الصليب المعقوف··· بريء من فعل هتلر

رداً على الحملات المنظمة لحظر استعمال الصليب المعقوف ومنع تداوله والتي تسعى لها المانيا منذ أكثر من ستة أشهر متوجهة إلى دول الاتحاد الأوروبي، تقوم مجموعات من الأوروبيين الهندوس من بريطانيا وهولندا وبلجيكا وفرنسا وايطاليا بتهيئة وفد كبير للتوجه إلى البرلمان الأوروبي لمعارضة الحظر الذي بات مفروضاً في معظم المقاطعات الألمانية· وفي هذا الصدد يقول الهندوس: ''إذا كان الألمان لا يعرفون أهمية الصليب المعقوف بالنسبة لنا فهذه مصيبة، أما إذا كانــوا يعلمون ما يمثله لنا ويستمرون في حملاتهم الشعواء لحظره فتلك مصيبة أكبر''، مبرّرين غضبهم بالقول: ''لقد استخدمت العصابات العنصرية الأميركية الصليب لإرهاب السود والملوّنين في أميركا، فهل يطالب السود والملوّنون بحظر الصليب مع كونه رمزاً دينياً لسائر المسيحيين؟''· تعني كلمة الـ"Swastika" -الصليب المعقوف في اللغة السنسكريتية- أن ''الخير هو الغالب''، لكن هذا المعنى هو أبعد ما يكون عمّا قام به ''هتلر'' الذي اعتمد هذا الرمز منذ العام 1920 شعاراً لحركته النازية العنصرية، نظراً للاعتقــاد السائد بـأن جـذور الألمــان تعــود إلى قدماء الآريين الذين استعملــوا الرمز المذكور منذ عصور كدلالة على تفوّق العنصر الآري· وعلى الرغم من أن الصليب المعقوف أو صليب ''هتلر'' كما هو شائــع، أصبح رمزاً للعنصرية والعنف بسبب النازيين، إلا أن ذلك لا يلغي المعاني الأخرى التي يجسّدها بالنسبة لجماعات مختلفة· واستناداً إلى التاريخ، فإن الصليب المعقوف قد ظهر قديماً في الهند في جميع الاحتفالات الدينية وحفلات الزفاف وكان رمزاً مقدساً في الديانات الهندوسية والبوذية والجاينزمية (Jainism) ورمزاً معمارياً في مختلف المعابد والقصور والمحال العامة· يعتبر الهندوس الصليب المعقوف مقدساً، لأنه يمثل في اتجاهيه المتناقضين الـ''براهاما''، فكانت الجهة اليمنى تعني لهم تطور الكون، فيما تعني اليسرى عودة الكون إلى حجمه السابق، ليعتبروه في وقت لاحق رمزاً للخير والسلام وحالياً للحظ، لذلــك عمّموا استخداماته في بيوتهم ومحالهم وأعراسهم وسائر احتفالاتهم الدينية· وكذلــك الأمر بالنسبة للبوذيين، فظهر في مختلف المخطوطات البوذية، أما في الصين فقد تمّ وضعه على ياقات الأطفال الصغار لردع الشرّ عنهم· أما لدى الجانيزميين فاعتمد الصليب المعقوف أحد أهم الرموز الـ24 المقدسة لديهم حيث حتمت الواجبات الدينية عندهم رسمه في المعابد وعلى الكتب الدينية وخلال الاحتفالات من خلال رسمه بالأرز على الأرض· إلى ذلك، ظهر هذا الصليب في عدد من الحضارات والثقافات المختلفة، ففي عهد الامبراطور الصيني ''وو تانغ'' تم اعتماده دلالة على الشمس وكان ينتشر بكثرة في البيوت الصينية ودور العبادة البوذية، كما استخدمته الصين واليابان لاحقاً في الخرائط الرسمية للدلالة على مواقع المعابد البوذية· أما في الولايــات المتحــدة فقد عمــدت بعــض القبائــل الأميركيــة في وادي ''اوهايو'' إلى اعتمــاده رمزاً مقدســـاً للريـــاح أو للشفــــاء أو للخصوبة والاستمرارية، وذلك بحسب اعتقادات كل قبيلة، في حين اتخذته قبيلة ''كونايــالا'' وهــي إحــدى أكبر القبائــل في بانــامــا رمــزاً لـ''اوكتوبس'' أو الأخطـبوط الكبيــر الذي يعبدونه، ووضعوه شعاراً في منتصف راياتهم· وفي الهندسة، ظهر الصليب المعقوف في الزخارف والخرائط الهندسية القديمة، كما وجدت العديد من الأواني والخزفيات التي تعود إلى العصر الحديدي في شمال القوقاز، وعُثِر على لوحات جدارية وحجرية تحمل هذا الرمز في وادي الهندوس في الهند وايران وآذربيجان وروسيا والصين وبعض الدول الأفريقية، مما يدل على أنه كان متداولاً بشكل كبير وواسع ويحمل معاني مختلفة· إلى ذلك، استخدم الصليب المعقوف كثيراً في هندسة البيوت والقصور الرومانية بحيث كان البلاط والموزاييك منه تحديداً، يحمل نقوشاً مماثلة· وفي فرنسا كذلك استعمل حيث كانت أرضية الكاتدرائية في ''امينز'' عبارة عن رسومات لصلبان معقوفة متصلة ببعضها بعضاً تدل على الاستمرارية والحركة الدؤوبة والمتواصلة· ولم يقتصر استخدام الصليب المعقوف على العصور القديمة بل سجلت له استخدامات حديثة في فنلندا وطاجكستان وبعض دول جنوب آسيا· ففي فنلندا، تلقت القوات الجوية الفنلندية طائرتها الأولى عام 1918 كهدية من الكونت السويدي ''اريك فون روزين'' وكانت تحمل رسومات الصليب المعقوف لاعتقاد أنه يجلب الحظ الجيد، ليتم في ما بعد استخدام الصليب المعقوف الأزرق شعاراً للقوات الجوية الفنلندية تكريماً لـ''روزين'' الذي تبرع بطائرتهم الحربية الأولى· إلى ذلك، فإن البروتوكول الفنلندي يحتم على رئيس فنلندا أن يرتدي زياً رسمياً يُعرف بزيّ ''صليب الحرية'' الذي يحمل رسوماً عدة من بينها الصلبان المعقوفة، وهو صليب صُمّم من قبل الفنان ''اسكيلي غالين غاليلا''، إلا أنه تمّ إلغاء هذا الرمز في فنلندا احتراماً لمشاعر الألمان· ومن جهة أخرى، اعتبر الصليب المعقوف رمزاً للثراء من قبل عدة مؤسسات في جنوب آسيا، كما اعتمد رمزاً لجمعيتي الصليب الأحمر والهلال الأحمر في الهند وسريلانكا لبعض الوقت· وأخيراً، دعت السلطات في طاجكستان مواطنيها إلى تعميم استخدامه رمزاً للأمة، حتى إن الرئيس ''امومالي راهمونوف'' اعتبره رمزاً للآريين وخصّص عام 2006 للاحتفال بالحضارة الآرية وبإسهاماتها للعالم، إلا أنّ هذه الخطوة لم تلق الأصداء الإيجابية في ألمانيا التي استنكرت هذا الفعل وندّدت به· ويبدو أن الأحلام الألمانية بحظر الصليب المعقوف لن تتحقق، ولاسيما أن هذا الرمز موجود منذ أكثر من 5000 عام، وليس من الممكن حظره وإلغاؤه بسهولة لكونه جزءاً لا يتجزأ من الكثير من الديانات والحضارات· وحسبما يظهر، فإن على الألمان أن يتعلموا كيفية التعايش مع هذا الرمز المعقوف وأن يتقبلوه كما هو ويعتبروه ببساطة رمزاً للتعلم من دروس الماضي!