الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد البكري·· لسانُ الصم والبُكم!

محمد البكري·· لسانُ الصم والبُكم!
22 ديسمبر 2007 23:03
حين دخل عالمهم شعر بأنه في مواجهة عالم يبدو كل ما فيه غريباً، لكن نداء ما في أعماقه كان يقول له إن هذا العالم جميل وحافل بمعاني التحدي والإصرار، شيئاً فشيئاً شعر بألفة كبيرة تشده إليهم، أحبهم، وأحب عالمهم وقرر أن يكون معهم ولهم· ولم يكن أمامه من سبيل ليفك ألغاز هذا العالم، عالم الصم والبكم، سوى لغة الإشارة، فعكف على دراستها، وأبحر فيها حتى أجادها، ثم علَّم من فقد حاسة السمع والقدرة على النطق والكلام هذه اللغة، أخرجهم من عالم الصمت الى عالم الكلام والتعبير عما يعتمل في نفوسهم وقلوبهم، صاروا يتحدثون بالأيدي، ويسمعون بالعيون، ويرسمون بالحركات صورة لعالم شديد الهدوء خالٍ من الصخب والضجيج· محمد طه البكري، أول مدرب لغة إشارة بالإمارات، عمل في مركز ذوي الاحتياجات الخاصة منذ (23 سنه) وما زال على رأس عمله حتى الآن، اختار مجال التربية الخاصة، فأكمل دراسته في فرنسا كمدرس متخصص في الإعاقة السمعية، أحب عالم الصم فقدم لهم لغة إشارة محددة وغير مقننة، ثم فكَّر بجمع الإشارات ووضع دراسة لها، فكانت أول دراسة له عن ''لغة الإشارة نحوها وصرفها''، وكانت هذه الدراسة مشتركة بين الصم في تونس والصم في الإمارات، وقدمها في أحد المؤتمرات التي نظمت عن أسبوع الأصم العربي بدبي، ولم يقف به الأمر عند حد إنجاز هذه الدراسة التي حوت (660 إشارة) بل اعتمدها في قاموسه الإشاري الذي تكلل به نجاحه· ما حققه من نجاح، وما رآه من سعادة على وجوه الصم والبكم، دفعه لاتخاذ القرار الأجمل والأهم في حياته: أن يكون جسرا للتواصل بين عالم الصمت وعالم الضجيج، فسخر حياته لخدمة عالم الصم والبكم، وعاش مشاكلهم، ولمس معاناتهم، وتوقف كثيراً أمام عجزهم عن الحصول على حقوقهم، فكان هو حلقة الوصل بينهم وبين المجتمع· يصحو محمد طه البكري مع إشراقة كل صباح ليجد نفسه وسط وجوه تؤكد له في كل حركاتها وسكناتها أنها حرة طليقة، ولديها إرادة وهمة تعانقان السحاب وطموح لا يحده حد· مدرب لغة الإشارة الذي تفوق وتألق، فاستطاع استيعاب كل مفردات لغات العالم في بضعة حركات تقوم بها الأصابع وتدعمها الأيدي أحياناً أو حركات الشفتين وتعبيرات الوجه، وربما بعض الإيماءات والهمهمات الغربية التي لا يفهمها سوى شريحة الصم والبكم، يبدو سعيداً بما نذر له نفسه، لقد زرع الأمل، فحصد سنابل الحب والإبداع والعمل· قبل أن نفترق، تمنى محمد للصم والبكم أن ينفضوا عن كاهلهم غبار الخوف من نظرات الناس الفضولية والغريبة، ويتسلحوا بالإرادة الفولاذية، وأن ينظروا دائماً إلى غاية نبيلة يسعون لتحقيقها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©