السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ذاكرة العملات تروي سيرة الإمارات

ذاكرة العملات تروي سيرة الإمارات
22 ديسمبر 2007 23:04
اعتادت الأمم والأقوام أن تحتفظ برموز وأشكال تمثل جانباً من تراثها بكل تجلياته الحياتية، وتمثل لها العزة النفسية والقومية، وإماراتنا الغالية واحدة من الدول التي تعنى بالتراث والحضارة وتسعى لإظهاره بشتى الوسائل ومنها العملات التي تكتسب أهمية خاصة لكونها مادة يتداولها الناس يومياً، من هنا قامت الدولة بوضع رموز كفاحها ونهضتها وعزتها على عملاتها، وجيّرتها لخدمة التراث والمحافظة عليه ونشره· حيث حملت النقود بكل فئاتها رسومات لمختلف المفردات البيئية والمعالم الطبيعية التي تشكل كينونتنا الحضارية وتعكس فخرنا براثنا وأرضنا وشعبنا، ما استدعى رسمها وسكَّها في العملة، كي تبقى ماثلة أمام أعيننا وتمثلنا أمام الشعوب الأخرى· بدأت حكاية العملة مع قيام الدولة وبروز أهميتها على المستوى العربي والدولي، إذ كان لابد أن يكون للإمارات نقدها الخاص فتم تأسيس مجلس النقد عام ،1973 وكانت أولى مهامه إصدار العملة الوطنية (الدرهم)، لتحل محل العملات السائدة آنذاك، و توالت بعدها الإصدارات النقدية في عدة مناسبات منها: ذكرى العيد الوطني، و صعود المنتخب الكروي لنهائيات كأس العالم، و تأسيس جامعة الإمارات، وغيرها من المناسبات الوطنية· وكانت جميع وحدات العملة المعدنية والورقية تحمل على وجهيها تفاصيل تراثية كالدلة والبرجيل والحصن والقلعة والسفينة والنخلة والخنجر والصقر والغزال والخيل، ورموزاً أخرى تتصل ببيئة الإمارات وتعكس تاريخها· وجهان لعملة واحدة يشير الباحث نجيب الشامسي في كتابه النقود في دولة الإمارات إلى أنه بالرغم من كون عملات الإمارات ودول الخليج عكست دائماً الواقع، وأشارت إلى تاريخها، حيث لم تكن تخلو تلك الفئات النقدية الورقية، من رسوم زوارق الصيد والنخل وصولاً إلى منصة بئر نفط، كإشارة إلى أن هذه الرموز الثلاثة هي مصادر الدخل والمعيشة، إلاّ أن الهدف الأبرز من الإصدارات النقدية المتلاحقة كان تكريس تفاصيل التراث على وجهي العملة، بحيث يقرأ كل من يتداول العملة ماضي وحاضر المنطقة، بما يعني أنها -العملة- في خدمة التراث لترسيخه في ذاكرة الناس · اعتداد بالهوية ولعل الوقوف على مدلولات التفاصيل التراثية التي عكستها عملة الإمارات يرشدنا إلى أن مظاهر الحياة على كل الصعد (الدينية، الاقتصادية، الجغرافية، التاريخية، الاجتماعية) التي تجلت في الفئات النقدية الورقية، وغطت كل الجوانب الحياتية، إنما رسمت ملامح الدولة بريشة التراث· فعلى الصعيد الديني كانت ولا تزال رموزنا تتعلق بما قدمه لنا ديننا من حضارة نقلناها إلى بقية الشعوب، وعن هذا يقول الفنان محمد مندي الذي خطَّ جميع الفئات الورقية من عملة الإمارات والبحرين وبعض الدول العربية: أبرزت بعض أوجه العملات تمسك دولتنا بالدين الإسلامي من خلال رسوم المساجد والمآذن والخطوط والزخارف الإبداعية، وعكست بالتالي التراث الروحي- الديني لابن الإمارات واعتداده بالحضارة الإسلامية· ما يجعل هذا التفصيل التراثي بمثابة هوية وملمح للإمارات يتعرف إليه الناس من خلال تداولهم العملة· ألوان تراثية أما على الصعيد الاقتصادي، فيرى السيد عادل أحمد خوري، مدير عام مؤسسة البدر للصرافة أن بعض فئات العملة الإماراتية حملت رسومات آبار النفط، والمنجزات الحضارية في شتى المجالات كالبناء والتعليم والطبابة والثقافة والرياضة ومجالات أخرى تشير إلى نهضة الإمارات· وقد اعتمدت في معظم تلك العملات على ألوان تراثية مستوحاة من البيئة نفسها كالفئات النقدية التي حملت لون الرمال (5 دراهم) أو البحر (500 درهم) أو النخيل (10 دراهم) تأكيداً على أن الحداثة والمعاصرة لا تحول دون التمسك بماضي وتراث المنطقة · يضيف: في إطار الصناعات هناك عملات تحمل رسوماتها دلالات التجارة كصناعة سفن الغوص وصيد اللؤلؤ، أو شباك صيد السمك، أو بيوت سعف النخل أو صناعات تقليدية، تندرج جميعها تحت مسمى تراثيات المنطقة التي سجلت وقائع أيام الأجداد والآباء · ملامح البلاد وللبيئة والطبيعة حضورهما البارز حيث تحمل العملات مشاهد الطبيعة من بحر وشاطئ وأفلاج وجبال وأعشاب وأشجار نخيل، ولا يخفى ما تحظى به النخلة من مكانة في وطننا الغالي، وما تملكه من دلالات عظيمة في الماضي والحاضر· ويتصل بهذا الجانب رسوم الحيوانات كالظباء والغزلان والخيل رمز القوة العربية، والجمل (سفينة الصحراء) شريك الأجداد في حياتهم اليومية، والصقور التي تعكس اهتمام الدولة برياضة القنص· كما تشتمل عملة الإمارات على رسوم لمعالم أثرية كالحصون والقلاع، مثل حصن الفهيدي وقلعة الجاهلي، وكذلك صور بعض الأواني الأثرية المكتشفة في المنطقة، ورسوم لمنمنمات قديمة· وقائع الأيام الصعبة وعلى الصعيد الاجتماعي: أكدت الرموز التراثية المرسومة على العملات، سواء في الإمارات أو الخليج العربي، على هوية وخصائص المنطقة، وكانت خير أسلوب للتعبير عنها والتعريف بها وبتراثنا وتاريخنا ووقائع أيامنا في الماضي· فرسوم بيوت سعف النخل، والبراجيل، والحلي التقليدية القديمة، والخنجر والسيف ودلة القهوة، والصبية الصغار بلباسهم المحلي، والفتيات اللواتي يمارسن لعبة شعبية، والأجداد في مراكب الغوص ورحلات صيد اللؤلؤ، وغيرها ليست إلا رموز تعكس الحياة اليومية -الاجتماعية- آنذاك، وتسرد وقائع الأيام الصعبة والحياة القاسية، وتلتفت بوفاء وتقدير إلى تلك الأيام التي عاشها الأجداد· إنها رموز شاركت في صياغة الماضي، ولهذا استحقت أن تكرّم وتحفظ في عملاتنا· سفير بلا سفارة لم يقم أحد بتقليدها وساماً دبلوماسياً أو تخصيص مقعد لها بين السفراء، مع ذلك تمارس العملة دور السفير الماهر بامتياز، وتلعب دور الناطق الرسمي عنا وعن ماضي المنطقة وحاضرها، بلا أوراق أو خطب ولا سفارات، فقط ببعض الرسومات التي تشبه لجمالها اللوحات الفنية، وتتيح لأي شخص يطلع عليها أو يتداولها أن يشكّل فكرة عن ماضينا وحاضرنا، ولا غرابة في ذلك، فقد أضحت العملات أسلوباً إعلامياً مبتكراً لتبادل الثقافات والمعارف الخاصة بالشعوب وتراثها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©