق القبائل السنية في الأنبار إلى مناطق أخرى، وتحولت إلى شبه جيش يتراوح عدد أفراده ما بين 65 ألفا إلى 80 ألفا خلال فترة لم تزد عن عام· وهذه القوة التي تمثل محورا مهما في الاستراتيجية الأميركية الرامية لتهدئة العراق، حظيت بالكثير من الثناء، بعد أن تمكنت بالفعل من تهدئة الأوضاع في المناطق التي كانت مقرا للتمرد السني، بيد أن تلك الحادثة تكشف على أن الحزازات المحلية والعصبيات العشائرية لا تزال تلعب دورا واضحا في تقويض الخطط الأميركية، علاوة على ذلك يقول الأميركيون إن التوسع السريع للقوة التي يمكن أن تصل إلى 100 ألف مقاتل خلال فترة وجيزة له مشاكله الخاصة أيضا· فمع التحاق الآلاف من المتطوعين الجدد بهذه القوات، يصبح من الصعب فرز الجواسيس والعملاء واستبعادهم، كما يصعب المحافظة على ولاء الأفراد المنضمين لفترة طويلة، كما تواجه القوات الأميركية عقبة أخرى، تتمثل في كيفية استبقاء قوام تلك القوة ذاتها، عندما تقوم بتسليم المسؤولية عنها إلى الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة، خصوصا وأن الأخيرة تبنت دائما موقفا حذرا، متشككا، بل ومعاديا تجاه تلك الحركة· وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها هذه الحركة، والتي تمثلت في قدرة أفرادها على تقديم معلومات استخباراتية مهمة، وعلى منح جهود إعادة الأعمار فرصة جديدة، فإن الأميركيين يقرون بأن الحركة تمثل مشروعا يحمل في طياته درجة خطر عالية، وأنها تمثل تجربة جديدة في الحرب المضادة للتمرد، التي يمكن أن تحمل في طياتها بذور الحرب الأهلية، بل ويمكن لها أن تحقق أسوأ المخاوف، وهي أن تكون الولايات المتحدة قد ساعدت دون أن تدري على تنظيم ورعاية جماعات سنية ستعمل في النهاية ضد الحكومة المركزية التي أنفقت الولايات المتحدة الكثير من المال والأرواح من أجل تنصيبها وبقاءها· وفي مقابلات تم إجراؤها مع أعضاء جماعات الصحوة في 10 مواقع على عدة أيام، تبين أن تلك المجموعات قد نجحت بالفعل في تحسين مستوى الأمن في المناطق المكلفة بالعمل فيها، ولكن تبين أيضا أن لهؤلاء الأعضاء قدرا محدودا من الولاء لديهم للزعماء الشيعة الذين يديرون الحكومة· والأميركيون مسكونون بهاجس هو أن يتحول العراق إلى صورة لما حدث في أفغانستان، عندما تمكنوا في البداية من شراء ولاءات زعماء القبائل، إلا أن هؤلاء الزعماء عادوا مرة أخرى للولاء لطالبان عندما توقف تدفق الأموال الأميركية؛ ويقول الكولونيل (عقيد) ''مارتين سانتون'' -رئيس المصالحة والارتباط في الفيلق المتعدد الجنسيات في العراق- إن العسكريين الأميركيين ليس لديهم أي أوهام بشأن ماضي أعضاء جماعات الصحوة، أو بشأن الأسباب التي أدت إلى تغير مشاعرهم· يقول ''سانتون'': ''هؤلاء الأعضاء لم يكونوا رجالا ضربتهم صاعقة، أو شاهدوا دغلا يشتعل وخرجوا منه هاربين لينضموا إلينا، إنهم رجال كانوا حتى العام الماضي يتعرضون إلى الضرب من جهتين متعارضتين، القاعدة من جانب، وقواتنا من الجانب الآخر، فقد كنا في نظرهم غزاة ولا شك أننا لا زلنا كذلك، ولكنهم وجدوا أنفسهم أمام خيار يتعلق ببقائهم واضطروا لاتخاذ هذا الخيار''· وعلى الرغم من أن الأميركيين يحصلون على معلومات إحصائية مفصلة حول أعضاء الجماعة السنية لمحاولة فرز المتمردين المعروفين، إلا أن المسؤولين الحكوميين والمواطنين الشيعة يقولون إنهم يخشون من الانتشار والتوسع السريع لجماعات الصحوة، لأنه من الصعب على القوات الأميركية أن تحتفظ بسجلات يمكنها أن تساهم في تعقب حركة جميع الأشخاص الذين انضموا إلى تلك الجماعات· وعلى الرغم من أن المسؤولين الحكوميين يبدون أحيانا وكأنهم على استعداد للقبول بالطبيعة العشائرية للجماعات السنية في الأنبار، إلا أنهم يشعرون بالشك والتوجس من الجماعات الجديدة الموجودة في بغداد والمناطق المحيطة بها، لأن تلك المجموعات على وجه التحديد تضم أعضاء من النظام البعثي في قياداتها، كما أنها تمارس نشاطا ملحوظا في الأحياء المختلطة التي يسكنها سنة وشيعة· وحسب ''صفاء حسين'' -نائب مستشار الأمن القومي العراقي والذي يعمل كمسؤول اتصال في برنامج الصحوة ممثلا لحكومة رئيس الوزراء-: ''الكثيرون يعتقدون أن هذا البرنامج سوف ينتهي بتكوين جماعات مسلحة، يصل تعدادها إلى عشرات الآلاف معظمهم من السنة، وأن ذلك سوف يستفز الشيعة ويدفعهم لتكوين جماعات مسلحة مماثلة بحيث ينتهي الأمر بحرب أهلية''· ما يبدو الآن هو أن الأميركيين والحكومة المركزية العراقية يعملان وفقا لجدولين زمنيين وأجندتين مختلفتين؛ فعلى الرغم من أن مسؤولي الحكومة العراقية قد وافقوا من حيث المبدأ على إضافة عدة آلاف من الجنود لقوات الأمن، إلا أنه لوحظ أن معارضتهم لانضمام أعضاء جماعات الصحوة لتلــك القوات قــد ازدادت حــدة وارتفاعــا، وهو ما تأكد السبت الماضي عندما عقد ممثلو وزارتي الدفاع والداخلية العراقية مؤتمرا صحفيا مشتركا أكدوا فيه أن العراق لن يقبل أن تتحول الجماعات السنية إلى ''قوة ثالثة'' إلى جانب قوتي الجيش والشرطة· أما الجيش الأميركي، فإنه يمضي في خططه لزيادة عدد أعضاء هذه الجماعات، ورغم الوعود التي قدمها المسؤولون العسكريون الأميركيون للحكومة المركزية، فإن القوات الأميركية لم تقم بشطب أي عضو من أعضاء جماعات الصحوة خارج محافظة الأنبار من كشوف رواتبها، وتحويله إلى الحكومة العراقية لضمه لقوة الدفاع أو الشرطة· وهو الوضع الذي اختلف في بغداد إذ من بين الـ43 ألف عضو جديد الذين انضموا إلى جماعات الصحوة هناك، تم تحويل 1700 عضو من العاملين في ضاحية أبو غريب من كشوف الجيش الأميركي إلى كشوف الشرطة العراقية· ويشار إلى أن هناك آلافا آخرين من أعضاء تلك الجماعات قد قدموا طلبات للانضمام إلى الشرطة العراقية، غير أن تلك الطلبات لم يبت فيها بعد، حيث لا يزال هؤلاء الأعضاء يتقاضون رواتبهم التي تبلغ في المتوسط 300 دولار أميركي من الجيش الأميركي، وهي رواتب تقل كثيرا عن معدل الرواتب الشهرية في الشرطة أو الجيش· أليسا جيه روبن وداميان كيف -بغداد ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©