الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كيف كانت أحوال الفلسفة الإسلامية في الأندلس ؟

كيف كانت أحوال الفلسفة الإسلامية في الأندلس ؟
21 ديسمبر 2007 23:43
عن جوهر الحضارة الإسلامية في الأندلس، والرقي الإسلامي الذي مكَّن من التعايش بين المسيحيين واليهود والمسلمين، وفي الوقت الذي يحارب فيه المسلمون أفراداً وجماعات، ووقفنا في هذا الحوار عند النقلة في الفكر اليهودي على يد موسى بن ميمون الذي تأثر بابن رشد، وعن مواضيع فكرية مختلفة معنا الدكتور رشيد قوقام، أستاذ الفلسفة بجامعة الجزائر في هذا الحوار· ü الملتقى الذي شاركت فيه عنوانه: ''الحضارة الإسلامية في الأندلس في القرن السادس الهجري، القرن الثاني عشر الميلادي، عصر ابن رشد''، لماذا هذا الفيلسوف بالذات دون غيره من الفلاسفة في ذلك العصر؟ - لا، ليس تخصيصاً لابن رشد، وإنما ابن رشد كان علماً من أعلام هذا القرن، طبعاً لا نستطيع أن نُدخل مثلاً ابن حزم؛ لأنه وجد قبل القرن السادس هجري، ربما قد لاحظت أن في البرنامج شخصيات غير ابن رشد، فقد أشار المتداخلون إلى ابن طفيل وابن باجة، وكما تعرفين أن الملتقى ركَّز على فترة زمنية محدَّدة، والفلاسفة الموجودون فيها هم من كانوا محل تفكير وبحث· ü مداخلتك كانت حول التواصل الفكري في القرن السادس الهجري، تحدَّثت عن علاقة المفكِّرين فيما بينهم، كيف تقرأ هذه العلاقة في هذه الفترة بالذات مقارنة بعصرنا هذا؟ - في نهاية محاضرتي وصلتُ إلى استنتاج، وكان استنتاجاً تلميحياً وليس مباشراً، إذ أردتُ الإشارة إلى أن المسلمين في هذه الفترة كانوا في قمة ازدهارهم، وفي قمة عطائهم الفكري والمادي التكنولوجي، ولما كان لكلٍّ تخصصه وبما أن تخصصي هو الفلسفة، فلا بد أن اهتم بما له علاقة بالفلسفة مثل الفكر، وأقول: إن العلاقة في هذه الفترة هي علاقة تواصل وعلاقة إنسانية وحتى علاقة دينية، وإنما أشرت إلى هذا الجانب الديني دون أن أخوض فيه بالتفصيل؛ لأن الله سبحانه وتعالى وفي محكم تنزيله المبين ''القرآن الكريم''، أشار إلى أن الحكمة ضالة المؤمن، فالحكمة لا ترادف الفلسفة فقط، إنما قد ترتبط بتخصص آخر، فالطبيب كان يسمى حكيماً لارتباط الأطباء في العصر الإسلامي بالفلسفة فسموا ''حكماء''، فلذلك العلاقة إذا عملنا مقارنة بأحوالنا الآن، فنحن في تخلُّف كبير، إذ لا تعيش جاليات يهودية ومسيحية بالمغرب بالقدر الكافي مثل ما هو في الشرق، فبعد أن ضاعت الأندلس، أصبحت هذه الجاليات محدودة ومستترة، وهذه الجاليات أيضاً لا تخدم أوطانها، هي تنتسب إلى أوطان، ولكن لا تخدمها إنما تخدم عرقها خدمة عقدية، وخدمة سياسية، فاليهودي أو المسيحي المغاربي كل منهما يخدم انتماءه؛ اليهودي يخدم إسرائيل والمسيحي يخدم أوروبا وأميركا، ولكن في عصر الأندلس لم يكن الأمر يسير على هذا المنوال، ويرجع هذا الفضل إلى أخلاق المسلمين ولامتثالهم لعقيدتهم، وتطبيقهم الجيد للعقيدة الإسلامية بمعنى والتخلق بالأخلاق النبوية الشريفة التي تحترم الآخر وتتواصل معه ولا تعتدى عليه، وامتثالاً لهذه العقيدة، كان المسلمون بالأندلس في قمة عطائهم، لذلك تسامحوا وتعايشوا مع اليهود والنصارى وتركوهم في حريتهم، وتركوهم يمارسون عقيدتهم وشعائرهم في أماكن خاصة ولم يمنعوهم، ولكن هذا التسامح أوصل المسيحيين والنصارى إلى تقلُّد مناصب مهمَّة كوزراء مثلاً وفيهم من طرد، ولكن لا ينبغي أن تُقرأ هذه القراءة على أن المسلمين كانوا مستبدِّين أو ظالمين، وإنما كان طردهم ليس على أساس العرق أو الدين وإلا ما كانوا ليعينوا أصلاً، ولكنهم كانوا يخونون العهد؛ فإذا ولوا على المال يستبدون بالمال ويحرمون المسلمين، وإذا كانوا في السياسة يمارسون الكياسة ويضربون المسلمين، فكان رد الفعل الجماهيري الإسلامي·· وطالب العُلماء الحكّام بأن يخلعوا هؤلاء الأشخاص كأشخاص، بغض النظر عن انتماءاتهم، ولكن إذا قارنّا ذلك بالوضع الآن فسنجد المسلمين محاصرين ومظلومين مضطهدين ومُتهمين بالإرهاب، حتى وإن كان الإرهاب ليس إسلامياً ولا علاقة له بالإرهاب، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقول إن هذه السلوكيات النابعة عن أشخاص هي سلوكيات إسلامية؛ لأنَّ الإسلام له ضوابط وقواعد وشروط وقواعد في كل شيء، وله تحديد للمسؤوليات، ولهذا المسلم الذي يعيش في العالم الغربي لا يجد حريته لممارسة شعائره الدينية مثلما كان اليهودي والنصراني في الأندلس، ولا يجد حتى حرية كاملة في الكسب إلا في حدود ضيقة أو بمساومات، ولا يجد العالِم مكانته في مجتمعهم إلا إذا تخلى عن عقيدته أو يكلف بمهمة ضد عقيدته، هذه المساومات الرخيصة كان المجتمع الإسلامي بعيداً كل البعد عنها· ü كان الفيلسوف اليهودي الشهير موسى بن ميمون في عهد ابن رشد نفسه، هل حدث تزاوج في عهد ابن رشد بين الفلاسفة اليهود والنصارى؟ - في الحقيقة، السؤال مهم جداً، فموسى بن ميمون عاش في هذه الفترة، لكنه لم يستقر كل حياته بالأندلس، حيث انتقل إلى مراكش ولم يطل كثيراً؛ لأنه بذلك يخضع للعقلية نفسها والسلطة نفسها، سلطة الموحدين في الأندلس وفي شمال أفريقيا، وانتقل بعدها إلى مصر، أما من الناحية الفكرية، فموسى بن ميمون قلبَ صفحةً في الفكر اليهودي· ü بمعنى؟ - بمعنى أن العقيدة ''الموسوية'' لم تشغل نفسها بالفكر والفلسفة وما شابه ذلك مثل علم الكلام، إلا بعد مرحلة موسى بن ميمون، أما من قبله فكانت العقيدة اليهودية كلها تبحث في موضوع العلم·· ''الأساسيات''، النبوة، وقصص الأنبياء·· وتاريخ الأنبياء، وتاريخ البشرية، هذا هو المحور الجوهري للفكر اليهودي كله، لكن بعد مخالطة موسى وحياته وولادته في الأندلس، ومن ثمَّ في مصر، وضع طريقة جديدة؛ لأنه تأثر بابن رشد خاصة، ولكن التأثر كان بـ''عُلماء الكلام'' المسلمين، وأيضاً بفلسفة ابن سينا؛ لأن ابن رشد في القرن الثاني عشر لم يشتهر عند الأوروبيين، وهذا شيء معلوم، لولا هذا التأثر، إذ يقال إنه تتلمذَ بشكل مباشر على يد ابن رشد، وهذا ما جعله يقرأ ''التوراة'' قراءة جديدة· ü كيف ذلك؟ - بمعنى أنه أدخل ما يُسمى عند اليهود بـ''علم الكلام'' من خلال بحثه في صفات الله، وفي أبعاد الله، ومن بعد ذلك بحث في فعل الإنسان· ؟ كيف تقرأ رد ابن ميمون على ''الأشاعرة'' في دلالة الحائرين؟ - في معرض رده في كتابه ''دلالة الحائرين'' على الأشاعرة تأكيد للفكر الأشعري، إذ أدرج قسماً كبيراً للأشعرية، وبذلك انتقد بشدَّة ''المعتزلة'' أكثر من ''الأشعرية''؛ لأنه كان يرى أن القراءة الأشعرية هي القراءة السليمة للكتب السماوية، وهذا مأخوذ عن المسلمين، أما من الناحية الفلسفية فنظر في قضايا إشكالية عديدة، وألف في موضوعات كثيرة منها المنطق، ولم يشتهر هذا الكتاب، ولم يلتفت إليه كثير من الدارسين، وله مخطوط وجدته في دائرة المخطوطات في باريس، مكتوب فيه صفحة بالعبرية وصفحة بالعربية؛ لهذا قلتُ: إن التعليم كان بـ''العربية'' في الأندلس، ثم تُرجم لـ''العبرية''، وكثير من المستشرقين يقولون: إن الكتب الأصلية له، واليهود ترجمت هذه الكتب إلى اللغة العبرية ومنها ما تُرجم إلى اللاتينية أو ''القشتالية''، والكتب العربية كلها ضاعت، والموجود منها الآن الترجمات لما كتب بـ''العربية''· ü فلسفة ابن رشد كانت الجوهر الأساسي للفكر المسيحي والفلسفة اللاتينية بعد القرن الثالث عشر، كيف، ولماذا؟ - يوجد إشكال فلسفي في تاريخ الفلسفة الإسلامية، وأنا أتعجَّب كيف ارتقت الفلسفة الإسلامية بعدما طوَّرها ابن سينا، واستحدث فلسفة جديدة ضد الأرسطوطاليسية، وكذلك الفارابي لما وضع نصوصاً بـ''العربية'' بعيداً عن الفلسفة اليونانية في جميع الميادين والقضايا الفلسفية؛ فابن سينا أحدث طفرة نوعية في الفكر الفلسفي، ومن ثم ظهرت موجة أخرى وهي ''الحركة الأشعرية'' التي بدت خصماً لدوداً للفلسفة، ولكن وفي الوقت نفسه تفلسفت وهذا أيضاً شيء جديد؛ لأن ''الأشاعرة'' - كمتكلمين - مزجوا بين قضايا الفلسفة وقضايا علم الكلام لم يكونوا متكلِّمين محظيين، فالغزالي والرازي نستطيع أن نعتبرهم كمتكلمين، ونستطيع أن نأخذهم كفلاسفة، الغزالي - مثلاً - يعتبر أول من أدخل ''المنطق'' في علوم الشريعة، ثم أصبحت علوم الشريعة كلها خاصة أصول الدين، وأصول الفقه، لا يمكن تعلمهما إلا بقراءة المنطق والمعرفة به، وهذه طريقة جديدة· ثم انتصرت الفلسفة في الغرب بطريقة هذا التجديد ''السينوي'' - نسبة إلى الشيخ الرئيس ابن سينا - والفلسفة ''الغزالية'' - نسبة إلى الإمام أبو حامد الغزالي - ثم ترسَّخت عن طريق ابن تيمية؛ لأنه كان خصماً للفلسفة ولعلم الكلام امتثالاً واحتراماً وتقديراً لمذهبه الدِّيني - المذهب الحنبلي - الذي لا يخوض في الفلسفة وعلم الكلام عبر التاريخ، ولكن يأتي ابن رشد ويقلب الصفحة ليعود إلى نصوص الفلسفية الأرسطوطاليسية ويقرأها من جديد، هل هو تشكيك للتفاسير الأرسطية التي قبله؟ هذا ما لا يمكن أن يجيب عليه دارس· ü لماذا - ومنذ الأزل - يُقابل العُلماء والمفكِّرون إما بالطرد أو الحرق أو بالتنكيل، وكان هذا مصير ابن رشد حينما أحرقت كتبه؟ - التنكيل والعقاب أو التهميش، حينما يجدون هذه النماذج في الفكر الإسلامي يعتقدون أن هذه السلوكيات خاصة بالمسلمين أو بالحكام المسلمين، ولكن هذه ظاهرة إنسانية، فنحن نعرف أن سقراط اليونان سُجن وقتل بالسم، ويقال أيضاً إن عدم رضا الحكّام والطبقة الحاكمة في المجتمع اليوناني على أفلاطون أدّت إلى بيعه في السوق إهانة وإذلالاً له، ولذلك هذه ليست سمة إسلامية؛ فالحكّام يتشابهون، والطبيعة الإنسانية تتشابه·
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©